إنسانية الموقف قادتني لمتابعة الخبر، زميل جامعي يدعى أحمد ظاهر يتعرض لإصابة خطيرة، وانتشر الخبر المفجع بهذه الصيغة، تألم له الجميع من باب العاطفة الإنسانية، وبعض الفضول لمعرفة المزيد من التفاصيل، مثلا كيف أصيب؟ وأين أصيب؟ وما نوع إصابته؟ وكيف حاله بعد الإصابة وأسئلة كثيرة، ومر الخبر كما يمر غيره مع شدة وقعه، لكن الذي حدث في البيت سبب لي مفاجئة حقيقية، فاجأني أبي ليسألني ما هو موقف العمادة من قضية أحمد ظاهر؟
من أين عرف أبي الخبر؟ ومن هو أحمد ظاهر؟ وماذا يريد أبي من العمادة؟ وما الذي تقدمه العمادة؟
وحين وجدني لا أعرف شيئا، وصفني بأنني امرأة خارج منطقة التغطية، ماذا يريد مني أبي؟ هل عليّ أن أتعرف على جميع الطلبة الموجودين في الجامعة؟ أعرف خصوصياتهم كلها؟
وهو الذي يوصيني بالابتعاد عن بناء علاقات صداقة مؤثرة إلا بحدود السلام وبعض الاحتياجات التي تخص الدرس، لكن مع هذا جعلني أكتشف نفسي لأول مرة إني منعزلة عن الحياة أعيش على هامشها وعندها انتهيت إلى قضية أخرى، وهي على ما يبدو أيضا أن أحمد ظاهر كان مثلي يعيش على هامش الحياة الجامعية، لا يخص أحدا بصداقة، لهذا سرعان ما انتهى مفعول الخبر، لاحظت أن أبي على غير عادته كثير الحديث عن أحمد ظاهر، متابع يومي لحياته ولحالته وعرفت أنه يزوره في المشفى، من هو يا أبي؟
ـ هو يا ابنتي شاب من عائلة فقيرة، تعيش في الجنوب وهو يدرس في بغداد وليس عنده من يتحمل تكاليف الجامعة أو أن يعيل البيت لهذا هو يعمل في الحياة الصناعي ميكانيكي سيارات وينام في مقر عمله فقد عزل له صاحب المعمل قاطعا خشبيا عمل منها مكتبا ومبيت، سألت ابي:
ـ ما الذي يمكن أن أقدمه له؟
أجابني: ـ أشياء كثيرة ونهض ليذهب إلى غرفته، وإذا بأمي هي الأخرى تشجعني، أحمد الآن بحاجة الينا.
ـ أمي ما علاقتنا نحن به؟ من يكون، ابن عم ابن خال؟ بدأت قضية هذا الشاب تأخذ حيزا كبيرا في بيتنا، شاب مكافح لا بأس، من عائلة فقيرة يصارع الزمن لأجل المستقبل هذا وحده لا يكفي لحماس أبي، وصرت أتسلل خفية إلى عالمه شاب ميكانيكي له اختصاص بكل ما يمس علاقته بالميكانيك، تقدم متطوعا ليقيم دورة للحشد الشعبي يعلم بها شباب الحشد عملية تفكيك المتفجرات، دخل عوالم الحشد ليلبي نداء المرجعية، يذهب إلى الجبهات ويقيم لهم بعض الدورات العملية ليقدم التفكيك الحي، وصاروا يستدعونه عند كل اقتحام جديد، أحبه الجميع لما يمتلك من شجاعة وحماس لإنقاذ الناس من شر المفخخات، في إحدى العمليات المهمة كان الدواعش يحتجزون عوائل من قرى تابعة لمدينة الحضر وقف أمام تلك البناية يبحث عن أمكانية تفكيك المفخخات، تكتشف شيئا غريبا هذه المرة، رجع اليهم وقف أمام قائد اللواء ليخبره أن هذه المفككات مميزة وهي عبارة عن شبكة عنكبوتية، زرعت باختصاص خبراء عالميين، صناعة هذا التفخيخ أكبر من إمكانيات الدواعش لذلك يحتاج العمل منا لتفجير العوائل والتضحية بهم وعددها سبع عوائل وأطفالها أو التضحية بأنفسنا.
القصة رحلت عن مضمونها الحربي، لهذا قرر التضحية واستطاع فك الشبكة العنكبوتية وتخليص العوائل إلا أن أحد الأطفال صار يركض باتجاه الغرف الجانبية بحثا عن أمه وفتح الباب المفخخة وسبب الكارثة، احتضنه أحمد فكانت أكثر من إصابة في جسده لكنه أنقذ العوائل من هلاك محقق.
قلت مع نفسي مثل هذا الإنسان نادر الوجود، لكنه عمل البطولة وهو يعرف ماذا يريد، علينا نحن أيضا أن نعرف ماذا نريد؟ أجابني أبي:
ـ أن نقف لجنبه، نزوره في المشفى نفرغ له في بيتنا ماوي، نرعاه ودورك أنت في تدريسه ما فاته من المحاضرات، حرام يفقد شهادة تعب عليها أربع سنوات، والعمل البطولي لا يقابل إلا بعمل بطولي، لهذا قرر أبي اليوم جمع العائلة والاقارب للاحتفاء بتخرجي ويتخرج أحمد ظاهر نعم قررت أن أكون له العين واليد والقدم وسألت أبي حينها:
ـ بابا هل أنا ما زلت خارج منطقة التغطية؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat