سقوط أقنعة دول الغرب المزيّفة
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

ليس عجبا أن يصطفّ الغرب بدوله إلى جانب الكيان الصهيوني، فتاريخه القديم والجديد لأخبرنا بأنه منظومة عنصرية غير محترمة، مهما رفعت من شعارات دعوات حقوق الانسان، وتبقى دائما عاملة خلاف ما تبديه من سياسات، غالبة عليها الدعاية والمظهرية الزائفة، هذا الغرب الذي كان السبب في استعمار بلداننا ردحا من الزمن، لم يكتفي بذلك الحيّز، ليستمرّ في استغلال مواردنا الطبيعية، ويواصل التحكّم في سياسات دولنا، خصوصا تلك التي انتصب عليها عملاؤه التغريبيون، يأتمرون بأمر أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، ولو كانت تلك الأوامر على حساب ديننا وأوطاننا.
دول الغرب هذه لا تعترف بشيء من حقّ الشعب الفلسطيني، لا الأرض أرضه ولا سكانها أصحابها، كأنّهم أجراءُ بلا عقود قانونية، ووجب الإعتداء عليهم كمغتصبين ومخالفين للقوانين الدّولية، وقواميسهم السياسية لفظت تماما، حقّ هذا الشّعب في مقاومة مغتصب أرضه وحقوقه، ونسبته إلى الإرهاب، متجاهلة دورها في التشجيع على هجرة المتطرفين اليهود إلى فلسطين، ومنهم تكوّنت عصابات الهاجاناه(1)، لتصبح بعد ذلك نواة تأسيس كيان، هو بنظر كل عاقل من أسوأ ما عرفته البشرية، من الجماعات المتطرّفة دينيا وسلوكيا.
لقد كان الهدف الرئيس من تجميع قطعان الحالمين بأرض الميعاد على أرض فلسطين، دقّ اسفين شرّ في قلب الأمة الإسلامية، وهو بلا ادنى شك استباق لعرقلة الوعد الإلهي في ظهور الإسلام على بقية الأديان، وهيمنته على كامل شعوب الأرض، إيمانا به وتصديقا، وترك ما دونه من العقائد والأديان المُحرّفة، وقد ثبت لمن اعتنقها فسادها، لأجل هذه الأسباب نجد دول الغرب متشبثة بقوّة في بقاء الكيان الصهيوني مهيمنا على فلسطين، ومادّا عروقه الخبيثة إلى دول الجوار، بعنوان التطبيع من أجل التعايش السلمي.
ما اصطفاف دول الاتحاد الأوروبي المانيا وفرنسا وإيطاليا، مع أمريكا وبريطانيا إلى جانب الكيان الصهيوني – على معرفتهم به - أنّه كيان غاصب، فاقد لأدنى مقوّم شرعي لوجوده على أرض فلسطين، والتاريخ الغابر الذي رفعوه دعوى تمسكوا بها، ليس مستندا يُعْتَدّ به قانونيا في تاريخنا المعاصر، والفلسطينيون هم أقدم وجودا من مملكة سليمان عليه السلام، وما كان سليمان يهوديا بل كان حنيفا مسلما، كما نصّ القرآن على أبراهيم عليه السلام وعقبه الذي جاء من بعده، وبطلان دعوى أن فلسطين هي ارض ميعاد اليهود أظهر من أن تكون وعدا إلهيّا لم يثبت له أصل.
لم يقع هجوم طوفان القدس من طرف حركات المقاومة الإسلامية، إلا دفاعا عن فلسطين والقدس ومقدّسات المسلمين، ولم يكن بدافع آخر، كيأس من رفع الحصار المطبق الذي تنفّذه قوات الكيان الصهيوني الغاصب، وهو دافع شرعي بحد ذاته، يهدف إلى كسر الحصار ورفع معاناته عن سكان غزة التي تعتبر من أكبر المناطق كثافة سكانية في العالم، فهي في واقعها الحالي سجن كبير، لا يمكن العيش فيه إلّا بمعاناة شديدة، والعالم بأسره يشاهد ذلك ويتغاضى عنه، رغم انّه مخالف للأعراف الدّولية.
دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم - وهو دفاع قانوني شرعي - رأته دول الغرب بعين المتواطئ مع الكيان الصهيوني إرهابا، فقد جاء تنديد ألمانيا بطوفان القدس، على أساس أنها هجمات إرهابية، وإعلان تضامناها مع كيان إسرائيل، في مشروعية دفاعه عن نفسه، وإعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي (جوزيب بوريل) أن الاتحاد يدين "بشكل لا لبس فيه" هجمات حماس ويعرب عن "تضامنه مع إسرائيل". وقال: "إننا نتابع الأخبار الواردة من إسرائيل بقلق. وندين بشكل لا لبس فيه هجمات حماس. ويجب أن يتوقف هذا العنف المروع على الفور. فالإرهاب والعنف لا يحلان شيئا". مضيفا أن "الاتحاد الأوروبي يعرب عن تضامنه مع إسرائيل في هذه الأوقات الصعبة".
ولم يختلف موقف فرنسا عن موقف ألمانيا والاتحاد الأوروبي، فجاء مدينا بحزم شديد الهجمات الإرهابية الجارية ضد إسرائيل وشعبها" بعد إطلاق آلاف الصواريخ من قطاع غزة وعمليات التسلل الى إسرائيل، على ما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية. وأعربت الوزارة عن "تضامنها التام مع إسرائيل وضحايا هذه الهجمات وأعادت تأكيد رفضها المطلق للإرهاب وتمسكها بأمن إسرائيل". كذلك، أعلنت الحكومة الإيطالية في بيان لها "دعمها حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها" بوجه "الهجوم الوحشي" عليها، ردا على العملية التي تنفذها حركة حماس بالصواريخ وعمليات التسلل في اتجاه الأراضي الإسرائيلية.وقال البيان إن روما "تدين بأشد الحزم الترهيب والعنف الجاريين بحق مدنيين أبرياء"، مؤكدا أن "الترهيب لن يغلب أبدا. إننا ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".(2)
إن سألت عن الدافع الذي ألجأ هذا الغرب على توخّي طريق مناصرة كيان عنصري غاصب - مع تمام إدراكهم وقناعتهم بأنه بتلك الشاكلة الخبيثة - فسيكون الجواب قطعا بأنّ هناك قاسما مشتركا بينهما، وهو النزعة العنصرية والإستعمارية المتغلغلة في عقول ساستهم، ولا أعتقد أن سياسيا غربيا بإمكانه أن يرتقي سدّة الحكم، في بلد من بلدان الغرب، دون أن يكون ملقّحا بلقاح عنصري، يجعله دائما واقفا مع قناعاته التمييزية، ولو كانت بعيدة عن الحقيقة والواقع.
صهينة دول الغرب مظهر وجوهر لا شكّ فيه من خلال ما تبيّن من معاملاتهم، وصناعتهم لهذه الغدّة السرطانية( إسرائيل)، وزرعها في قلب عالمنا الإسلامي، تنفيذا لمخطط الشرق الأوسط الجديد، وهو شامل حتى لدول المغرب العربي، في السيطرة عليها سياسيا واقتصاديا، والتحكم فيها بنشر ثقافة غربية هجينة متفسّخة، بديلة عن الإسلام وقيمه العليا.
هذه الدول تريد أن يبقى وضع الفلسطينيين - وهم أصحاب الأرض الحقيقيين – قائما كما خطط له الكيان الصهيوني في عزل وحصار غزة وبناء جدار الميز العنصري حول مستوطنات أقامها تأمينا لها من أيّ هجوم، مع مواصلة سياسة قضم ما بقي من الأرض الفلسطينية 22%، وطرد وتهجير أهلها كما فعلوا مرارا وتكرارا في السابق، لبناء مستوطنات جديدة عليها، لتكون بقية ما بقي من الأرض الفلسطينية مجرّد سجون متفرّقة، يعيش عليها الفلسطينيون بلا أدنى مقومات العيش، وتبقى السلطة الفلسطينية أداة عمالة وتعاون أمني لفائدة الكيان الغاصب، لقد سقطت جميع أقنعة الغرب المزيّفة، وظهر وجهه الحقيقي وحش بشع، رغم دعاويه الكاذبة في الحرية وحقوق الإنسان.
المراجع
1 – هاجاناه https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – كيف تفاعلت الدول الغربية مع الهجوم على إسرائيل
https://arabic.rt.com/world/1501340-
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat