سيف علي مُعلقٌ على رواق الحائط
ثائر الربيعي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ثائر الربيعي

(الناس ثلاثة: فعالم ربـّاني، ومتعلـّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع: أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق)
الأمام علي (ع)
(وهمج رعاع: أتباع كلّ ناعق).. الهمج مفسر في اللغة : “بالحمقى”، والرعاع: هو “الإنسان الذي لا وزن له”.. هؤلاء أتباع كل ناعق، والناعق هو الذي يتكلم بالحق والباطل دون أن يحدد مساره وبوصلته .
أي محنةٌ تلك التي عاشها سيد الوجع وألألم الامام علي (ع) وسيفه مُعلق على رواق حائط بيته لأكثر من أربعة عشرون عاماً ، مكتفي بمعول ٌ بيديه يزرع بهما الأرض ويعمرها ، أنه أمتحان علي مع الجهلة الذين لم يعرفوا حقه وقدره ومكانته ، يحمل مشروع الانسان الذي ينهض بأنسانيته المبعثرة أو بالاحرى تكاد تكون ملغاة أو معدومة بحكم الظروف المعقدة التي احاطت به .
بعد أن ألقى عليهم الامام خطبةٌ يشرح فيها خبايا واسرار طرق السماء والأرض ،كان يرشدهم للطريق الصحيح ويريد لهم الخير كله دون مقابل منهم ، وهم غير مبالين بأن فيهم باب مدينة العلم التي قال عنها رسول الرحمة (ص) ( أنا مدنية العلم وعلي بابها ) علي ٌ الذي جاءته الدنيا بكل مفاتنها وزخرفها بوسادة مثنيةٌ له ، رفضها قائلاً فيها ( طلقتك ثلاثاً لارجعة فيها ولا حاجة لي فيكَ ) أنها ليست مأساة علي وحده على هذه الارض بل كل من يحمل قيماً ومبادىء يعيش بنفس الوجع والحزن الذاتي والاغتراب عن هويته في بيئة صعبة جداً.
اجابة الجاهل وهو يقول له : كم شعرةٌ في رأسي . من خلال هذه الاجابة تستدل على التردي الفكري وهبوط الوعي المعرفي الذي يمثل أساس النهوض في الأمة.
عندما استلم الخلافة أستل سيفه من رواق حائطه بعد أن تفاقمت أزمة الجهال عليه حيث اشباه الرجال وأنصافهم من الذين غلبوه في رأيه وتمردوا على طاعته ولم يثبت معه إلا القليل على نهجه وخطه ، وبدأت المعارك وكانت مأساة أخرى أسمها التحكيم وقال لهم : (اطيعوني ساعة واعصوني الدهر كله) لم تنفع معهم واختاروا ابي موسى الاشعري وحدث ماحدث في دومة الجندل ويذكر العقاد مؤلف كتاب (عبقرية الإمام علي)، قد "أصر الغوغاء على اختيار الأشعري، رغم رفض الإمام له"، ثم اختار معاوية ابن العاص الماكر بالأشعري الذي قال لابن العاص: (مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث). فأجابه ابن العاص: (ومثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً). يقول العقاد: (كلب وحمار قررا مصير الأمة)، ويردف قائلاً انتهت تلك المأساة بتلك المهزلة او تلك المهزلة بتلك المأساة ، ناهيك عن الممارسات التي آلمته وأشعرته بالغربة مع نفسه ، قمة الوجع الانساني ان يكون العالم أو المثقف أو أي أنسان محترم بين جهال القوم كمثل الذي يُلقي الشعر على منصة في سوق الحدادين وأصوات المطرقة السندان تتعالى من يسمعه ويُصغي اليه .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat