ماذا دهى العرب؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

فيما تستمر إسرائيل بتنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة بذرائع شتى، يجتمع اليوم الثلاثاء (4/3/2025) ممثلو الدول العربية في القاهرة في قمتهم الطارئة والاستثنائية لبحث تطوّرات العدوان الإسرائيلي على غزّة، ولا يبعد أن يكون على جدول اعمال هذه القمّة، التطوّرات الحاصلة أخيرا في جنوب سوريا، ولا أعتقد أنّ هذه القمة ستتجاهل عدوانا إسرائيليا – أكثر من خمسمائة غارة جوية- طالت جميع القواعد والثكنات العسكرية، طولا وعرضا شمالا وجنوبا، مما مهّد للقوات البرّية الإسرائيلية السيطرة السهلة على نقاط استراتيجية، كان يتمركز فيها الجيش السوري قبل سقوطه وتفككه، توغّل لم يكن مفاجئا لمن عرف حقيقة الكيان الصهيوني، وأدرك عدوانيّته من خلال محصّل تاريخه الإجرامي الطويل، منذ أن ساعدته بريطانيا على القيام بالقوّة على أرض فلسطين بعد انسحابها.
إسرائيل وبعد سقوط نظام البعث في سوريا، استغلّت خلوّ الساحة السورية من أيّ قوّة عسكرية، من شأنها أن تمثّل عائقا يمنعها من التخطيط لدخول ثلاث محافظات جنوبية سورية دون مقاومة، هي القنيطرة والسويداء ودرعا، والطريق مفتوح أمام إسرائيل اليوم للتوغل - انطلاقا من مواقعها الجديدة في الجنوب السوري - كما تشاء قواتها، فدمشق اليوم تحت مرمى المدفعية الإسرائيلية، وطريق دمشق بيروت تحت سيطرة قواتها، بإمكانها قطعه متى تشاء.
فماذا بإمكان الحاضرين من رؤساء ووزراء خارجية عرب في هذه القمّة الطارئة فعله، وتواريخ القمم خال من أيّ قرارات جريئة تمخّضت عنها منذ أن تأسست جامعتها؟ طالما أنّه لا يوجد في المصطلحات السياسية لهذه الدّول، سوى التنديد والإستنكار الشديد بدبلوماسية مرنة، لم ترتقي يوما إلى التهديد الجدّي، بالرّدّ على أي عدوان بالمثل، ويبدو أنّ اجتماعات رؤساء العرب قد صيغت بأسلوب، يمكن وصفه بالمثل العربي الذي يقول: ( حتى لا يجوع الذّئب ويشتكي الراعي) مع أنّه مثل ينطبق واقعا على نصفه الأول فالذّئب الإسرائيلي لم يجع يوما منذ أن بدأ هجماته العدوانية، أمّا النصف الثاني من المثل فهي شكوى كاذبة، لم تبرهن مرّة واحدة على انتماء حقيقي وتبنّ صريح في أدائه للقضية الفلسطينية.
ويبدو هذا الاجتماع الطارئ قد انعقد، بعد تأجيل كان من المزمع اقامته بتاريخ 27/2/2025، سيتمخّض فقط على تأييد قرارات أمريكية إسرائيلية، تسعى الى شيطنة المقاومة في غزّة - وهذا ينسحب أيضا على لبنان – واعتبار القائمين بها إرهابيين، ومقاومتهم للمحتلّ أعمالا إرهابية، يجب أن تتوقف بأيّ طريق كان، ويحال مرتكبوها على المحاكم الدولية لينالوا جزاء أفعالهم، وهذه المواقف الغربية الصهيونية، وجدت طريقها إلى الإقناع من خلال حركة التطبيع مع إسرائيل التي بدأتها دول عربية في مقدّمتها مصر، التي لم تقصّر في دعم ومساندة مشروع بقاء الكيان الغاصب مهيمنا على أرض فلسطين، ويبدو أنّ اتفاق كامب ديفيد كان الخطوة الأولى التي لم تجرؤ عليها دولة أخرى غير مصر العربية في عهد القبور السادات.
الدول العربية الوحيدة التي بإمكانها أن تعارض أيّ تواطؤ مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي، الذي يحمله إلى هذه القمّة قادة عرب معروفين، ذهبوا في تفريطهم للقضية الفلسطينية حدّا، اعتبروا فيه إسرائيل دولة معترف بها من طرفهم وقيامها على ارض فلسطين حق مشروع لها ولا يجب منازعتها عليها، بل إنّ التعاون مع إسرائيل في جميع المجالات أصبح واقعا شكّل جانبا من سياسات هذه الدول وهي: مصر الأردن والسعودية والإمارات العربية قطر عُمّان السودان المغرب، ومن غير المستبعد أن تلتحق دول عربية أخرى بالرّكب التطبيعي.
قمّة طارئة لا أعتقد أنّ الشعوب العربية تنتظر منها حلّا، يمكن أن يعيد للقضية الفلسطينية استحقاقاتها الوطنية، بعدما باع أغلب حكامهم حقوقها، وماذا بإمكانهم فعله وقد كبّلتهم أمريكا بالتزامات اللهث وراء سياساتها الداعمة لإسرائيل؟ ومن بمقدوره اليوم من هذه الدول العربية أن يقول لا لأمريكا؟ من هنا نفهم التباين الكبير بين ما تريده الشعوب العربية من سياسات حكامها، وما يريده حكامهم من تواطؤ خطير، مضى في تعامله مع القضية الفلسطينية إلى أبعد حد من الخذلان.
ولا أخال أن الشعب الفلسطيني مؤمّل شيئا من هؤلاء الحكام العرب، فقد يئس من قممهم وقراراتهم، ولم يعد ينتظر منهم خيرا أبدا، وما الذي ينتظره أهل قطاع غزّة من مصر مثلا وهي التي شاركت في حصاره مع الكيان الصهيوني، ومن شاهد المعبر والجدار الفاصل بين سيناء وغزّة، أدرك أنّ النظام المصري الذي يمتلك ترسانة وقوّات عسكرية ضخمة، بإمكانها أن تحمي المدنيين هناك، وتفرض على القوات الإسرائيلية معادلة الدفاع عن أبرياء عزّل، وجدوا أنفسهم بين مطرقة القوات الصهيونية، وسندان الحصار المطبق على القطاع المظلوم.
نخلص لى القول إذا أن مؤتمرات القمّة هي متنفّس لحكام عرب، خرجوا عن التزاماتهم بشأن فلسطين، لكنّهم وخشية انقلاب شعوبهم عليهم اختاروا سبيل النفاق السياسي تأمينا لوضعهم الداخلي، وتعبيرا عن ولاء غير مشروط لأمريكا، ولا ألوم هؤلاء الحكام على تخاذلهم وعمالتهم بقدر ما ألقي باللوم على شعبهم الخانعة المقصّرة، فلا الحكام أعطوا للقضية الفلسطينية حقها في الدعم والمساندة، ولا الشعوب أوفت بما عادت عليه أنفسها بشأن أشقائهم الفلسطينيين.
إنّ أشدّ من قتل الأنفس هو قتل القيم والمبادئ، وليس هناك أضرّ من أن تفقد الشعوب قيمها ومبادئها، عندها لا يوجد حلّ لسقوطها سوى أن تُكبّر عليها تكبيرات الموت، وهي حال كل شعب آثر الدنيا على الآخرة، ورضي بأن يفرّط فيما وعده الله به، ويرضى عيش السّوائم، فبئس الشعوب إن وصلت إلى هذا المستوى من الانحطاط، وبئس الحكام الذين تنصّبوا لقيادتها نحو مصيرها السيّء.
الخطة المصرية بشأن غزة - وهي التي اعتمدها البيان الختامي - تمت بتنسيق كامل مع السلطة الفلسطينية، وتأييد من طرف الدول المطبّعة، تقضي ببسط نفوذها الكامل على القطاع، بما يسمح لها ممارسة أعمالها القمعية ضد عناصر المقاومة، اعتقالا وحتى قتلا أو تسليما لأجهزة الأمن الإسرائيلية، وتاريخ السلطة وممارساتها مليء بخيانة المقاومة، بتنسيقها الأمني الذي لا يزال قائما رغم كل الخروقات والدمار والقتل التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وامتدّ عدوانه إلى الضفة الغربية.
التأكيد على عدم تهجير الفلسطينيين من القطاع، لا يجب أن يحجب حقّ العودة لمن وقع تهجيرهم على مدى توطين الصهاينة، وكأنّ ذلك الحق تناساه القادة العرب، وكان عليهم التأكيد عليه في مخرجات هذا المؤتمر، حق يجب أن يبقى قائما، رغم محاولات تجاهله من طرف القوى الإستعمارية الغربية، ومعهم العرب المطبّعون والسلطة الفلسطينية العميلة، فماذا دهى القادة العرب حتى يتآمروا على قضية شعب ظلم من أقرب الناس إليه؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat