أهميةُ التّماسك في العتبات النّصية
ا . د . صباح علي سليمان

 يقصدُ بالتّماسك النصي هو ترابطُ الجمل في النّص مع بعضها بعضاً بوسائل لغويةٍ معينةٍ ، فهو علاقةُ كلّ مكونٍ بمكونات النص؛ ليصبح نسيجاً واحداً، وهو مترجمٌ من الكلمة الإنكليزية Cohesion (التماسك والانسجام في قصيدة "ثلاث صور" للشاعر محمود درويش، أحمد محمد البزور)، وكان بعضُ الشعراء في الجاهلية وصدرِ الإسلام لا يسمّون عنواناً لقصائدهم؛ لأنَّ العنوانَ معروف من أبيات القصيدة ،كما في بانت سعاد لكعب بن زهير في مدح النّبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومع بدايةِ العصر الحديث، وظهورِ التيارات الأدبية الغربية بدأ الشعراءُ والنّقاد يهتمون بعنوان القصيدة؛ فهو بطاقةُ تعريفٍ للقصيدة (آليات التماسك النصي في قصيدة (من ليالي تشرين) لعلي السبتي ٠د عليه طلاق فلاح الهاجرى). ولأهمية التّماسك النّصي في وحدة القصيدة اهتّم النّقاد والنّصيون بالعتبات النّصية، وظهر هذا العلم عند جينيت، ومنه كتاب (المقدمات) لبورخيس؛ إذ لاحظ أنّ الدراساتِ الأدبية ما زالتْ تشتكي من نقص يتمثل في عدمِ ظهور قاعدة تقنية لدراسة المقدمات، وعند ميشيل فوكو في كتابه حفريات المعرفة، أمَّا في التراث العربي فكان للعلماء لمساتٌ واشاراتٌ، وهذا ما أوجزه ابن عبد ربّه في كتابه؛ إذ قال: "وأما ختم الكتاب وعنوانه فإنّ الكتب لم تزل مشهورة غير معنونة ولا مختومة حتى كتبت صحيفة المتلمس، فلما قرأها ختمت الكتب وعنونت؛ وكانت يؤتى بالكتاب فيقال: من عُني به؟ فسمى عنوانا"( العقد الفريد 4/ 241 )، وينظر: مصطلح العتبات في الدرس النقدي الحديث، د. سهام حسن). فالعتبة النّصية مهمة في وحدةِ القصيدة، ولا يمكنُ السّخرية منها من قبل النّقاد ، وذلك يذكّرهم بالفنان فؤاد المهندس وفيلمه" العتبة جزاز والسلم نايلو.." ، والعتبة جزاز عنوان أغنية شعبية تغنيها المطربة شويكار في الفيلم(الاهتمام النقدي بالعتبات النصية ، د.محمد عبدالله القواسمة)، ولا يمكنُ الاستهانة بالعنوان؛ لأنَّه محطةٌ إبداعية للمؤلف، وله أثر خارجي في القصائد ،أو الأحداث التاريخية القريبة منه، وأثرٌ داخلي من خلال علاقة الكلمات بالأبيات والأبيات بالقصيدة (ما تقوله العتبات النصية  فيروزرشام).إنّ علاقةَ الحرف بالكلمة، والكلمة بالجملة، والجملة بالمعنى ، والمعنى بالبيت الشعري، والبيت الشعري بسابقه ولاحقه ،والأبيات الشعرية بالعنوان يعطينا مضموناً واحداً للقصيدة ، وهذا يكونُ عن طريق تفكيك النص في البدء ،ثُمّ ربطه من جديد مع دراسة مناسبة النّص، وحالة الشّاعر، والعلاقات الدّلالية بين النّصوص .
 
 

الموضوع السابق سيدي فتى الفتيان القاسم

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat