قراءة في نتائج الانتخابات الإيرانية
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

اعتقد أن الإنتخابات الايرانية قد أوفت بوعودها، فلم يعد انخفاض نسبة المشاركة في الدور الأول، ملازما لها في الدور الثاني، كأنما فُكّ الناخبون من عُقال، ومن نسبة مشاركة بلغت 40 بالمائة(1) – وهي نسبة متدنّية مقارنة بالانتخابات السابقة- ارتفعت نسبة المشاركة الجماهيرية في الدور الثاني إلى الخمسين بالمائة، ويبدو ان التيار الإصلاحي كان الأكثر استعدادا وتنظيما، والاقرب إلى فوز مرشحه بازشكيان، ولا يمكن تفسير زيادة نسبة المشاركة الجماهيرية الى حدود 50% خلال تمديدات الدورة الثانية بغير ذلك، لأنها في أغلبيتها كان في صالح المرشح الإصلاحي، ويمكن البحث في هذه الزيادة لأنّها قد تكون منظّمة وموجّهة، من أجل ضمان فوز المرشّح الإصلاحي.
بعد الفرز الأوّلي أعلنت الداخلية الإيرانية عن فوز المرشح مسعود بيزشكيان، بحصوله على 16.384.403 صوت، بنسبة 53.6%، بينما حصل سعيد جليلي على 13.538.179 صوت، وعلى نسبة 44.3%(2)
هل فهم قاليباف اليوم أنه أفسد على تياره المحافظ، وعلى مرشحه الأساسي سعيد جليلي، في أن يكون الرئيس التاسع منذ الدورة الأولى مباشرة، دون اجراء الدور الثاني، كان عليه ان يستمع إلى صوت العقل الذي نطق به زاكاني عمدة طهران المتخلي لفائدة جليلي مع قاضي عسكر هاشمي، فينسحب بدوره قبل اجراء الانتخابات، لكنه لم يفعل وكانت نتيجة أصواته كافية لترشيحه، لو ذهبت تلك الأصوات إلى جليلي، على أية حال تجربة قاليباف في خوض الترشح للرئاسية الثانية فاشلة، ولا أعتقد أنه سيفكر في إعادة التجربة مرة ثالثة، فقد بلغه الدرس ووعاه، وهو درس قاس بالتأكيد، وأكيد أنه نادم الآن على عدم استماعه لنداء الواجب ونكران الذات، وهيهات أن يعود به التاريخ إلى ما قبل إجراء الإنتخابات.
لا شك أن من لا يعرف طبيعة التيارين السياسيين المتنافسين على الحكم في إيران، سيكون مخطئا في تقديره لهما، حيث أنهما ليسا حزبين سياسيين، كما هو متعارف في عالم السياسة الدولية، هما فقط توجّهان سياسيان يحملان مبادئ الثورة الإسلامية بنسب متفاوتة، مع رجاحة الأصوليين أو المحافظين كما يحلو للبعض تسميتهم به، لأنه من لا يؤمن بمبادئ الثورة الإسلامية، لا يمكن أن تقع تزكيته من طرف لجنة قبول طلبات الترشح.
الفارقة التي عُرِف بها التيار الإصلاحي، تمثلت في كونه متساهل في تصديق وعود الغرب، ومستعد في سياساته لقبول حوار معه، وتقديم تنازلات له على أمل تحصيل نتيجة منه، وهذا التيار بزعمائه مدركون تماما أن دول الغرب - وقد عاشوا مع شعبهم مؤامراته الخطيرة ضدهم - أنهم أعداء للنظام الإسلامي بلا شك، وقد أجمعوا على الكيد له، وأسمى هدفهم إسقاطه من الداخل إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا - اختلاق فوضى وزرع فتن بواسطة جواسيسهم - ولم تهدأ محاولاتهم من أجل تحقيق ذلك الهدف، وقادة الغرب من دهاة ساسة العالم، ولا تنقصهم أساليبهم الخبيثة في ذلك المجال.
ما يدعونا إلى التساؤل اليوم، بعد صدور النتائج الأولية، كيف تحقق هذا الفارق الكبير بين المرشحيْن في الدور الثاني من الإنتخابات؟ وكان الجميع تقريبا يتوقّع ترشح جليلي، بإضافة الأصوات التي حصل عليها قاليباف في الدورة الأولى؟ هذا الإحتساب تحضّر له الإصلاحيون وحركوا آلة دعاياتهم، وتمكنوا من الحصول على ضعفي الأصوات التي أعطيت لقاليباف، ما أتاح لمرشحهم للفوز بفارق كبير، بلغ ثلاثة ملايين صوت ونصف مليون صوت تقريبا.
ما حصل في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة يجب أن يعتبر منه التيار الأصولي، ويراجع بعده حساباته، قبل أن يصبح مصدر نتدّر من تندّر به كمحمد جواد ظريف، من خلال الفوز الكبير الذي حقّقه تياره، المخاض السياسي في إيران متواصل، لا يمكن التنبؤ بما سيلد من قيادات خدميّة تنفيذية للشعب الإيراني، وما حصل اليوم يمكن أن يتكرّر غدا، وقد يكون دائما في صالح التيار الإصلاحي، إذا لم يتدارك المحافظون أمورهم ويتلافوا نقائصهم، تمتين العلاقة بالشعب وبالأجيال الشابة التي لم تحضر زمن الثورة الاسلامية، تقريب مفاهيمها وتقديمها في شكل ثقافة، يستوعبها الشباب بسهولة ودون تعقيد، وبتلقائية دون فرض، تقريب الشباب الإيراني من مكتسبات آبائه، الذين ثاروا من أجل حريته ومستقبله وسلامة دينه، يجب أن تكون أولوية من أجل ثقافة متاحة ومستمرّة للأجيال الإيرانية، ومعالجة ظاهرة الإصلاح هذا التيّار الذي لا يمكن اتهامه بالتخوين، قبل معالجة بعض الإخلالات الطارئة، وسوء الفهم الذي تركه محسوبون على التيار المحافظ، سلامة التيارين من سلامة الأوضاع الداخلية في ايران، وخط أحمر أن يستغل أحد أي تيار منهما، ليسيء للسياسة العامة الداخلية والخارجية الإيرانية، المتلزمة دوما لمبادئ الإمام الخميني وثورته المباركة.
انقضت الدورة 14 لاختيار رئيس جمهورية في إيران خلال 45 عاما بدلالتها، الهامّة والنّادرة على سلامة النظام الاسلامي، والتداول الفريد من نوعه على السلطة في ايران ما يفنّد دعاوى الغرب في اتهام النظام الإسلامي بتسلّطه على شعبه، وهذا دليل آخر يثبت شعبيّة نظام ما كان له أن يستمرّ لولا حاضنته الشعبية ورعاية الله له، وهو يكافح الأعداء المتربصين له بمؤامراتهم، بقدر أطماع الغرب في ثني ايران عن بلوغ أهدافها، بقدر عزم النظام الإسلامي على المضي في تنفيذ مشاريعه.
المكان الذي اختاره الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان، وهو مصلى الإمام الخميني، وقراءته لكلمات الشكر والامتنان التي وجهها الامام الخامنئي للشعب الإيراني، على استجابته له في الاقبال بكثافة على مراكز الاقتراع والادلاء بأصوتهم، واعلانه بأنّه لا ينتمي إلى ايّ تيار أو حزب سياسي لها جميعا دلالات تؤكّد أن الرئيس الجديد يريد أن يمارس وظيفته في أجواء مريحة دون حسابات مسبقة من أيّ طرف قد ينسبه إلى جهة أو تيار، هنيئا لإيران بهذا العرس الديمقراطي الذي يعتبر نموذجا جدير بالتأمّل، وهذا النصر الانتخابي الكبير، الذي أسقط جميع ادعاءات الغرب، ووضعه موضع الكاذب بحق إيران.
المراجع
1 – انتخابات الرئاسة في إيران.. بيزشكيان وجليلي الى جولة إعادة الجمعة
https://asharq.com/politics/92442
2 – النتائج النهائية للإنتخابات الإيرانية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat