{ فُزْتُ ورَبِّ الكَعْبَةِ } ! الجزء الأول
مير ئاكره يي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مدخل ؛
هذه الجملة القصيرة لعنوان هذا المقال ، أو البحث المكونة من ثلاثة كلمات فقط هي بالأصل للإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قالها ونطق بها حينما هوى عليه عبدالرحمن بن ملجم المرادي – من الخوارج – بالسيف ، أو بخنجر مسموم كما في بعض الروايات على هامته الكريمة وصدره الناصع بالبياض والتقوى والعلم ، في محاولة منه لإغتياله . وبالفعل فقد تم ذلك ، إذ توفي علي بعد هذه الضربة الإغتيالية - الإجرامية بثلاثة أيام في الحادي والعشرين من رمضان لعام أربعين للهجرة النبوية الموافق لعام 661 ميلادية ، فذهب الخليفة الراشدي الرابع رضي الله عنه الى ربه سبحانه شهيدا وشاهدا ، مغدورا ومظلوما ليشكو اليه تعالى ما لاقاه في حكومته وعهده من التمرد والعدوان والبغي والمروق ، ومن التشدد والتطرف الديني المبني على الجهل وسوء الفهم ، ومن النفاق والزيف الديني من قِبَلِ الطلقاء (1) وأبناء آكلة الأكباد (2) واللعناء (3) ! .
بالحقيقة لم تكن الضربة الإرهابية – الإجرامية الملجمية عدوانا وإغتيالا لشخصية الامام علي الحكيمة والفذة والفريدة من نوعها وحسب ، بل إنها كانت أيضا إغتيالا للإسلام الوسطي الإعتدالي ، وكانت كذلك إغتيالا للعدالة والحرية والشورى المُلْزمة التي تنبني عليها قواعد السياسة ومباديء الحكم والحكومة في الاسلام ! .
مَنْ يتأمل جيدا في مقولة علي هذه يستنتج إنه لم لم يجزع ويحزن ، وإنه لم يتأوّه ويتأسف على عملية إغتياله ومقتله ، بل بالعكس – تماما – إنه حلف – وهو صادق كل الصدق - برب الكعبة المشرّفة أنه فاز . والفوز كما هو معلوم قرين للفرح والسرور والغبطة والإنتهاج ، مضافا إنه يأتي بعد حصول آمريء على إمتياز كبير ودرجة ناجحة وموفقة في مسابقة ما ، وفي أمر وعمل ما . على هذا فالفائز يتملّكه السرور والفرح والحبور ، وقلبه سيكون مفعم بكل الغبطة والإبتهاج لفوزه المادي ، أو السياسي ، أو العلمي أو غيره .
لكننا هنا أمام حالة خاصة وفريدة ونادرة كل الندرة من نوعها ، إذ كما أعتقد إنه لايوجد أحد في الماضي ولا الحاضر تعرّض للاغتيال والموت والقتل المحقق ، فأعلن سريعا ، وعلى الفور بأنه فاز . وفيما قلته أستثني الأنبياء – عليهم السلام – والصالحين والحكماء من عباد الله سبحانه ! .
ترى ما الذي جعل حكيم الاسلام وصهر رسول الله محمد – عليه وآله الصلاة والسلام – وأخاه وربيبه وزوج الزهراء فاطمة بنت النبي الأكرم وأبو الحسنين (4) وباب العلم (5) والمعرفة أن يجعله فرحا ومسرورا بقتله ومقتله ، معلنا وحالفا برب الكعبة المشرّفة زادها الله تعالى شرفا وشرافة وقداسة وكرامة أنه فاز !؟ ، وما هو هذا الفوز ، وما هو سره وحكمته !؟ ، وما هي الدلالات والأسرار والدوافع وراء هذه المقولة التي تنضح منها المظلومية والتراجيديا والمغدورية للامام علي كرم الله تعالى وجهه الشريف ! ؟ ، ثم هل يوجد إنسان وهو في قمة السلطة والحكم أن يفرح لإغتياله !؟
لاشك إن أسعد شيء للإنسان المؤمن هو لقاء الله سبحانه وتعالى كما جاء في الكتاب والسنة ، فكيف بشخص مؤمن بقامة علي العالية والسامقة جدا حيث كان مشحونا بالإيمان والتقوى والزهد والورع والمعرفة الربانية التي قل مثيلها !؟ ، لكن بالإضافة الى هذا فإن هناك عوامل أخرى تكمن في الإعلان الفوزي الذي أطقله أمير المؤمنين علي لحظة تعرضه للقتل والإغتيال ، فما هي تلك الأسرار والدوافع !؟ . هذا البحث المتواضع والموجز هو محاولة لمعرفة تلكم الأسرار والدوافع وإلقاء المزيد من الضوء والتحليل عليها .
الهوامش ؛
1-/ الطلقاء ؛ هو جمع طليق ، عنوان أطلقه رسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام على أهل مكة بعامة ، وعلى البيت السفياني الأموي بقيادة أبي سفيان بخاصة بعد فتح مكة السلمي ، حيث أصدر رسول الله محمد العفو العام عن أهلها . ولم يعتنق البيت السفياني الأموي الاسلام إلاّ عقب فتح مكة آضطرارا ! . لهذا يعتقد الكثير من العلماء والمحققين بأن غالبية أفراد البيت السفياني – الأموي لم يدخلوا الاسلام ، بل إن الاسلام دخل فيهم ، وفي معاقلهم فآضطروا الى الإعلان بقبول الاسلام ونبوة رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – والإقرار بها . ويؤيد هذا الرأي الكثير من الأخبار والروايات المجمع على صحتها ، وهكذا الكثير من الحقائق والوقائع والمواقف التاريخية غير القابلة للجدل ، أو البحث حولها ، حيث إنها دلائل ساطعة لما ذهبنا اليه ! .
2-/ آكلة الأكباد هي هند زوجة أبي سفيان ، وقد لُقَّبَتْ بهذا اللقب بعد شقها لصدر عم رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – حمزة – رضي الله عنه – الشهيد المصروع في معركة أحد ، حيث أنها أخرجت كبد عم الرسول حمزة فلاكدته ومضغته بأسنانها حقدا وبغضا للرسول الأكرم محمد وآله الكرام . لهذا منذ ذلك التاريخ فازت هند بلقب ؛ [ آكلة الأكباد ] ! .
3-/ اللعناء هو جمع لعين . اللعناء في الاسلام هم الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي بن عم أبي سفيان ، ويكنى بأبي مروان ، حيث الأخير معروف في التاريخ بإنحرافه ومروقه وسوء سيرته وعقيدته ! .
إن أصل اللفظ يرجع الى رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم - ، إذ إنه لعن الحكم بن أبي العاص وإبنه مروان من صلبه ، وذلك لأن الحكم كان يحاكى ويقلّد الرسول في مشيته وكلامه ويتجسس عليه ، وعلى بيته أيضا . لذا نفاه الرسول الى الطائف حالفا – روحي فداه – أن لايقيم هو والحكم في منطقة واحدة . فكان الحكم وأهله طيلة عهد الرسول – عليه الصلاة والسلام – منفيين في الطائف ، وهكذا طيلة حكومة أبو بكر وعمر وبعض سنوات من حكم عثمان رضي الله عنهم ، حيث وقع الخليفة الثالث تحت تأثير البيت السفياني والمرواني فأعادة الى مدينة الرسول مرة أخرى ، وذلك بحجة أن الاسلام أصبح قويا ولم يعد بحاجة الى الخوف من أمثال الحكم بن أبي العاص . برأيي أن مافعله الخليفة الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه – بردّه مَنفي الرسول الى المدينة كان مخالفة واضحة منه – سامحه الله تعالى – للإجماع المحمدي والصديقي والفاروفي ولكبار الصحابة أيضا الذين خالفوا القرار في حينه ، منهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها !!! .
4-/ الحسنان / الحسنين هما الامامين الجليلين الحسن والحسين رضوان الله عليهما .
5-/ باب العلم ؛ ورد في الحديث النبوي الشريف ؛ { أنا مدينة العلم وعلي بابها } ! . لاشك إن هذا الحديث ينطبق كل التطابق على علي ، إذ أنه رضي الله عنه كان بابا للعلم ومنارة للمعرفة والثقافة والأدب والقيم النبيلة والمُثُلِ العليا ! .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
مير ئاكره يي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat