هلْ تكفّرُ الصدقاتُ السيئات ؟ .…
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد فرج الله الاسدي

الصدقة ….
تعريفها - أقسامها - آثارها - شروطها - مستحقوها.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٌ لَّكُمۡ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّـئاتِكُمۡ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٌ.(1).
فرض ديننا الإسلامي واجبات على الإنسان المسلم تتعلق بحياته ، وأولاها أهميّة بالغة ، من خلال الآيات الكريمة ، والأحاديث النبويّة ، لما لهذه الواجبات من آثار إيجابية على حياة الفرد والمجتمع العام .
وحثّ الإسلام على المستحبات الأكيدة والواضحة لعامة المسلمين ، حتى ورد في أحاديث النبي الأكرم وآله الأطهار روايات كثيرة وواسعة ، لعلمهم بأهميتها ، وهم خير مايمثلون ذلك .
وتلك المستحبات لها منافع فردية خاصة لنفس الفاعل ، إن هو عمل بها أدرك منافعها ، إما ماديّة أو معنويّة ، أو كلاهما معاً.
ومن هذه المستحبات الأكيدة هي الصدقةَ .
بَرْهَنت الآيات الشريفة وأحاديث النبي وأهل بيته أفضلية وأولوية ، وسمة بارزة عن الصدقة ، لما لها من فوائد على الفرد والمجتمع مادياً ومعنوياً.
قد يسأل السائل في أن الصدقة حركة ماديّة بحتة ، لماذا كل هذه الأهمية ؟
الجواب نعم هي حركة مادية ولكن … أيضاً لها من الآثار الروحيّة والماديّة على نفس المُتصدِّق بالدرجة الإولى ومستحِقيها بالدرجة الثانية ، والنتيجة على عامة المجتمع لأن في ذلك صلاح ذلك المجتمع وتثبيت عدالته ومساواته ، وستتضح لنا تلك الآثار جليّاً فيما بعد .
تعريف الصَّدَقَةُ :
ما يُعطى للفقير ونحوه من مالٍ أو طعامٍ أو لباسٍ أو غيره من الأعيان على وجه القربة لله تعالى .
أو التطوّع - أي التبرّع - بتمليك العين بغير عوض دنيوي .
تنقسم الصدقة إلى واجبة ومستحبة :
فأما الواجبة ، كالزكاة والخمس ، ولها فتاوى مفصّلة في الرسائل العمليّة للعلماء.
وأما المستحبة ، التي تدفع إلى الفقير المحتاج ، وهي صلب مقالتنا هذه .
سنذكر بعضاً من آثار الصدقة التي أُسْتُخْلِصَت من الآيات والروايات :
1- تُنَمّي الأرزاق ، تزيده كثرة وبركة .
2- تطيل الأعمار .
3- تقي ميتة السوء .
4- النعيم بظل الله .
5- تطفيء غضب الرب.
6- كفارة للذنوب .
7- تدفع البلاء .
8- تهوّن الحساب .
9- وقاية من النار .
10- تدفع المرض والبلاء .
11- تؤلف القلوب بين المعطي والسائل ، خصوصا من كانت بينهما عداوة أو بغضاء ، وبالأخص الفقراء من الأرحام .
12- بث روح الكرم والإيثار في المجتمع .
13- انحسار التجاوز على الحقوق العامة من قبل السراق وغيرهم إذا تم تأمين معاشهم .
ربما لها آثاراً أخرى لم نوفق الإحاطة بها .
سنكتفي بذكر بعض روايات أهل البيت عليهم السلام في الصدقة وآثارها .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : اَلصَّدَقَةُ كَنْزُ اَلْمُوسِرِ : (الغني) (2) .
وقال عليه السلام : الصدقة جُنة عظيمة من النار(3) .
قال الإمام الصادق عليه السلام : اَلصَّدَقَةُ تَمْنَعُ مِيتَةَ اَلسَّوْءِ (4) .
وقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : صَدَقَةُ اَلْعَلاَنِيَةِ تَدْفَعُ سَبْعِينَ نَوْعاً مِنَ اَلْبَلاَءِ (5) .
وقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ (6) .
عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ وَقَدْ وَكَّلْتُ بِهِ مَنْ يَقْبِضَهُ غَيْرِي إِلاَّ اَلصَّدَقَةَ فَإِنِّي أَتَلَقَّفُهَا بِيَدِي تَلَقُّفاً حَتَّى إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِالتَّمْرَةِ أَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَأُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي اَلرَّجُلُ فَلُوَّهُ وَفَصِيلَهُ فَيَأْتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَهُوَ مِثْلُ أُحُدٍ وَ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ (7) .
نعودُ إلى الآيةِ الكريمة التي افتتحنا بها الحديث والتي قسّمت الصدقة إلى قسمين :
1- صدقة علنيّة : إن تبدوا الصدقات - تعلنوها أو تظهروها - فنِعِمّا هي ، لأنكم أيها المسلمون جسدتم عمليّاً الإرادة الإلهية وشكرتم نعمه إليكم .
2- صدقة خفيّة : أما في المقطع الآخر من الآية قال تعالى : أو تخفوها فهو خير لكم.
فجعل الخير في هذا القسم أكثر وأوسع ، لأنَ العطاء هنا ليس ظاهراً ومعلناً أمام الناس ؛ بل هو سخاءٌ من جانب العبد إلى ربه سراً ، فكان أخلص أجراً وأكثرُ تثبيتاً ، وأقربُ رجاءً للقبول منه تعالى .
ثم أردفت الآية بأن ذلك كفارة للسيئات : وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّـئاتِكُمۡ .
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله : أَكْثِرْ مِنْ صَدَقَةِ اَلسِّرِّ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ اَلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ (8) .
وقال (صلى الله عليه وآله) : سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، منهم : رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ (9) .
وقال (صلى الله عليه وآله ) : أَنَّ صَدَقَةَ اَلسِّرِّ فِي اَلتَّطَوُّعِ تَفْضُلُ عَلاَنِيَتَهَا بِسَبْعِينَ ضِعْفاً (10) .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : خَيْرُ اَلصَّدَقَةِ أَخْفَاهَا ( 11) .
ورد عن الإمام الباقر عليه السلام إنهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّوَجَلَّ : إِنْ تُبْدُوا اَلصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ .
قَالَ : يَعْنِي اَلزَّكَاةَ اَلْمَفْرُوضَةَ.
قال السائل : وَإِنْ تُخْفُوهٰا وَتُؤْتُوهَا اَلْفُقَرٰاءَ.
قَالَ عليه السلام : يَعْنِي اَلنَّافِلَةَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِظْهَارَ اَلْفَرَائِضِ وَكِتْمَانَ اَلنَّوَافِلِ (12) .
وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) - إنه - كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَيَخْرُجُ فِي اَللَّيْلَةِ اَلظَّلْمَاءِ فَيَحْمِلُ اَلْجِرَابَ فِيهِ اَلصُّرَرُ مِنَ اَلدَّنَانِيرِ وَاَلدَّرَاهِمِ حَتَّى يَأْتِيَ بَاباً بَاباً فَيَقْرَعُهُ ثُمَّ يُنَاوِلُ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَقَدُوا ذَلِكَ فَعَلِمُوا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ اَلَّذِي كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. (13).
شروطها :
يظهر من الآيات القرآنية والروايات الشريفة أن للصدقة شروطاً منها:
1- أن تكون من المال الحلال الطيّب .
2- الأفضل أن تكون في السر.
3- أن لا يتبعها الأذى والمنّة .
4- أن تكون الصدقة خالصة لله سبحانه وتعالى .
5- أن تكون الصدقة مما يحبّه الدافع لها ، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ .
6- أن لا يتصور المُنفق أنه مالك هذه الصدقة الحقيقي ، وإنما هو وسيطٌ في ذلك.
من هم مستحقوا الصدقة:
فقد جاء في الآيات القرآنية أن المستحقين للصدقات ثمانية وهم:
1- الفقراء .
2- المساكين .
3- العاملون عليها ، وهم الذين يجمعون الزكاة ، وهي بمنزلة الأجرة لهم على ما يقومون به .
4- المؤلفة قلوبهم ، وهم الذين يُعطى مال الصدقة الواجبة إليهم من باب استجلاب وتألُّف قلوبهم نحو الدين الإسلامي وتحبيبهم فيه .
5- وفي الرّقاب ، يقصد به إعطاء المال من أجل تحرير العبيد من العبودية .
6- الغارمونَ وهمْ المديونونَ ممنْ لا يتمكنون منْ أداءِ دينهم .
7- في سبيل الله ، أي صَرْفها لوجهِ الله تعالى ، وفي كل ما يمكن أن يكون فيه تقوية للإسلام .
8- ابن السبيل ، هو المسافر الذي لا مال له يكفيه للوصول إلى مقصده .
لاتحل الصدقة :
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لاَ تَحِلُّ اَلصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ وَلاَ لِمُحْتَرِفٍ وَلاَ لِقَوِيٍّ ، قُلْنَا وَمَا مَعْنَى هَذَا.
قَالَ : لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْهَا (14) .
وفقنا الله تعالى وإياكم وجميع المؤمنين والمؤمنات للصدقات وعمل الخير وحب الإحسان .
محمد فرج الله الأسدي
18/رجب/١٤٤٦ هجري
19/1/2025 .
المصادر:
- البقرة ٢٧.
- غرر الحكم / ص 57 .
- الخصال/ ج2 / ص 610 .
- وسائل الشيعة/ ج9 / ص 393 .
- بحار الأنوار/ ج93 / ص 179.
- ثواب الأعمال / ص 139 .
- الكافي/ ج4/ ص47 .
- الخصال/ ج1 / ص 180 .
- الخصال/ ج2 / ص 342 .
- مستدرك الوسائل /ج7/ص133 .
- غرر الحكم / ص355 .
- وسائل الشيعة / ج9/ص310 .
- بحار الأنوار/ ج46 / ص 66.
- معاني الأخبار / ص262 .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat