أكتب عن أحدى ليالي جريش من حاوي الحجاج مقابل ناحية العلم ، تستيقظ الورقة على صراخ جريح ، مجرد فكرة طرأت على بالي أن أمسح ما كتبت ، تمرد حينها الجريح ، وهو يعترض علي :ـ ليس كل ما يكتب يمسح ، ويبدو إنكِ لا تفهمين معنى الجراح التي تغوص في أعماق الإنسان لتصير ضميراً ، كل شيء يمكن أن تمحيه من وجه الورقة إلا الضمائر ؛ لهذا قررت أن أغادر الورقة محاولة مني لتأجيل الوجع ، اكتشفت حينها إن الأمر ليس مزاجياً ولا يتبع رغبة فاتنة ، والكتابة حنين يشدنا إلى الجراح ، والاحساس بوجع المكابدة . الأحداث التي جرت في حاوي الحجاج كأنها جرت في بيتي ، أحداثها الدامية تنزف في غرفتي ، هذا ما دونته أم سعد على جبين الورقة ، تتسارع نبضات القلب الى الفكرة . القصة من مذكرات جرح من جراح العراقيات ، ربما رحلة من رحلات الألم التي تسامت على زمن المزايدات ، أخذت شكل شاعر يمجد قبيلته ، وأنا ؟ :ـ لك الله يا أم سعد ، ولك العراق والناس ، توجهت الى منزلها في اعلى الورقة ، سلمت ، عانقتها بحرارة ، يبدو أنها كانت في قيلولة ما قبل الغداء ، أستيقظت مبتسمة ، وهي تقول :ـ نسيت القدر على الطباخ ونمت ، لولاك لأحترق الأكل ولبقينا بلا غداء ، عاملتني المرأة كواحدة من أهل البيت ، لم تسألني من أين أنت ؟ وماذا تريدين ؟ ذكرتني بأمي حين تستقبل ضيوفها لا تسألهم اطلاقا حتى لو انقضت فترة الضيافة ، الى أن تتكلم الضيفة بحاجتها ، أسترخى القلم في يدي ، وبدأت الحروف تتحدث مع نفسها ، وأنا لا أعرف ماذا أقول ، قلت كنت أظن أني سأزور بيتا غادرته الحياة ، وتلاشت عنه الإبتسامة ، أجابتني هل قرأت شيئا عن الخضر عليه السلام ؟ قلت نعم ، قالت خرق السفينة كي تنجو من جرم طاغية ، أبصرت السطور تزدحم بالكلمات ، ماذا لو عدنا الى ما قبل السطر الأول عند منطقة جريش من حاوي الحجاج ، قالت أم سعد منبت الجرح وصوت الصرخة أذا أنتخى الضمير ، يروي لنا أبو سعد أننا أدركنا في منطقة جريش ما لم ندركه في كل المناطق التي حاربنا فيها ، كوننا أدركنا فيها واقعة الطف الحسيني ، رأينا كيف تلتحم الأزمنة ، وهناك في طف الجريش تصوب أبو سعد في جراح بليغة أقعدته عن الحركة ، صرت أبصر به جراح أصحاب الحسين عليه السلام ، أذا أردتِ ان تعرفي حقيقة الحشد ،عليك أن تعرفي حقيقة نساء الحشد وذوي الشهداء والقتلى والجرحى ، جبين الحشد المرفوع ، بنا يستمر التحدي و تعمر المقاومة ، كلما أرفع زوجي الجريح على كتفي أشعر باني دخلت الطف ناصرة الحسين عليه السلام ، إذ اخذت مني الجريش قدميه حملته كربلاء على أكتاف الدعاء ، جعلت كتفي له قدمين ينهض عليهما ، يمشي إلى أي مكان يريد أنا وابنه سعد وابنته يقين ، نقبل الجرح كل صباح نتبرك به وكل مساء ، صار عليّ ان أكف عن الكتابة فقد امتلأ وجه الورقة بالدمع فما عادت الكلمات تبصر أين تضع الحرف وهي تكتب لبيك يا حسين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat