كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

قراءة في كتاب (الشعائر الحسينية امتداد وظيفي للشعائر القرآنية لسماحة السيد محمد صادق الخرسان)


 الشعائر الحسينية إحدى أشكال التواصل مع الرمز الحسيني، وأداء وظيفة رسالية من خلال المساهمة بالتعبئة الجماهيرية، وإثارات سلبية من جهات إعلامية مرتبطة بالجوهر السياسي، لهذا أكد عنوان كتاب سماحة السيد محمد صادق الخرسان على هذه الثنائية "الشعائر القرآنية والشعائر الحسينية" مؤكدا أن الشعائر الحسينية امتداد وظيفي للشعائر القرآنية.
والشعائر الحسينية هي ممارسات حضارية عريقة تشكل امتداد لنهضة الإمام الحسين "عليه السلام" الإصلاحية، وورود تلك الشعائر الحسينية بالقران الكريم، إحياء زيارة الأربعين تمكن من حفظ معالم النهضة من الضياع، وإبقاء الحدث حيا وفاعلا ومؤثرا في الجوانب المهمة، لو تأملنا في حديث الثقلين سنجد ترابطا عضويا بين القرآن المجيد وبين المعصومين "عليهم السلام" والذين اعتمدوا على الشعائر الحسينية لبناء المجتمع، والقاعدة الأساس هي استلهام ثورة الإمام الحسين "عليه السلام"
في موضوع ثنائية الشرائع والشعائر يرى المؤلف انسجام الشعائر وأحكام الشريعة، ولا تخالفها لذلك عدة تفاعلاتها الواقعية في حركة الأمة إلى حفظ الدين من مخاطر الانحراف، ولا بد أن تتقيد بحدود التقوى.
والشعائر ركيزة مهمة كقناة توصيلية تربط النهضة الحسينية بنهضة الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه" ولإقامة دول العدل الإلهي، ذلك لارتباط الوثيق بين تعظيم الشعائر والتقوى، يستدل من حصول حالة التعظيم على وجود حالة التقوى في نفس الإنسان
واستمر أئمة الشيعة "عليهم السلام" يحثون شيعتهم على التمسك بإحياء ذكرى استشهاد الحسين "عليه السلام" بما يحفظ الهوية الثقافية، فنجد أن ذكر الهوية قد فعل لنا الموضوع ورسخ لنا معنى تناقل الأجيال كونهم تمسكوا بالهوية التي أدامت لهم الشعائر رغم الرقابة السلطوية والاعتقالات والمنع الحكومي، الهوية مسؤولية معتقد، شعرت الشعوب بالمسؤولية التي على عاتقهم، الحفاظ على أصالة الهوية عبارة عن ضوابط تبعد المزاجية عن العمل.
يجيب سماحة السيد محمد صادق الخرسان في كتابه على الكثير من الأسئلة باعتبار أن بعض الشعائر مبتكرة، فهو يرى أن السلطات تعاقبت على حرب تلك الشعائر فلم يساعد الظرف على إقامة بعض الممارسات الشعائرية، وحتى الابتكار في الشعائر لا مانع منها، إن كانت لا تتعارض مع الحكم الشرعي، وهذا هو معنى (التقوى) ميزان المسموح والممنوع ضمان المستمر لاستقامة الإنسان.
كتب وبحوث ومصادر كثيرة كتبت عن حملات اضطهاد وإبادة جماعية ضد الشيعة، الحكم الأموي والعباسي وجميع الحكومات المتحاربة مع وجود مميزات تغير ميزان القوى لصالح الشيعة.
لا أريد أن تكون القراءة تاريخية، لكن جوهر الموضوع الذي ارتكز عليه الباحث السيد محمد صادق الخرسان، هو وجود العناية الغيبية، الحرب على الشعائر الحسينية امتدت من الدولة السلجوقي، الى سيطرة الأتراك مع التطور تلك الشعائر في عهد الحكم الصفوي، لا أتحدث عن عهود المنع والقبول السياسي لكن الحصيلة أن ممارسة الشعائر الحسينية في أي عهد هي من مفردات الحياة التي تراعي أحكام الشريعة، فالمؤمن هو من يمارس الشعائر في حدود التقوى، يمارس حقه بمواجهة الظلم للاحتفاظ بحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الإنسان.
ولأن فاجعة الطف شاهدة على أن الظالمين ابتعدوا عن معايير الإنسانية، أحد أهم مهام هذا البحث هو ترسيخ الوعي منطلقا من عدة محاور، سبل التأثير في وجدان التاريخ، قال الإمام الحسين "عليه السلام" (ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه) تغلب هذا الشعار على الإعلام المضاد في جميع مراحله الزمانية والمكانية، فخاطب عقول الناس وجعل النهضة في الضمائر، والأثر الوجداني من خلال حسن الشعار وسوء الرد الميداني الأموي وبعض الشرائح الاجتماعية لا يؤثر فيها خطاب الشرائع، لكن الشعائر أثرت فيها فالاعتداء على قدسية الحسين "عليه السلام" دلالة استهانة المعتدي على قيم السماء والأرض، وفضح الإرث الأموي بما قدم من جريمة قتل وإبادة جماعية.
الشعائر الحسينية تعمق الإيمان في عقيدة الانتظار المهدوي وحلقة وصل بين مرتكزات الأمة والأمل بالمستقبل، ومن حق أي شخص أن لا يتفاعل نفسيا مع أمر ما من الأمور، لكن من غير المنطق تعميم الأحكام على جميع الأمور بأنها سلبية.
 الشعائر الحسينية تساهم في تنمية وتطوير السلوكيات، ورافد فكري يستقطب فئات كبيرة من خارج المذهب، ومن خارج الهوية الدينية، الشعائر تمنح الإنسان حيوية وقدرة على التفاؤل والأمل.
ويبحث المؤلف في الدور التعريفي للشعائر والبعد الدلالي الذي يفوق في تأثيره الوجداني ما تقدمه وسائل الإعلام مع أهمية جهدها التوثيقي، فهي التزام وتقوى مواساة وموالاة وأصالة وبركة وتفاعل داخل حدود الانتماء الفكري الوجداني المؤمن، وتعمل على تنشيط الإرادة والالتزام بتوحيد أئمة أهل البيت "عليهم السلام" وحثهم لأحياء الشعائر، وتسليط الضوء على المضامين والمعاني، وبينها سبل الإنفاق من إيواء الزوار والإطعام والسقي.
ومضات مؤثرة سجلها لنا التاريخ من تراث أئمتنا عبارة عن منبع متدفق للقيم والأخلاق والانتماء،
 الإمام الصادق "عليه السلام" يقول (وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برنا) والشخوص السير من بلد إلى بلد بدافع المودة، روي عن رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" وهو يخاطب الحسين سلام الله عليه (يا بني أولئك طوائف من أمتي يزورونكم فيلتمسون بذلك البركة، وحقيق علي أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم ويسكنهم الله الجنة)
الإمام الصادق "عليه السلام" في قول له عن الصلة (ورجاء لما عندك في صلتنا) وفي قول آخر يصف به زوار الحسين "عليه السلام" (وسرور أدخلوه على نبيك صلوات الله عليه وآله)
 الشعائر الحسينية تسهم في تشكيل الوعي الإنساني لنقتدي بالإمام "سلام الله عليه" حيث أراد لنا أن نكون من يجسد في مودته وحدة الدين والصلاة ورعاية الحق وحفظ العهد والسلام

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!