صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

محاضرة... صناعة الحدث للدكتور ماجد الخياط
علي حسين الخباز


 قدم الدكتور ماجد الخياط في الأصبوحة الإعلامية المعدة من قبل مجلة صدى الروضتين/ إعلام العتبة العباسية المقدسة/ محاضرة بعنوان (الصحفي وصناعة الحدث).
وذهب د. ماجد باتجاه ثقافة صنع الحدث وعملية خلق الحراك الفكري الغاية والمؤثر وثقافة الإقناع، أي خلق الحدث الإعلامي الفاعل، واستعرض بعض صور صناعة الحدث أو التدخل في صناعته عند الآخرين مثَّلَ بقصة (ملكة سبأ) أبلغ الهدهد سليمان "عليه السلام" بخبر تلك المرأة التي تعبد هي وقومها الشمس من دون الله تعالى، الحدث الذي يريده سليمان هداية تلك المرأة وقومها إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فماذا فعل "عليه السلام"؟
- أرسل خطابا (أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أمر جازم يصدر إلى ملكة، مما يشعرها بمكانة مرسل الخطاب وقوته، وأن المرسل أقوى وأعز جانبا من الملكة وعرشها.
- التذكير بالهدية مفهوم سياسي يترجم الرسالة بالغزو طمعا في خيرات المملكة، والهدية هي كل ما تعرفه الملكة في حياتها، تعمل على استغلال إمكانياتها المادية للحفاظ على عرشها ومملكتها، وربما كانت الهدية وسيلة اختبار لكشف نوايا سليمان "عليه السلام"
- (فَلَمَّا جَآءَ سليمان قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٖ فما آتان ا لله خيرٞ مما آتاكم، بل أَنتُم بهديتكم تفرحون، أرجع إليهم فلنأتينهم بِجُنُودٖ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا ولنخرجنهم منها أَذِلَّةٗ وهم صاغرون) ويبدو أن الملكة بعد وصول هذا التهديد الشديد استشعرت خطورة القضية فقررت الذهاب إليه لتستطلع الأمر بنفسها.
- أمر سليمان أحد جنوده أن يأتي له بعرشها قبل أن يصلوا إليه، وأمر بتنكير العرش أي تغيير وضعه وترتيبه، ثم جاءت، وجدت العرش قد سبقها، وقيل لها هذا عرشك؟ أملا أن تدرك أن هذا عرشها رغم هذه التبديلات، تعلم أن سليمان لم يكن لديه القدرة على إحضاره إلا بعون من الله فيحملها ذلك على الإيمان لكنها مع ذلك لم تهتد.
- (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا) لتصون ثيابها من الماء، ولم تكتشف حقيقته، فقيل لها، إنه صرح ممرد من قوارير وأنه لا خوف عليها من الماء، عند ذلك أدركت المرأة أن سليمان نبي من عند الله تعالى، وإنما يدعو إليه هو الحق فأمنت به، واعترفت بأنها كانت ظالمة لنفسها، (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ومن ذلك نجد أن سليمان "عليه السلام" لكي يصنع مع الملكة حدث الإيمان اتبع عده أساليب
1- الأمر الجازم وعدم المساومة على المبدأ، والتهديد بالقوة الشديدة، وإظهار المقدرة غير المعتادة، وإقامة الدليل العقلي بالتجربة العملية، إن العين قد تخطئ في تقدير أقرب الأشياء إليها فتخطأ في إدراك حقيقة ما تحت أرجلها، مما يدل على خطأِ نظرها في عبادة الشمس من دون الله، فالحدث الذي كان يريد أن يصنعه هو إيمان الملكة، هو الانتقال من دينها إلى دين الإسلام، وشأن الانتقال من دين إلى دين آخر شيء ليس بالهين أو اليسير، يحتاج إلى قوى غير عادية لإحداث هذا التغيير، ولهذا كانت لهجة التهديد واستبدل الأسلوب بأسلوب آخر، هو التعامل مع القدرات العقلية من خلال تنكير العرش، لهذا حاولت أن تتدخل في صناعة هذا الحدث عن طريق المؤثرات، فأرسلت له بهدية، لكنها فشلت، لان ذلك اصطدم بالإيمان فغلبه الإيمان.
صناعه الحدث عند الدكتور ماجد الخياط، ترتيب أولويات المتلقي واهتماماته وبناء قناعاته وتصوراته لتخلق تكامل مشهد ومساحة الاندهاش والقبول.
امتلكت المحاضرة وحدة مبدئية متنوعة السبل لتطوير المقاربة والمعالجة وأبعاد المعلومة والتفاصيل والدلالة، ذكر قصه ثمامة بن أثال، كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يدعو الناس إلى الإسلام، ويحب أن يؤمن الناس جميعهم، بل هذا كان أولى شيء عنده، لذلك كانت كل تصرفاته على مختلف أنحائها ووجوهها من أجل تحقيق هذا الهدف، وفي قصه ثمامة نرى كيف تم صناعة الحدث، بعث النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" خيلا قبل نجد فجاءت لرجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال ربطوه بالجامع، فخرج إليه "النبي عليه وآله والسلام" وقال ما عندك يا ثمامة؟ قال عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وأن تنعم تنعم على شاكر، وأن كنت تريد المال فسل منه ما شئت.
تركه حتى كان الغد ثم قال له ما عندك ثمامة؟ قال ما قلت لك إن  تنعم  تنعم على شاكر،  فتركه حتى كان بعد الغد، فقال له ما عندك يا ثمامة؟ قال عندي ما قلت لك، قال النبي اطلقوا ثمامة، انطلق إلى نهر قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا آله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، ثمامة هذا سيد قومه وإسلامه علاوة على أنه خير له ففيه أيضا قوه للإسلام، ماذا فعل الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" ليصنع ذلك الحدث، اطلع ثمامة على عبادة المسلمين من خلال ربطه في الجامع، فيرى إقبال المسلمين على الصلاة في خشوع ونظام، ويسمع القران الذي جعله الله تعالى هداية للقلوب، ويرى أثناء ذلك تعامل المجتمع المسلم من خلال تعامل الصحابة مع بعضهم البعض، ومن خلال تعاملهم مع قائدهم رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" ولو حبسوه في بيت من البيوت لما تحقق شيء من ذلك، بيان أخلاق المسلمين في تعاملهم مع الأسرى وذلك من خلال إطعامه، وإحضار كميات كبيرة له من الطعام، فلم يقوموا بضربه ولا بتعذيبه إذ لا فائدة هنا ترتجى من وراء ذلك، مما يكون له أثر كبير على موقف الرجل من الإسلام ما ظهر له من أن المسلمين ليسوا طلاب دنيا، لم يلتفتوا إلى قوله إن كنتم تريدون المال أعطيتكم منه ما شئتم، وقد تبين للرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" أن موقف ثمامة بدأ يتغير، وذلك من اختلاف أجوبته، أطلقه النبي "صلى الله عليه وسلم وآله وسلم" لان الخير في إطلاقه على كل الحالين، إن أسلم فذلك خير كبير، وإن لم يؤمن فسوف يحفظ هذه المنة للمسلمين، صدق ما توقعه الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" في ثمامة، أعلن إسلامه، وشهد شهادة الحق، والأمثلة كثيرة جدا، وبعضها أوضح من بعض في الدلالة على المراد.
لقد منحنا الدكتور ماجد الخياط الصورة المنهجية لصناعة الحدث الإعلامي (خبر _ معلومة _ فكرة _ رسالة) دلالة الاقتناع ليصل إلى الناس، (الصحافة فن الإقناع) والسعي و الجمال الحقيقي لصناعة الحدث هو التركيز على العمق الدلالي وامتلاك خصوصية الوسيلة، واللمسة الفنية والابتعاد عن الرتابة، رصد تأثير الحدث على المتلقي وإحياء البعد الإنساني القادر على تشكيل مسار اهتمام الناس، لكي لا تكون هناك أي فجوة بين المتلقي والإعلام.
 ثم انتقل الدكتور ماجد إلى صناعة بعض الأحداث المعاصرة، حرب حزيران 1967 م صنعت إسرائيل الحدث عبر تسريب إشاعة، درسوا شخصية جمال عبد الناصر وحبه للظهور بظهور البطل القومي، سوقوا صناعة الحدث أثر قراءة الإمكانيات ونشر الدعاية بأن اليهود في موضع دفاع،  وهم خططوا لها منذ أمد طويل، أما صناعة الحدث عند جمال عبد الناصر لم تنتج سوى التهديدات الفارغة كونها كانت بلا رصيد، وكذلك فعلتها أمريكا مع صدام في حرب الخليج، سربت أمريكا خبر عدم  تدخلها في أي نزاع محلي ما دام لا يؤثر على إمدادات النفط، للسيطرة على إمكانيات اقتصادية.
ولصناعة الحدث متطلبات، منها دراسة البيئة التي يراد صناعة الحدث فيها، ودراسة الحدث (صناعة الحدث غير صناعة الخبر)، وسؤال: ـ هل أنت مع المدارس الأهلية أم ضدها؟ هناك تأثير بالفعل الجمعي كوننا ناس عاطفيين، هو ليس دفاعا عن المدارس الأهلية لكننا ننظر إلى القيم الواقعية، نسال كم عدد طلاب كل صف؟ أكثر من ستين طالبا في كل صف، إذا ألغيت المدارس الأهلية لا مكان يحتوي عدد الطلاب، لو نظرنا إلى جميع أوجه الصورة نجد أن وجود المدارس الأهلية في هذا الظرف سينفع ابن الفقير في الدوام والمدرسة والصف، ذهاب الطالب الغني  إلى مدارس أهلية سيخفف عن الفقير، الأمر لا يقف عند التعليم، بل عند الصحة أيضا، وكربلاء لا تملك مستشفى واحد، إذا رفعنا الآن أو أغلقنا المستشفيات الأهلية، كيف ستكون المستشفى الحسيني مثلا، لا بد أن استدرج موضوع المعترض بالموافقة، أو خلق تصور إن الاعتراض سليم، دراسة أسلوب صناعة الرأي، ومن ثم إمكانيه العمل، وظروف العمل، ومهارات الإعلامي، وثقافته، طريقة محاورته، من الأهم إلى المهم، ويأخذنا حول مساحات حوارية جادة، هناك خبر، وتقرير خبر، وقصة خبرية، والقصة المضيئة التي تخلو من حدث.
الكتابة عن الثوابت المعلومة تعني تسليط ضوء على معلومة معروفة أي تجديد المعلومة، تحتاج الوسيلة التوصيلية إلى مد أواصر المودة مع المتلقي، وخلق مساحة تشويق، الالتزام يحقق التوازن والعنصر التشويقي يكسر الرتابة، الأعلام اليوم لا يقف عند حدود المبادئ والقيم وإنما يذهب تعريفه إلى (فن الإقناع).
الجميل في المحاضرة أنها لم تقف عند حدود التواصل المعلوماتي، إنما تجاوزت إلى عوالم  التجربة، من المعلوم أن فضائية الجزيرة لها تعاملها الخاص، فكان عملي معها بحذر لكني اصطدمت بسؤال يريدني البحث فيه، كم مرة يفتش الزائر للوصول إلى الضريح؟ سؤال مرعب وفيه تأويلات خطيرة، أما أن أجيب مثل هذا السؤال ومن الطبيعي أتوقع أسئلة أخرى أكثر حرجا تصل بي إلى مرحلة إشاعة أخبار تبنى عليها مسائل أمنيه تفقدني هويتي، لهذا قررت ترك العمل.
مسائل كثيره تثير الحماس عند المتلقي لا بد من مراعاة ذوقه ومعناه، ثقافة المحاضر وغنى تجربته، تعزز كتابة المحاضرة، قدموا خبرا عن إعدامات حدثت في كربلاء بمواصفات معينة اكتشفت أن هذا الحدث لا علاقة له بكربلاء وأخبرت الفضائية واقتنعت لكنها أذاعت الخبر على ما حدث في كربلاء، وفي اليوم الثاني أعلنت الفضائية تكذيب هذا الخبر وتصحيح المعلومة، لماذا هذه الكذبة؟  الجواب أنها صنعت إثارة كبيرة، بالمناسبة أمريكا وقطر رفضتا التوقيع على أخلاقيات الإعلام.
نحتاج أن نتعلم كيف نكتب بأساليب متنوعة غير مكررة، الأساليب تختلف من حدث الى آخر، كل حدث له أسلوب يتناسب وصناعته، أحيانا الحدث الواحد يختلف أسلوب صناعته. 
وعدم القدرة على صناعة الحدث له أخطار وأضرار، فلا بد لصانع الحدث أن يدرك الوقت والظرف وان يحيط العلم بدقائق الأمور وخصائصها، التوازن وعدم الاضطراب في مواجهة الأمور غالبا كتاباتنا تكون ردود أفعال، وهذه الانفعالية ربما تخدم الإعلام المضاد، لديه أعمال استفزاز، استفزازكم أشاعوا أخبارا ضد العتبات المقدسة في كربلاء؟
بينما العتبة المقدسة استوعبت خمسين ألف عامل، أي أنها تعيل خمسين ألف عائلة عراقية، شيدت مدارس أيتام، أقامت مصانع ومزارع، منحت الكثير، وقدمت الكثير من المساعدات الإنسانية التي لا تريد أن تحبط أجرها الأخروي، ولا تريد أن تمن على الناس، لدى مستشفى الكفيل مشروع أطباء بلا أجور، هذا المشروع جوال أنجز الكثير من الجولات الميدانية في الأقضية والنواحي النائية في عموم محافظات العراق، وحملات علاج وعمليات مجانية، ومشروع إطباء بلا أجور هو شاهد من الشواهد الحية اليافعة.
نحتاج أن نعمل بمنظومة أخبار وتثقيف وإبداع، الصحفي الجيد لا بد أن يكون منصفا مثابرا يشتغل على نفسه، أن يتعلم، أن يشعر بقيمة عمله، ويعطي حق المؤسسة التي يعمل فيها، وهذا جزء من الوفاء.
 الإيمان بقدسية العمل يمنح الإنسان الثقة وتمنعه من الإحباط، ونحمد الله أننا نشتغل في إعلام العتبة العباسية المقدسة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/29



كتابة تعليق لموضوع : محاضرة... صناعة الحدث للدكتور ماجد الخياط
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net