لم يكن ظهور شخصية النبي صلى الله عليه وآله بصفاتها وإمتيازاتها العظيمة التي لا تختلف عليها الأرض مع السماء نتيجةً طبيعية لمجتمع مكة وطبيعة أهلها وقبائلها ومحيطها وجوّها العام .. فشخصيّته مختلفة تمام الاختلاف عن مخرجات البيئة التربوية السائدة وقتها .. فهي طفرة واضحة في بيئتها الاجتماعية .
وهذا ما يُصّدق عقيدة أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بأنّ النبي نبي ومعصوم من الولادة ، وأنه بعين الله ورعايته قبل البعثة ( أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ ، وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ ، وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ ) وبعد البعثة ( وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَا ) ، فهو صنع الله وهو القائل ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ، وعنه ( أنا أديب الله وعلي أديبي ) .
وما يؤيد هذه الحقيقة تأريخياً هو رفضه من قِبل أهل مكة ونبذهم إياه ، لأنه مختلف عنهم في كل شيء ، لا ينتمي لعقائدهم ولا يلتقي مع توجهاتهم ولا تجذبهُ اهوائهم أو يستسيغ مذاقهم العام ولا الخاص .. الأمر الذي أضطره الى الهجرة واللجوء الى مجتمع المدينة الذي كان أكثر تقبّلاً لهذه الشخصية العظيمة ،حيث استفاد المجتمع المدني من الفترة التي قضاها رسول الله في مكة ليغيّر ما بنفسه ويبذر البذرة الصالحة تلك التي سقاها رسول الله بوصوله اليها حتى باتت شجرة الإسلام يلوذ بظلّها الشرق والغرب ..
فهنا تتوقف أكثر قوانين علم الاجتماع وتقف التجارب البشرية عاجزة عن تفسير ظاهرة النبوّة بما تحمله من حضارة بشرية ، أخلاقية وروحية عالية المستوى في مجتمعات تعيش في هذا الجانب مستويات متدنية وبدرجة الحضيض ، أمثال مجتمع مكة ومصر عندما كان يحكمه الفراعنة وأخرج من بينهم نبي الله موسى ؏ ومجتمع نبي الله ابراهيم ؏ حيث يحكمهم النمرود .. الخ ، والتفسير الوحيد لذلك هو الإيمان بالله والرسل ( وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ) النحل ٣٦
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat