مسك الختام في عنفوان الشباب: محاكمة السمّ القاتل
رحاب سالم البهادلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رحاب سالم البهادلي

المقدمة:
استشهاد الإمام محمد الجواد عليه السلام يمثل لحظة مفصلية في تاريخ الإمامة، لما فيها من مظلومية جمّة، ولغدرٍ مبكرٍ اختلط فيه سمّ السياسة بمرارة العقيدة. فقد استشهد الإمام وهو في ريعان شبابه، عن عمرٍ لم يتجاوز الخامسة والعشرين، بعد أن دسّ له السمّ من قبل زوجته أم الفضل بتحريض مباشر من الخليفة العباسي المعتصم (راجع: الإرشاد للشيخ المفيد، ج2). وفي هذه المقالة، نستدعي القاتل لا إلى محكمة الدنيا، بل إلى محكمة الوعي والضمير، بلغةٍ وجدانية تعبيرية تستلهم روح النصّ الحسيني والنبوي.
النص:
يا قتيلَ الشباب، يا نهرَ فضيلةٍ جفَّ في عزِّ انسكابه،
يا محمدَ الجواد، ما أشدَّ أن يزهر العمرُ، ويُقطف في فجر الندى!
وها نحن اليوم، على أعتاب بابك، نحمل دفاتر التاريخ، وننصب ميزان الحق، لنستدعي القاتل.
قف أيها السمّ، لا تفرّ من دفاترك السوداء...
قف يا ابنَ المأمون، لم تنهِ خلافة، بل نزفتَ براءة!
بأي ذنبٍ سقيت كأسَ السمِّ فتى لم يطوِ ربع الثلاثين؟
أتخاف من علمٍ لو انفجر على منبر بغداد لاهتزت أركان الطغيان؟
أتراك خشيت سُلالة النبوة أن تفضح ليلك بالضياء؟
ها هو التاريخ يسجل حضورك في قفص الاتهام...
صمتك لا يُجدي، فكلُّ حجرٍ في سامرّاء يشهد،
وكلُّ دمعةٍ في عين زينبِ العصر، دليل.
أيها القاتل...
لم يكن السمُّ في قدحٍ فقط، بل في نياتكم، في أقلامكم، في محابر عروشكم…
قتلتَ الإمام، وظننت أن الصمت سيخنق الصدى!
لكن هذا الجواد ترك من خلفه فكرًا يركض، ينهض، يُنبّت حقًا في أرض الحُجُب.
يا محمد الجواد...
قلوبنا تعتذر...
فالقاتل فرَّ بجناح الخلافة،
لكنه لم يفلت من قُصاص المحبة،
ولا من محكمة التاريخ،
ولا من نار الغضب الإلهي.
سنبقى نُقيم المأتم في العقول قبل الدموع،
نحفر في ضمير الأمة:
أنَّ الطغيان حين يقتل إمامًا، لا يُطفئ النور،
بل يُوقدُ فينا ألف قنديل... باسمك يا سليل النبوة.
قال الإمام الرضا عليه السلام: لا يولد مولود أعظم على شيعتنا بركةً منه (عيون أخبار الرضا، ج2).
استشهد الإمام الجواد عليه السلام سنة 220 هـ، في بغداد، ودُفن في مقابر قريش بجانب جدّه الكاظم عليه السلام.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat