صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

ما جدوى حزب يعيش بين أكناف كيان صهيوني وسلطة عميلة؟
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 من لم يعرف حزب التحرير، فكرا وتاريخا وواقعا، لا يجب أن يغترّ بمعسول كلام أصحابه من دعاة ومنظّرين، فما كتبه مؤسسه، واسترسل فيه من استلم القيادة بعده، مجرّد كلام مناظرات ودعايات، لم ترقى إلى التطبيق يوما، في محلّ ظهور هذا الحزب فضلا عن أماكن أخرى، ظهر محتشما عن طريق من تأثروا به، واعتقدوا صحة وسلامة مضامينه، مخدوعين به على أساس أنّه يمثّل مشروعا متكاملا لحكم إسلامي، مبني على أساس الخلافة، التي سقطت - حسب معتقدهم – في تركيا سنة 1927، وحزب التحرير بنى دستوره وأكفاره على أساس استعادة الخلافة الإسلامية، وهذا ما دعا قادته إلى الاتصال بالمسؤولين الإيرانيين ودعوتهم الى مراجعة الدستور الإيراني على أساس أنه به أخطاء يجب إصلاحها، وبجرأة من اعتقدوا انفسهم فوق النقد قدّموا ملاحظاتهم بجرأة عجيبة بعنوان ( نقض مشروع الدستور الإيراني المطروح للمناقشة في لجنة الخبراء) (1)

عقليّة من رأوا أنفسهم وحدهم يمثلوا مصدرا لمشروع حلّ إسلامي، يوحّد جميع الطوائف الاسلامية، هي التي دفعت بهؤلاء إلى تقديم ورقات لمشروع استنبطوه حسب زعمهم من كتاب الله وسنة رسوله (ص) متجاهلين أن بين الفرق المزمع توحيدها اختلاف في تحديد مصدر السنة النبوية، واختلاف آخر في فهم كتاب الله وتفسير معانيه وأحكامه، واعتمادهم فيما قدّموه لإيران حينها كان بعيدا كل البعد على مقصد التوحيد والجمع لديهم، لذلك لم يعيروه اهتماما، وقابلوا حملته بلطف حسن نيّة، ولم يعيبوا فيهم جرأتهم على إمام عظيم يعتبر من أكبر المصلحين الإسلاميين في جميع العصور، وهو ما جعله ينجح في قيادة قوم سلمان المحمدي، الموعودين بإعادة اعتبار الإسلام في العصر الحديث.

انتشر حزب التحرير الذي ظهر به مؤسسه الشيخ القاضي تقي الدين النبهاني في القدس سنة 1953

،في فلسطين بداية الخمسينيات في منطقتي القدس والخليل، ولاحقاً في قلقيلية، وبعض مناطق رام الله وقرى بيت لحم وغيرها بشكلٍ أقلّ بكثير. وستظلُّ هذه المناطق هي المناطق الأكثر حضوراً وتأثّراً به حتى اليوم، وستظلُّ الكثير من المناطق بما فيها قطاع غزّة والأراضي المحتلة عام 1948 مناطق بعيدة عن نفوذ الحزب، رغم وجود عناصر محدودة له فيها.

وتظهر قوّةُ الحزب في مدينة الخليل بشكلٍ كبيرٍ على الأرض، حين يُشارك الآلاف من كوادره في مسيراتٍ أو مؤتمراتٍ جماهيريّة في شوارع المدينة وساحاتها، خاصّةً بعد عام 2004. 

بعد النكسة، عاد الحزبُ بكوادره التاريخيّة للعمل، وبدون ملاحقة من الاحتلال الإسرائيليّ، إذ لم يمارس الحزب أيّ عملٍ مقاوم ضدّ الاحتلال، ولم يدعُ أفراده للقيام بذل. وقد استمر الحزب بشكلٍ أكبر نهاية الثمانينيات وما بعدها بتنظيم صفوفه والتوسع أفقيّاً وصولاً إلى تنظيم فعالياتٍ جماهيريّة علنيّة كبيرة، بدون ملاحقةٍ من الاحتلال أو السلطة الفلسطينيّة بعد تشكُّلها)(2)

وفيما يبدو أن تسامح النظام التونسي، واطلاقه لحرية الصحافة، قد فسحا المجال لحزب التحرير للنشاط في البلاد، وأمكن لهم بذلك تأسيس حزبهم، والظهور به في العلن بعد ان كان نشاطه سرّيا، وإصدار صحيفة عنوانها (التحرير)، كتب أعضاؤها ما طاب لهم أن يكتبوا من غثّ وسمين، عبّروا فيه عن جملة آراء، معارضة لما يراه غيرهم من المسلمين، قناعة ومبدأ ملتزمون به على قاعدة  صحة ما عندهم، وهذا ما حدا حزب التحرير، وهو من أعداء للثورة الاسلامية في ايران ونظامها القائم، إلى استعمال اسلوب مهاجمتها بإطلاق الدعايات المغرضة ضدّها.

ما كتبه (أحمد طاطار) عن خبر اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، يندرج ضمن مخطط يخدم الدعاية الصهيونية في تقزيم إيران والتشكيك في مصداقيتها أمام المسلمين والعالم، وبالأخص تجاه فلسطين. فقد قال: نقلت كل وسائل الإعلام العالمية والمحلية صرخات المسؤولين الايرانيين وتوعدهم بالرد للدفاع عن سيادة ايران الجمهورية المنتهكة من طرف اليهودي مرارا وتكرارا على اراضيها ومناطق نفوذها والمناطق الراجعة لها في المنطقة. فكان التعليق فهل سيكون الرد الايراني منفصلا عن المفاوضات ونتائجها أم ستواصل إيران في سياسة الكيل بمكيالين من أجل تحقيق مزيد من التقرب الى السادة الغربيين.. ويواصل المعلق المتابع للسياسة الإيرانية، يرى جليا أنها لم تتعدى في أحسن حالاتها، سوى الرد الضعيف الرخيص الغير المناسب، للجرائم التي انتهكت في حق شعب إيران الإسلامي تحت عناوين رخيصة، مثل سياسة ضبط النفس والتزام الهدوء، ولم تبادر ولو مرة واحدة بالسبق وبالفعل، في اي قضية من قضايا المنطقة، بما يناسب ادعاءها الإسلامية، والاسلام من قيادتها بريء فلا يجوز لمسلم الارتهان والعمالة، والدوران في فلك الدول الكافرة المستعمرة، فالقيادة الإيرانية ليست الا زعيمة الفرس الجدد، ولا تمثل الشيعة ولن تمثلهم أبدا.(3)

كلام دلّ أوّلا على نفسية مريضة، لعضو في حزب لا يرى شيئا جميلا إلا في حزبه، لعلّ العمش الذي أصابه في موقفه من ايران، ذهب به إلى العمى قُدُمًا، فحال دونه والابصار بالحقيقة، وان تعامى عمّا قدّمته إيران لحركات المقاومة والشعب الفلسطيني، فكان عليه أن يسأل نفسه ماذا قدّم حزب التحرير لقضية موطنه فلسطين على مدى 71 عاما؟ ولماذا لم ينخرط في أي عمل مسلح ضد الكيان الصهيوني، وأغلب عناصره وقياداته تعيش تحت سلطتين خبيثتين متآمرتين، الأولى الاستعمار الصهيوني، والثانية رديفته السلطة الفلسطينية، التي غضّت الطرف عن عناصره ووجود كوادره تحتها، ومحمود عباس اتخذ نفس موقف حكومة الاحتلال في التعامل مع هذا الحزب، على أساس أنه لا يشكل أي خطر عليهما، حليف لهما على حماس والجهاد، فأكرم بها من علاقة.

والنظام الإسلامي في ايران القائم على مبدأ ولاية الفقيه، هو نظام إسلامي أصيل، قائم على مبدأ الإمامة، ضمن منهاج الشيعة الامامية الإثني عشرية، في ركن عقيدتها الرابع في الامامة، وهذا لا يغيّر شيئا من واقع ملفت للنظر والاهتمام، يعيش تحته بمنتهى الرضا والقبول، عشرات ملايين الإيرانيين الشيعة والسنة، وغيرهم من الطوائف والأجناس داخل ايران، والفرس الجدد الذي نبزهم الكاتب بعصبيّته النفرطة، هم قوم سلمان المحمّدي الذين وعدهم الله ورسوله(ص) بالحسنى ( لو تعلق الإيمان بالثريا لنال رجال من هؤلاء)(4)

أما أنّ إيران في نظر كاتب المقال لا تمثل الشيعة، وأجزم بأنها لن تمثلهم أبدا، فقد كشف عن قلب حقود، لا يعيش بداخله أي منطق، ولا يقبل أن تستقرّ فيه أي حقيقة، وإن كانت بارزة للعيان يراها العالم الغربي بحقد، ويتعامل معها بالمعاداة والحرب- والحرب الاقتصادية أشد من الحرب العسكرية- مثل أن النظام الإسلامي في إيران حقيقة لا تقبل الدّحض، قائم على مبادئ إسلامية اصيلة، أحب من أحبّ وكره من كره، فلن يغير ذلك من حقيقة ايران وإسلامية نظامها، وهي لا تُعير لمن عاداها بالقول قيمة، وتأمل صلاح من زلّت به قدم العداوة بشأنها، لعلّ الله يقلّب قلبه ليكون معها من أجل الإسلام، وقاعدتها القرآنية التي تعمل بها في الاطار الاجتماعي والسياسي: (إنّ اكرمكم عند الله أتقاكم). سياسة واحدة تحكم إيران ولا تعتمد مكيالين في التعامل بها، إطار إسلامي عام بأحكامه، عمدته الإرشاد والإصلاح في المجتمع، وأساسه الولاية لأولياء الله، والبراءة من أعدائه .

فيما كتب في نفس العدد والصحيفة (خالد الاشقر أبو معتز) تحت عنوان: وما القتل ما شاورت فيه ولا الذي ... تخبر مذ لاقيت انك فاعله (وايران لم نجعل يوما همها تحرير فلسطين أو محاربة كيان يهود وإنما إذا احتاجت أمريكا أن تضغط على الكيان استخدمتها، وإلا فإن يهود قد قتلوا العشرات وقصفوا مئات المواقع لها في الشام ولم تحرك ساكنا.)(5)

ولخالد الأشقر أقول لقد تأسس النظام الإسلامي على مبدأ تحرير فلسطين، ومضى عليه طوال 45 سنة ونصف، ولولا هذا النظام لما بقي للمقاومة الفلسطينية باقية، ولكانت فلسطين في خبر كان، مع ما بدا من تطبيع مقيت، هرولت إليه أغلب الدول العربية والإسلامية، قولك هذا لن يغير من سياسة إيران الخارجية تجاه فلسطين شيئا، وتوجّهها العملي والصادق بالدعم الكامل، لجميع الفصائل المقاتلة للعدو الصهيوني لا تُفرّق بينها، إن غابت عنك جهود إيران مساعيها الصادقة، فأسال قادة المقاومة الفلسطينية في حماس والجهاد، يخبروك بالحقيقة، فلا تعد تفتري على إيران بمثل ما ذكرته في مقالك، هذه نصيحة أقدّمها لك وإن عُدْت إلى صنيعك فأنت حليف للصهيونية والغرب في معاداة إيران الإسلامية.

المراجع

1 – حزب التحرير والعلاقة مع إيران

https://www.aletihad.ae/wejhatarticle/90407

2 – حزب التحرير: تحرير ماذا؟ https://metras.co/

3 – جريدة التحرير الاحد 13 صفر الموافق ل 18اوت 2024 العدد 504 ص4

4 – جامع أحاديث البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة الجمعة ج6 ص151 ح4897

5 – جريدة التحرير الاحد 13 صفر الموافق ل 18اوت 2024 العدد 504 ص10

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/08/24



كتابة تعليق لموضوع : ما جدوى حزب يعيش بين أكناف كيان صهيوني وسلطة عميلة؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net