الالحاد والمنج الاستفهامي
صالح حميد الحسناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صالح حميد الحسناوي

يبدو أن أسلوب التضخيم في المنهج الإعلامي طور لنا زورا المشروع الاستفهامي، وجعله من الأمور الفلسفية التي نضجتها العلوم التجريبية، هذه الأسئلة المستحدثة رافقتها أجوبة متنوعة. والأسئلة هي نفس الأسئلة منذ الستينيات من القرن المنصرم، أي عندما كان الإلحاد في ذروته في العراق، هي الأسئلة نفسها كسؤال الوجود والعناية والإرادة الإنسانية على المستوى الديني فكانت الإجابة واضحة وعلى المستويات العلمية هناك.
ملاحظة مهمة أن البعض يبني مستخرجاته العلمية من تفسيرات مذهبية خاصة مثل قضية نزول الله جل وعلا في الثلث الآخر من الليل، وتفسيرات أخرى صارت هدفا لتطاول الفكر الالحادي.
مذهب أهل البيت عليهم السلام يرفض التجسيد والتجسيم وتنزيه الله سبحانه من الصفات، وعلمنا أمير المؤمنين (أعرفوا الله بالله) ومن نفى عن الله سبحانه وتعالى الشبيهين شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله، ومن شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله.
وقال الإمام الصادق عليه السلام (لولا الله ما عرفناه) وحين سالوا الإمام علي عليه السلام (بم عرفت ربك؟) قال بما عرفني نفسه، لا تشبهه صورة ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب في بعده بعيد في قربه، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كل شيء ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء.
ولمذهب أهل البيت التمكن في تهذيب الصيغ والقوالب التي تصنع لنا الأدلة، حسب التمسك بتلك الدلائل، أي ما يناسب العقلية العلمية المدركة من أجل أن نحصل على القناعة، ولا أعرف لماذا يبعد منهج أهل البيت عن مثل هذه المناقشات والمحاورات المهمة، ويعتمد على الداخل قسرا عبر سياسات السلطة، يقدمون هذه المناهج السياسية باعتبارها تمثل فلسفة فهم الله تعالى في الإسلام.
مدرسة أهل البيت نالت تقدما واضحا على مستوى الحداثة فبحثت في العلاقة التكاملية في الاستدلال عن طريق البناء الفكري المحكم، ناقشت مسالة وجود الله تعالى وصفاته لمكانتها المركزية في العقيدة ودفع الشبهات، مفهوم استحالة وجود الكون والحياة بالصدفة، وثبت فشل امتلاك الجحود ونكران الله للتفكير السليم، لا بد من عودة الفكر إلى الإيمان كما حدث لـ(أنتوني فلو) حدث للكثير من المفكرين العرب، وناقش العلماء كل واحد باختصاصه، وناقشوا قضية الخلق بالصدفة، مثلما حاول الغرب المادي أن ينكر الله من خلال الأمور العلمية، أثبت العالم وجود الله سبحانه وتعالى بالأمور العلمية أيضا، النمط الاستدلالي هو من طبيعة الشريعة، أما النظر إلى أمور إثبات وجود الله بمذهبية بعيدة عن الدين ومعدة إعدادا سياسيا، هذه علة أمورنا أن نفسر القران كل حسب نظرية فرقته،، ونحن نواجه قوما يؤمنون بأن صدفة أوجدت كون وعالم ولكنهم يقفون أمام الظواهر الإعجازية على أنها أمور تخالف العقل، لتصبح الصدفة من أمور العقل، وتلك الخوارق خرافات، نماذج كثيرة يؤمن بها المسلمون لثبوتها دينيا، في الوقت الذي لا تصادم حكم العقل، مثلا قصة نار إبراهيم عليه السلام ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾.
خارقة مذكورة في القران واليوم اكتشف العلم الكثير من الامور التي تمنع الأجسام من الاحتراق، وفي قصة مريم عليها السلام ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ وقضية الإسراء والمعراج وغيرها من الأحداث التي تخرق ناموس الطبيعة، اليوم المذاهب الإسلامية تناقش الملحدين ضمن خوارق الناموس الطبيعي، لكنها تتمذهب ضد الكثير من الأمور الاعتقادية عند الشيعة.
مثلا قضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، وهي قضية حقيقية يؤمن بها معظم علماء المسلمين في جميع المذاهب، لكن التعصب المذهبي الذي أوصل الأمة إلى النزاعات بين الطوائف والفرق جعل المسلمين يواجهون الإلحاد كل مذهب على مذهبه، يقرأون الدين بنظرية ..... والتفسير بتفسير ..... ويرفضون التأويل والإعجاز العلمي لغير ..... ونظرية النبوة حسب نظرية .....، صار المتعارف عليه توظيف المعارف المزيفة والمتوهمة، وفرقة ..... أساسا وضعت لتمزيق وحدة الدين، والطامة الكبرى حين تعتمد لتعضيد ربوبية الله سبحانه وتعالى، في حال أغلب الهدايات التي حصلت على مر التاريخ وواجهت بؤر الإلحاد هي مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
وعدم قدرة عقولنا على إدراك الأحكام ليس معناه التعارض بين العقل والحكم الشرعي، بل بقصور العقل عن إدراكها.
مدرسه أهل البيت من المدارس التي يعتمد عليها في تحصين الفكر الإسلامي من دسائس الإلحاد، لهذا علينا أن نفهم أولا أن عقلية الملحد في حقيقة حياته ليست كما هي في الكتب الالحادية، حتى على مستوى كبار الملحدين، وتلك الفرضيات الإلحادية التي تصور على أنها معطيات علمية هي ليست كذلك، مجرد نتائج لقناعات معينة،
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat