الرثاء الحسيني التركماني: أبو الحسن راجي تبريزي صوت تبريز في مأساة كربلاء
محمد زيد ابوالقيس كهية

 من هو راجي تبريزي؟

ميرزا أبو الحسن بن علي أكبر راجي التبريزي، شاعر حسيني وأديب من الطراز الرفيع، يُعد من أبرز شعراء مدينة تبريز. "راجي" هو اسمه الشعري المعروف، وبه يختم معظم قصائده.

ولد سنة 1247 هـ في مدينة تبريز، المدينة المعروفة بالعلم والأدب، ومأوى الشعراء الكبار مثل الشاعر العبقري رضا صراف التبريزي، وصحاف، وصائب. وقد نهل شاعرنا من العلوم الدينية والأدبية باللغات التركية والفارسية والعربية، وتأثر كثيراً بتراث الشاعر محمد فضولي البياتي البغدادي، وبالشاعر صائب تبريزي.

ويُعد راجي التبريزي من أهم شعراء الرثاء الحسيني باللغة التركية في القرن الثالث عشر الهجري.

شعره

يتميّز شعره بالفخامة والبلاغة والأسلوب الرصين. ويُلاحظ مزجه للتراكيب التركية والعربية والفارسية في القصيدة الواحدة، ما يضفي جمالًا خاصًا على النص الأدبي.

شعره معروف ومتداول بين الناس، ويُقرأ في المجالس الحسينية في إيران وأذربيجان وتركيا والقوقاز والعراق، وخاصة في شماله. وله عدة قصائد تُعد خالدة في الوعي العاشورائي التركماني العراقي، من أبرزها قصيدته المشهورة:

جده كجه بابامي آلقان ايچینده گوردوم
جسمی صالبلا باشسیز میدان ایچینده گوردوم

تحليل قصيدته

قصيدة "جده گجه بابامی" من أكثر القصائد التي انتشرت بشكل كبير منذ أكثر من مئة عام، خصوصاً في مناطق الشمال العراقي. وهي قصيدة رمزية معبرة جداً، تصوّر المأساة في واقعة الطف بكربلاء، بلسان إحدى بنات الإمام الحسين (ع) الصغيرات، تخاطب جدها رسول الله (ص) وتقول:

"يا جداه، رأيت أبي في الرؤيا مضرجاً بدمائه،
رأيت أبي وجسمه متروك بالرمضاء بلا رأس..."

إنها قصيدة حزينة ومؤثرة تجسد الفاجعة الأليمة التي حدثت في كربلاء على سبط النبي (ص) وأهل بيته وأصحابه.

في أحد مقاطع القصيدة يقول الشاعر بلسان البنت الصغيرة:

گوردوم بابام دوشبدور، حدسیز یاراسی چوخدور
گول تک بدنده هرگوز، برجای بوسه یوخدور
باشدان ایاقه جسمی، زخم سنان اوخدور
عنقا کیمی پر آچمیش، میدان ایچینده گوردوم

رأيت أبي واقعًا على الأرض،
في جسمه ما لا يُحصى من الجراح،
مثل الوردة، وفي بدنه لا يوجد موضع للتقبيل،
من رأسه إلى قدمه، سهام ورماح مغروزة،
مثل طائر العنقاء باسطًا جناحيه في ساحة المعركة...

تعبير مؤثر وبلاغة فائقة في التصوير الشعري، تُظهر كيف أن السبط الشهيد (ع) بقي وحيدًا شامخًا، لم يتزحزح رغم اجتماع القوم عليه من كل حدب وصوب.

ومن مقطع آخر:

آهوتک اهل بیتی، گوردوم دولانتریلار
بیماری کربلانی، جاننان اوساندرلار
ظلميله خیمه گاهی، ای جده یاندریلار
زینب قالوب اوناری، سوزان ایچینده گوردوم

رأيت في الرؤيا أن أهل البيت يُساق بهم كالغزلان في البراري،
ورأيت عليل كربلاء (ع) مظلوماً وحيداً،
ورأيت خيام العترة الطاهرة تُحرق يا جداه،
أما السيدة زينب (ع) فبقيت وسط تلك النيران، تتحمل المصائب...

وتستمر القصيدة بتصوير مواقف كربلاء من مختلف جوانبها، ثم يختم الشاعر راجي التبريزي بقوله:

چک ناله دمبه دم گل، فریاده داده راجی
گر ایسته سن شفاعت، روزی جزاده راجی
بو بیتی سن مکرر، سویله عزاده راجی

حيث يؤكد أن مصيبة كربلاء لن تُنسى،
وأنها نار في القلوب،
ويخاطب نفسه قائلاً:
إن أردت الشفاعة يوم القيامة،
فكرر هذه الأبيات الحزينة في كل مجلس حسيني.

تأثيره

يُلاحظ في شعر راجي تبريزي، كما في شعراء تبريز وأردبيل وأذربيجان عامة، كثرة المفردات العربية والفارسية ضمن القصيدة التركية، مما يعطي جمالية خاصة وانسجامًا فريدًا.

وقد أثر التبريزي في شعراء كثيرين، خاصة شعراء العراق التركمان، منهم:
الشاعر عبد الكريم آغا، الشاعر كويلو أبو سجاد، الذين تأثروا بأسلوبه.

وكان الرواديد يقرأون قصائده باستمرار، ومنهم الرادود الحسيني الراحل ملا موسى محمد براوجلي (1950–2024)، الذي ذكر أن قراء هذه القصيدة المشهورة (جده كجه بابامي) كانوا:
المرحوم سيد هادي الموسوي، الشيخ أبوالقيس كهية، ملا عصاف، ملا بكتاش، ملا مصطفى كريم، وغيرهم، في المجالس الحسينية بقرية براوجلي، وكذلك في طوزخورماتو، آمرلي، كركوك، تازه خورماتو، بشير، تلعفر، الموصل، قرتبة وغيرها.

تراثه

ترك الشاعر الكبير راجي تبريزي عشرات القصائد في مدح أهل البيت (ع)، وله ديوان مطبوع، وكتب أخرى.

وقد ذكره آغا بزرك الطهراني في كتاب الذريعة (برقم 2034) باسم "ديوان راجي التبريزي"، كما أشار إليه الشيخ محمد صادق الكرباسي في الموسوعة الحسينية.

وفاته

توفي شاعرنا التبريزي سنة 1293 هـ، غرقًا في البحر خلال عودته من أداء مناسك الحج.
فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع النبي الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع).

الخاتمة

إن جيل الشعراء الحسينيين الأتراك الكبار، أمثال:
أبو الحسن راجي تبريزي، رضا صراف تبريزي، قمري، دلريش، ديلسوز، صحاف، صائب، خطائي، فضولي، نسيمي، كان لهم تأثير كبير على الشعراء والرواديد في شمال العراق.

تُقرأ قصائدهم في شهر محرم الحرام، في مجالس إحياء عاشوراء، وتُعد من التراث الحسيني الخالد في تلك المناطق، كما ورد في كتاب:

"القصائد الحسينية الخالدة في براوجلي (براوجليده تراثي سينه زنلار)"

المراجع

الذريعة – آغا بزرك الطهراني

الموسوعة الحسينية – الشيخ محمد صادق الكرباسي

أجنحة المعرفة – نضير الخزرجي

براوجليده تراثي سينه زنلار

الموضوع السابق على الرأس ياصمام الامان

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat