صفحة الكاتب : محمد النصراوي

من الفانوس إلى المولدة.. أزمة كهرباء لا تنتهي 
محمد النصراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

     في أحد أزقة بغداد القديمة، تجلس أم حسين قرب النافذة، تمسك بيدها مروحة يدوية، تُهوِن بها على رضيعها الذي لم يعرف طعم النوم منذ انقطاع التيار الكهربائي قبل خمس ساعات، على الطاولة فانوسٌ نفطي، لم يُستخدم منذ سنوات، لكنه عاد اليوم ليصبح منقذ العائلة في الظلام، بعد أن توقف المولد بسبب نفاد الوقود، وانقطعت الكهرباء الوطنية كالعادة دون سابق إنذار أو لاحق إعتذار. 

   هذه ليست لقطة سينمائية من فيلم خيالي، بل مشهد يومي يتكرر في منازل العراقيين منذ أكثر من عشرين عاماً، وكأن انقطاع الكهرباء بات طقساً وطنياً لا يكتمل يوم المواطن العراقي إلا به. 

 

ازمة مؤقتة، لكنها طالت! 

  منذ عام 2003، أنفقت الحكومات العراقية المتعاقبة أكثر من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء، بحسب تقارير رسمية وشبه رسمية، ومع ذلك، لا تزال منظومة الكهرباء تُدار وكأننا في قرية صغيرة في القرن التاسع عشر. 

   بُنيت محطات، وتعاقدوا مع شركات، وأُطلقت وعود قبل كل صيف وبعد كل شتاء، لكن الناتج على الأرض لا يتجاوز 14 ألف ميغاواط في أحسن الأحوال، بينما الحاجة الفعلية للبلاد تتجاوز 30 ألف ميغاواط، هذا دون حساب التوسع السكاني والعمراني. 

 

المولد... المنقذ والجلاد 

  في غياب الحلول، ظهر "المنقذ البديل" المولد الأهلي، تحول إلى جزء من الحياة اليومية، يُدفع له اشتراك شهري يفوق أحياناً فواتير الكهرباء في الدول الأوروبية! 

   المفارقة أن العراقي يدفع للكهرباء ثلاث مرات، الاولى للدولة (كهرباء وطنية) الثانية لصاحب المولدة، الثالثة لشراء الوقود إن كان لديه مولدة خاصة! 

   يقول أبو محمد، وهو موظف حكومي من البصرة: "راتبي يذهب بين المولدة والانترنت والماء، الكهرباء تأتي ساعة وتنقطع ثلاثة، حتى النوم صرنا نحسبه على جدول الكهرباء" 

  الأزمة لم تخلق فقط تعباً جسدياً، بل أثرت على نفسية المواطن، الأطفال لا يستطيعون الدراسة بهدوء، المرضى يعانون من حرارة الصيف، والتجار يخسرون بضائعهم بسبب انقطاع التبريد. 

 

  "الكهرباء الوطنية جيدة، بالتنسيق مع المولدة" هذا لسان حال مسؤولي الكهرباء في كل صيف، لا يتحسن واقع الكهرباء الا بالإعتماد على المولدة، في بعض الاحيان يُخيل إلي أننا نملك في العراق وزارة المولدات وليس وزارة الكهرباء! 

 

  منذ أكثر من عقد، أُعلنت عشرات المشاريع لتطوير قطاع الكهرباء، من بينها عقود مع شركات ألمانية وتركية وإيرانية، وحتى اتفاقات مع دول الجوار لإستيراد الطاقة، ومع كل خطة، تُزرع الآمال ثم تذبل مع أول صيف حار. 

"المشكلة ليست فقط فنية، بل مافيات، فساد، وتداخل صلاحيات، والضحية هو المواطن" حسب تصريح أحد مهندسي الطاقة 

 

السؤال المؤلم الذي يتكرر: إلى متى؟ 

   كلما ظن المواطن أن حلاً يلوح في الأفق، يعود الظلام أقسى من السابق، حتى صارت العودة للفانوس – رمز الماضي – حلاً أكثر واقعية من انتظار الكهرباء الوطنية. 

   في النهاية، لا أحد يعرف هل سيتحول "ملف الكهرباء" إلى قصة نجاح كما وُعدنا مراراً، أم أنه سيبقى يُكتب بنفس الحبر الذي تُكتب به قصص الانتظار الطويل، حيث المواطن لا يجد ما يضيء ليله سوى صبره.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد النصراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/29


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : من الفانوس إلى المولدة.. أزمة كهرباء لا تنتهي 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net