النهضة الحسينية والمؤرخ المنصف
علي حسين الخباز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين الخباز

تعرضت النهضة الحسينية إلى كثير من الوضع والتحريف على يد بعض المؤرخين، كذبوا وانتحلوا ونافقوا السلاطين وأهل العروش، وأخفوا الكثير من الوقائع والحقائق ودلسوا من أجل أن يعيشوا بجاه مزيف، لذلك تحتاج النهضة الحسينية إلى قراءة واعية، ووجدان يصف الحقيقة، وإلى بصيرة تعي مسؤولية العصمة، فتحصن لنا المجتمع من الدجل السياسي الذي تنامى عبر العصور، مرتكزين على بعض تفاصيل المسكوت عنه.
حاولوا تسويق سؤال عبر جميع أجهزة التواصل الإعلامي والاجتماعي عن سبب عدم قيام النهضة الحسينية في عهد معاوية؟
مثل هذه الأسئلة قد لا تكون بريئة وتحمل الكثير من الدس والتأويل، عدم الثورة على معاوية لا يعني السكوت عن أخطائه وعن الظلم والجور والانحراف، الأمر الثاني أن شجاعة الحسين عليه السلام لاتهاب عرش معاوية، رفضته وبمواجهات صريحة عرف العالم موقف أهل البيت عليهم السلام من معاوية وحكومته، وقف ضد تصرفات الحكم الأموي في عهد معاوية.
نحن اليوم بحاجة إلى المؤرخ الإنسان ليسلط لنا الأضواء على حجم المواجهة، وعلى شجاعة الحسين عليه السلام وحزمه في قضية قتل معاوية لأبرز أصحاب الإمام علي عليه السلام، منهم حجر بن عدي الكندي، رشيد الهجري ،عمر بن الحمق، وغيرهم من خيرة أصحاب الإمام علي عليه السلام، ليتخلص من وجودهم ويقضي على أي تأثير لهم، ويتخلص من نفود مدرسة أهل البيت عليهم السلام في المجتمع الإسلامي، يحاول مؤرخو الزيف السياسي إظهار معاوية وكأنه شجاع مقتدر والمنتصر دائما، بينما الحقائق التاريخية تثبت لنا جبنه وخوفه من أئمة أهل البيت عليهم السلام، لكونه يعلم أولا بأحقية مطالبهم وشرعيتها، ويعرف أيضا روح التضحية التي يمتلكونها أولئك القادة من أصحاب أهل البيت عليهم السلام، وتكشف للباحث الحقيقي سعي معاوية لعزل الحسين عليه السلام، كتب الحسين عليه السلام مذكرة احتجاج شديدة اللهجة يستنكر عليه قتل حجر وأصحابه:
ـ (الست القاتل حجرا اخا كندة، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم... قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت اعطيتهم الايمان المغلظة، والمواثيق المؤكدة ان لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك عليهم..).
لو تأملنا في الأسلوب الاستنكاري لتوصلنا إلى كثير من خفايا الأمور، وفي موقف واجه الإمام الحسين عليه السلام معاوية وجها لوجه، قال معاوية:
- أبو عبد الله هل بلغك ما صنعت بحجر وأصحابه من تبعة أبيك؟
أجابه الحسين عليه السلام:
ـ خصمك يوم القيامة يا معاوية قضية مهمة، أفرجها التاريخ أن أئمه أهل البيت لم يخافوا يوما من السلاطين أو الحكام، لكن الحكام مع امتلاكهم لمقدرات المكنة العسكرية والقوة والبطش، إلا أنهم كانوا يخافون أئمة أهل البيت عليهم السلام، فمعاوية كان يخاف من الإمام الحسين، ولكن الحسين عليه السلام لا يبطش ولا يغدر ولا يأمر بقتل إنسان، واستنكر الحسين عليه السلام على معاوية وقوله بسب علي عليه السلام على منابر المسلمين، واستنكر الكثير من الأمور ومنها قتله كل من هو على دين علي، ودين محمد صلى الله عليه وسلم فهو يخاطب معاوية الذي جلسك مجلسك الذي أنت عليه لولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم بيع الخمور، هل من الإنصاف لزعيم أن يقتل أمة بحجة الولاء لأهل البيت؟
أدلة واضحة على الجبن والخوف، ولو قارنا موقف الإمام عليه السلام مع الخوارج لعرفنا معنى الشجاعة الحقيقية، بينما معاوية كان يسعى للقضاء على كل من يتبع الإسلام المحمدي الأصيل، يشعر بالقلق الشديد من توجه الإمام الحسين عليه السلام الثوري، لذلك وضع عليه العيون لمراقبة ومعرفة تصرفاته وحركاته.
كان مروان بن الحكم يخبر معاوية أنه يخاف قيام الحسين بثورة ضد الحكم الأموي، والإمام عليه السلام يوضح للتاريخ عدم رضاه عن سياسة معاوية وتوبيخه لقتل الأبرياء من غير ذنب، وكان دائما يجمع الناس ويذكر مناقب أمير المؤمنين سلام الله عليه، ويشير فيها إلى بدع معاوية وما قام به من أعمال مخالفة للإسلام.
الحسين عليه السلام يسعى لتكون ثورة معرفية روحية يستطيع الإنسان أن يميز حركه الإصلاح ومواجهة الطغاة وعدم الخضوع إلى عروشهم الخاوية، مثل هذه الثورة لا يمكن أن يخشى قائدها الباطل يوما، اعترض على معاوية في قضية استخلاف يزيد، ووضح أن يزيد ليس أهلا للخلافة وأنه بتعيينه على الأمة خليفة للمسلمين فيه ظلم واضح، ومخالفة صريحة لبنود الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية
لم يكن الإمام الحسين سلام الله عليه راضيا عن سياسة معاوية الاقتصادية، الذي نريد أن نصل إليه أن العلاقة متوترة بين الحسين عليه السلام، ومعاوية وعدائيته, وغياب الثقة بينهم، وازداد الوضع توترا بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام، ولتبدأ هذه العلاقة مرحلة جديدة بمجيء يزيد وتولية مقاليد الحكم، بعض الكتاب صور لنا معاوية كأنه صاحب لين
مع الحسين عليه السلام، هذا الموقف لم يكن لإنسانية منه، لكنه خسر كل شيء إثر ظلمه وجوره، فقد ثقة الناس به، عرفوا هويته الحقيقية وجربوا ظلمه وجرمه وعدم حرمته للدين ولأهل الدين، وإذا ما خرج الحسين عليه سيثور الناس معه، وهو الذي يرى نفسه أفضل من الحسين لأن الناس أجمعوا عليه ولم يجمعوا على الحسين عليه السلام, فقال له الحسين عليه السلام في إحدى المواجهات بشر ما علوت يا معاوية، ومواجهات الحسين مع الطغاة لها شأن تاريخي لا يمكن لباحث أن ينكره.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat