يروي التأريخ لنا أن عمرو بن ود العامري وقف مناديا أمام جيش المسلمين في الخندق، هل من مبارز؟ هل من يريد الذهاب إلى الجنة؟
هذا المقاتل الكافر استطاع أن يفهم جوهر الإسلام عند المسلمين، من يؤمن بالجنة والنار لا يخاف الموت، بل يشتاق إلى الجنة، وأمام هذا النداء برز أمير المؤمنين:
ـ انا له يا سيدي يا رسول الله، وابتدأ المسير إلى مواجهة الموت من أجل الجنة، لا أريد أن أدخل في سرديات التأريخ وأنا أمام قضية أخرى وسؤال.
حين قام الإمام علي إلى المواجهة هل يستطيع أحد المؤرخين أن يجعل تلك الخطوات انتحارا، مصيره النار، أم هو سار ليغير موازين الواقع المتردي، الانحراف صار يواجه بشراسة أما هو وأما الدين، بصورة أوضح صارت التضحية هي المسار الشرعي لإنقاذ الدين، لذلك قالها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (برز الدين كله إلى الشرك كله) الإمام علي عليه السلام يعلم أنه ذاهب إلى مواجهة الموت فهو في ميدان حرب، لهذا نشعر بأن من الواجب محاورة أولئك الذين يجدون المسير الحسيني إلى كربلاء هو مسير إلى الموت.
في كتاب فلسفة الموت عند الإمام الحسين عليه السلام للدكتور عباس علي الفحام، يرى أن الشعراء الفرسان كانوا يفتخرون بطلب الموت قبل الإسلام، ويعدونه بطولة وشجاعة وفي الإسلام صار المسير إلى الموت له بعد قدسي تمثل في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وعدَّ الظفر بالشهادة في سبيل الله فوزا عظيما لا يناله إلا ذو حظ عظيم، وأصبحت الشهادة أمنية المؤمنين والمسير إليها كرامة، والتأريخ يدرك فاعلية الحسين عليه السلام، وعمق تأثيره الوجداني لا يمكن لعرش يزيد أن يهدأ ويستكين والحسين عليه يتنفس هواء الله سبحانه، والأهم لا يمكن أن يشعر الحسين عليه السلام بالأمان مع هؤلاء الطغاة.
لخصها الإمام زين العابدين عليه السلام (أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة)
فهل كان الحسين عليه السلام ينجو من القتل لو بقى في المدينة ومكة، المشكلة أن هاجس الحاكم يزيد وعرشة يدرك أحقية الحسين عليه السلام في قيادة الأمة، هاجس لا يمكن لطاغية من الطواغيت إخفاؤه أو يتحمل هذا الشعور، بأن هناك من هو أولى منه وأكثر استحقاقا، المسير إلى كربلاء كان يعد من المسيرات السلمية لإحداث التغيير عبر الجماهير وتعديل المسار، لذلك كانت تصفية جذرية للمؤيدين لهذا التغيير، وكانت هناك حملات إبادة.
نعود إلى قضية كيف كان الحسين عليه السلام يرى الموت، رؤية لخصها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بجملة واحدة (فزت ورب الكعبة)بهذه البصيرة كان مسير الحسين عليه السلام إلى كربلاء كأنه يعلم أن مسيره المبارك سيكون شعارا للأحرار وطالبي الحرية ورافضي الظلم عبر المستقبل الإنساني، الحسين عليه السلام يعلم عن فلسفة الموت قبل كربلاء (لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) سعادة لا يبصرها غيره، السعادة في المسير إلى الثورة ورفض الحياة مع الظالمين, وعبارات تدل على عشق حقيقي عميق يتوجه لهذا المسير، وقد خير الحسين عليه السلام أصحابه، فقالوا له الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك.
واليوم هناك من الجماعات التكفيرية من يروج للإعلام موبوء يرى أن هذا الإقدام انتحارا، والقاسم بن الحسن عليه السلام يجيب سؤال عمه الحسين عليه السلام كيف هو الموت عندك؟ فيجيبه يا عم أحلى من العسل، فأجابه أي والله فداك عمك، الموت في فكر الحسين عليه السلام هو الحق ومن أجل أحقاق الحق ترخص النفوس، والجواب الحكيم لأولئك الجماعات التي تجهل معنى المسير إلى الله سبحانه (هيهات منا الذلة) وهذا الشعار يصلح لكل زمان ومكان، وخير لي مصرع أنا لاقيه، ولنأمل دعوته لمن معه (من كان باذلا فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا)
لو نفترض أن الحسين عليه السلام قطع المسير وعاد إلى المدينة، كان من المؤكد يقع فريسة سهلة، وإبادة بصمت ولما كانت تحقق كربلاء مهمتها التاريخية، ولحدثت أمور كثيرة انعكست سلبيتها على التأريخ.
قدم الحسين عليه السلام رؤية جديدة لفلسفة الموت، بالكيفية التي يحي بها الدين، ويهز بها مشاعر الأمة، فكان المسير إلى الموت هو المسير إلى الحياة إلى الخلود.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat