صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

شعوبنا العربية بين الاستفاقة والخمول
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

دخلنا القرن الواحد والعشرون ميلادية، وفي خُلْدنا أنّنا نخوض منافسة نزيهة مع بقية دول وشعوب العالم، لعلّنا نخرج بها من مستنقع الانحطاط والتفاهة، الذي هيّأه لنا عدوّنا اللدود الغرب الفاجر، وقد حاربنا قديما بسلسلة غزوات صليبية، امتدت منذ 1096م إلى اليوم، ومخطئ من يراها انتهت وأصبحت من الماضي، انتهت بعد أن بدأت بقرنين 1291، ذلك أن الغرب كان في حقده الدفين علينا، كالموقد المتأجج، الذي خبَا فغطّى جمره الرّماد، هبّت عليه رياح حقدهم، فأعادت تأجيجه من جديد، ولم تكن حملة (نابوليون بونابارت) على مصر سوى 1798 ، والتي استمرت ثلاث سنوات، سوى تجديد عهد بالحملات الصليبية القديمة، ثم عادت من جديد بغطاء استعماري بغيض، كشف عن وجه وحشية عَرفت بها شعوب عالمنا المستضعف، هذا الغرب على حقيقته، فاقدا لأدنى قيمة إنسانية.

شعوبنا لم تستوعب من ماضيها شيئا - باستثناء البعض - ولم تضع الغرب بأنظمته موضع العدو، بعدما دخل مرحلة جديدة من استغلالنا، ووضع لذلك خططا سياسية محكمة، تركزت على ضرب هويّتنا الإسلامية، بواسطة بني جلدتنا من المتأثرين ببهرج ثقافته المزيّفة، المعادية للدين الإسلامي فكان له ما أراد، وانقادت شعوبنا إلى نظريات فُرِضت علينا، جاء بها تُبّع الغرب من عملائه الذين اختارهم بمنتهى الخبث، وقدّمهم لنا كمناضلين وطنيين ليكونوا في خدمته، ويطوّعوا شعوبهم على ذلك المسار التّبعي، في شكل حكومات وطنية مُزيّفة، تبين بعد ذلك وانكشف تموقعها في العمالة، ذهب بها عملاء أوْدُوا شعوبهم وبلدانهم في مسخ فظيع، بلغوا به حدّ السقوط في مستنقع التفاهة والإنحطاط الأخلاقي والقِيَمِي.

هذه الشعوب تخلت - منذ أن وقع مسخها - عن ابسط واجباتها، فبدت في أدنى مستويات التخلف الحضاري، وتلك نتيجة طبيعية مُتوقّعة، قد نازعت أفرادها الأنانية، فلم تترك لها مجالا لاعتبار غيرها، ومن التفكّك الأسري، بدأت مجتمعات بأكملها تعاني من ذلك الدّاء الخبيث، ولا تجد له علاجا يوقف انتشاره، وتلك نتيجة التفريط في أصولنا، والتخلي عن ثقافتنا الإسلامية، المبنية أساسا على مكارم الأخلاق، وحبّ الأوطان والتفاني في خدمتها.

منذ سنة – ودون التعريج على الماضي القريب- شنت إسرائيل هجوما بربريا تدميريا على قطاع غزة، وعلى مرأ مسمع من حكام العرب وشعوبها، دون أن يحركوا ساكنا، لا يزال خامدا هامدا فيهم، مع ما يمتلكون من ترسانات عسكرية برّية وجوّية وبحرية، ولو فعلوا لأقلعت وكفت عن عدوانها، بل من المؤكّد أن تكون قد زالت عن فلسطين، مما زادها عنفا واصرارا على مسح القطاع، تنفيذا لمخططها في انهاء أي مظهر للمقاومة المسلحة فيه، اسكاتا للصوت الفلسطيني المقاوم فيه، واستكمال تهويد كامل فلسطين.

لم يستوعب العرب والمسلمون أنظمة وشعوبا إلى اليوم، أن وجود إسرائيل وسط بلدانهم، وفي قلبها النابض بالقداسة فلسطين، هو وجود أسسته بريطانيا الاستعمارية، بتواطؤ من حكام آل سعود، وصمت وخيانة من البقية الأنظمة، فقد سارع من سارع منهم إلى الاعتراف بها، إذعانا ونزولا عند أوامر أمريكا وحلفائها من دول الغرب، وبقي من بقي في سرّية تعامله معها، دون مراعاة لأبسط الحقوق الواجبة على المسلمين تجاه إخوانهم، ولو أنّهم اجتمعوا لبّوا نداء الواجب، وضحّوا بصدق من أجل نصرة غزّة وفلسطين، التي وهو مطلب جميع الشعوب الإسلامية، المتمثل في دعواتهم المتكررة إلى تحرير فلسطين، وطرد الصهاينة منها، لما كان لإسرائيل وجود، منذ ذلك الوقت حتى اليوم، ولاستعصى على بريطانيا ودول العمالة مؤازرتها حينها وهي ضعيفة، تخاذل دفع الشعب الفلسطيني - وهو أول المقصّرين في الدفاع عن وطنه - ومن بعده اصطف أشقاءه المحيطين به ثمنه غاليا، انطبق عليهم المثل القرآني( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى)(1)، وهي حال من الخذلان والتعاسة استمروا عليها إلى اليوم.

يحِقّ لنا بعد هذه السلبيات التي طبعت حياتنا شعوبا وحكومات أن نتساءل: إلى متى سيستمر أداؤنا السلبي تجاه واجباتنا، وقد تخلّت عنها غالبيتنا، مع ما تركه ذلك من نتائج سلبية، صبّت كلها في صالح الأعداء، الذين يريدون أن نبقى على ذلك السقوط الأخلاقي، حتى يرضى عنا هؤلاء الذين تسببوا في وصولنا إلى مستنقع التفاهة والسّلبية الإنهزامية، وفي نظري أنّه لا مجال للخلاص مما نحن فيه من مهانة، من دون العودة إلى الإلتزام مجددا بقِيَمنا الأخلاقية، التي أمرنا الله بها، وجاء بها نبينا الخاتم ودعانا إليها، على أنّها السبيل الوحيد الذي بإمكانه أن يخرجنا من حالة السلبية، إلى حالة من التعاطي مع الاستحقاقات والقضايا المصيرية، وليست قضية فلسطين سوى مفتاح أغلب القضايا، وتحريرها يعتبر العقبة التي اذا اجتزناها، ستنفتح لشعوبنا بقية الاستحقاقات.

الأمل الكبير في استفاقة شعبية متوقعة، من شأنها أن تبدد سلبيات الماضي، متزامنة مع عودة رشد حكوماتنا، لتحمل مسؤولياتها التي في عهدتها، والخروج من تحت مظلّة الخوف من الغرب، فالخوف من الخالق أولى من الخوف من المخلوق، والذي عنده خزائن السماوات والأرض، هو الذي بيده تحقيق غاياتنا، وعودة شعوبنا على الله بالإنابة والتوبة والعمل الصالح، ستكون له آثار إيجابية سوف تأتي ضمن وعده ( استجيبوا لله والرسول اذا دعاكم لما يحييكم)(2) الذي ربطه بضرورة تغيير ما بأنفسنا من سلبيات وتقويمها الى العمل الصالح لكي نكون في مقام تغييره ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)(3) وعي شعوبنا اليوم أصبح ضروريا وعليها أن تفهم أن تقليد الغرب لن يفيدها في شيء ورجوعها ألى الالتزام بأحكام وآداب دينها من مستلزمات الخروج من الستنقع الآسن الذي أردانا فيه الغرب بمخططاته الخطيرة التي قبلتها حكوماتنا، وهذا بحاجة إلى إرادة وعزيمة قويّتين مع تضحيات يجب أخذها بعين الاعتبار.

المراجع

1 – سورة الحشر الآية 14

2 – سورة الانفال الآية 24

3 – سورة الرعد الآية 11


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/10/08



كتابة تعليق لموضوع : شعوبنا العربية بين الاستفاقة والخمول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net