صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

بين عون وعباس.. كلمات تختزل موقف رجلين من المقاومة
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تاريخ قادة العرب المعاصر مليء بالعملاء، حتى أصبحت شعوبه تشكّ تماما، في وجود نزهاء أكفّاء بإمكانهم قيادة بلدانهم على أحسن وأكفأ وجه ممكن، وهو تاريخ تمخّض عن حقبة استعمارية فرنسية بريطانية، إثّرت سلبا على وطنية الطبقة المثقفة غربيّا، بحيث بلغ بها الإعتقاد بصواب العيش تحت ظلّ دول الغرب، على أساس أنّ طريقه، يؤدّي إلى تطوّر وازدهار هذه البلدان، عقليّة نَمَتْ في عقول من آمن بجدوى بقاء العلاقة مع المستعمر، مع المحافظة عليها وتطويرها، وهذا من أهمّ أسباب بقاء شعوبنا على ضعف دولهم وتأخّرهم عن ركب الحضارة.

ما يمكن ملاحظته في هذا الباب أنه بمراجعة سياسات دولنا نجد أغلبية ساحقة مقيّدة بشكل أو بآخر لا تجرؤ على منع ناهبي مقدّرات بلدانهم عن اقتراف مزيد من اغتنامها، نظرا لامتلاكهم ازدواجية الجنسية ما يُفِسح المجال للتدخل الغربي في الشأن الداخلي لبلداننا، وهذا ما رأيناه واضحا بالنسبة إلى تونس، التي تورّط في الحاق الأضرار الفادحة بها أشخاص عديدون، كيوسف الشاهد التونسي الفرنسي الفارّ من وجه العدالة، وغيره كثيرون فيهم من لا يزال يردح ويمرح على رجل واحدة، مغتنما فسحة من الزمن، لفائدة من أصبح يحمل جنسياتهم الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية.

يؤسفني أن أقول أننا كشعوب عربية وإسلامية مقصرون بحقوق بلداننا، متباعدون عن الشأن السياسي العام، كأنّه من عمل الشيطان يجب اجتنابه، بما فسح المجال لشياطين الإنس أن يركبوا دابة السياسة ويطوعوها لصالح أهدافهم الخاصة، التي لا تتناقض مع ما تصبو اليه الدول الاستعمارية من هيمنة جديدة سياسيا، بعد حقبة الهيمنة العسكرية البغيضة، حتى أنّه بات من المألوف لدينا، أن نرى قادة علينا يأتمرون بأوامر أعدائنا، ويستجيبون لرغباتهم ويحققون مطالبهم، مهما بلغت من الحقارة والسفالة والخيانة.

من هؤلاء القادة المعيّنون بالطرق التي خلّفتها فرنسا على سبيل المثال التقسيم الطائفي للسلطة بلبنان، والتي بموجبها يقع اختيار الرئيس على شرط أن يكون مسيحيا من طرف البرلمان، واختيار رئيس الحكومة من طرف الرئيس المسيحي على أن يكون من الطائفة السنّية، واختيار رئيس البرلمان بعد اكتمال الانتخابات البرلمانية واجتماع الناجحين في أول دورة، هكذا تركت فرنسا خارطة التقسيم السياسي في لبنان، والذي لا يزال يؤثر سلبا على البلاد، ويجعلها رهينة اختيارات باطلة، بالنظر إلى عموم لبنانيين، يرفضون هذا التقسيم الاستعماري الفرنسي، الذي غلّب طائفة المسيحيين على غيرهم، وينادون منذ سنوات إلى تغييره، وإعلان انتخابات رئاسية عامة، يشترك فيها جميع الطوائف، ومن سيفوز من المرشحين، يكون رئيسا لجميع اللبنانيين، بقطع النظر عن انتمائه الطائفي.

اجحاف بحقّ لبنان المعاصر، وإبقاء له تحت تأثير عقلية تناحر طائفي، قد تندلع شراراته إذا ما أرادت فرنسا والقوى الغربية المتحالفة معها على إبقاء لبنان تحت رحمتهم، وما الحرب الطائفية التي اندلعت واستمرت خمسة عشرة سنة ( 1975/1990)، سوى دليل على فشل وبطلان وسوء التمييز السياسي الطائفي في لبنان، وها أنّ الرئيس الحالي ميشيل عون يفصح عن منطق فرنسي أمريكي غربي صهيوني بقوله لقد طهّرنا 85% من الجنوب، بما يحقّق رغبة أعداء لبنان، على ابقائه تحت رحمة إسرائيل ومن ورائها دول الغرب.

وبلا أدنى شك فإن عونا الثاني يقصد من كلامه، أنّ الجيش اللبناني استولى على مواقع حزب الله في الجنوب، تنفيذا لمرحلة أولى في فصل المقاومة عن خط مواجهة العدوّ الصهيوني، بما يعنيه عمليا ترك الجيش الصهيوني يعربد كما يحلو له في الجنوب بل في لبنان من شماله الى جنوبه، ومن دون حزب الله بإمكانه احتلاله في ظرف وجيز، في صورة نجاح المرحلة الثانية من البحث عن أسلحة الحزب، وأخذها إذا تيسّر لمن سيقوم بذلك من القوات الغربية، التي من المحتمل أن تدخل تحت غطاء أممي، تعبير عون لا يختلف عن رغبة وثقافة سمير جعجع وقواته، بتاريخها الاجرامي البشع ( صبرا وشاتيلا) مثال على ذلك.

وأقول هنا، أنّ الضامن الوحيد لبقاء لبنان حرّا أبيّا شامخا، هو سلاح حزب الله، وهو سلاح الكرامة والمبادئ الوطنية، التي لا متاجرة فيها لأحد، ولا تهدف لشيء سوى عزة لبنان وأهله الكرام، سلاح مستهدف من الداخل اللبناني، بواسطة عملاء الغرب والصهيونية، ليس بمقدور راغبيه فعل شيء، دون أن تلحقهم أضرار فادحة، لعل أهونها قطع أيدي من تقترب منه لنزعه، وهؤلاء يدركون ذلك تماما، لكنّ حمقهم وخدمتهم لأعداء لبنان يدفهم إلى ذلك، فيهيّؤون جموعهم الباطلة إلى مآل مجهول العواقب سيء النتائج، مستنصرين بالدّول الغربية وبإسرائيل، ولا يُسْتَبعد أن يشترك معهم من الجهة الشرقية ارهابيي الجولاني، الذين عبّروا مرارا عن ذلك، بشعارات عدوانية واضحة.

وفيما تلتهم إسرائيل حقوق الشعبين الفلسطيني واللبناني ومعهما الشعب السوري معربدة هنا وهناك، ناشرة الخراب والقتل بلا هوادة ولا رادع، تبدو مواقف الرئيس عون ورئيس السلطة عباس ملائمة لإسرائيل متعاونة مع رغباتها، مهيأة لها طريقا رضا وقبول بما ستقدم عليه من اعتداءات جوية وبرّية، مستهدفة كل مظهر مقاوم يشكّل خطرا على مشاريعها التوسّعية، فيما يزداد بقية زعماء العرب سلبيّة وتخاذلا، كأنّهم في منأى عن معترك ما يجري في منطقة الصراع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/02



كتابة تعليق لموضوع : بين عون وعباس.. كلمات تختزل موقف رجلين من المقاومة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net