صفحة الكاتب : رياض سعد

النزاعات العائلية والعشائرية في العراق: جذور التمزق الاجتماعي وعبء الإرث الثقيل
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تُعدُّ النزاعاتُ العائلية والقَبَلية واحدةً من أبرزِ الظواهرِ الاجتماعيةِ المُتجذِّرة في نسيجِ المجتمعِ العراقي، حيث تُفرزُ تداعياتٍ مُعقَّدةً تَمسُّ كيانَ الأسرةِ المُمتدّ صعوداً إلى العشيرةِ والمجموعةِ القرابية .

وتكمنُ خطورتُها في اشتعالِها بين أفرادٍ تجمعُهم روابطُ الدمِ والنسبِ والمصاهرة، فيتحوَّلُ التماسكُ الأسري إلى ساحةٍ للصراعِ تَطغى عليها المشاجراتُ والخصوماتُ التي قد تتوارثُها الأجيالُ جيلاً بعد جيل.

لا تَخلو عائلةٌ أو عشيرةٌ عراقيةٌ من بذورِ الشقاقِ بين أفرادِها، سواءٌ أكان الخلافُ بين الإخوةِ في البيتِ الواحد، أم بين أبناءِ العمومةِ والأقاربِ في نطاقِ العشيرة.

وغالباً ما تَتصاعَدُ هذه النزاعاتُ إلى مُستوياتٍ عنيفةٍ تُفضي إلى سفكِ الدماءِ أو تهجيرِ عوائلَ بأكملِها هرباً من تبعاتِ الصراع، أو طردِ أفرادٍ من نسيجِ العشيرةِ عبرَ ما يُعرَفُ محلياً بـ "طاهرة الكسر"، أي فَصلِ الفردِ من الانتماءِ العشائري بقرارٍ جماعي، ليُصبحَ مُهمَّشاً اجتماعياً تحمِلُه الذاكرةُ الجمعيةُ كـ "مكسورِ الجاه".

والمُلفِت أنّ هذه الصراعاتَ تَتركُ آثاراً بعيدةَ المدى، لا تقتصرُ على الجيلِ الحالي، بل تَنتقلُ كإرثٍ من الكراهيةِ والحقدِ بين الأبناءِ والأحفاد، فتَتحوَّلُ الخلافاتُ التافهةُ إلى ثأراتٍ مُزمنةٍ تَستنزفُ الطاقةَ الاجتماعية.

وقد تُثارُ النزاعاتُ لأسبابٍ بسيطةٍ كخلافٍ على ميراثٍ أو تجاوزٍ لفظي، لكنّها تَختلفُ جوهرياً عن الصراعاتِ مع الغرباء؛ فالنزاعاتُ الخارجيةُ تَنتهي غالباً بانتهاءِ أسبابِها، أما العائليةُ فتَتعمَّقُ كالجمرِ تحتَ الرمادِ، لتَندلعَ مجدداً عندَ أولِ شرارة.

ويُعبِّرُ المثلُ الشعبيُّ العراقي "طلايب الأعمام  او طلابة ولد العم كَشْره" عن طبيعةِ هذه الصراعاتِ المستعصية، فالنصرُ فيها وَهْمٌ زائلٌ , والمنتصر فيها خسران ، إذ يَدفعُ الأبناءُ ثمنَ انتصاراتِ الآباءِ عاجلاً أم آجلاً... ؛  وهكذا تَتحوَّلُ العائلةُ من مَصدرِ حمايةٍ إلى سجنٍ من الكراهيةِ، وتَظلُّ "طاهرةُ الكسر" شاهداً على هشاشةِ التماسكِ الاجتماعي في ظلِّ ثقافةٍ تَغلِّبُ الانتقامَ على المصالحةِ، والماضي على المستقبل.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/01



كتابة تعليق لموضوع : النزاعات العائلية والعشائرية في العراق: جذور التمزق الاجتماعي وعبء الإرث الثقيل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net