الفكر العقائدي عند الشيخ محمد جواد البلاغي
د . تقى محمود السعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لكل عالم من العلماء الأفاضل سيرة ذاتية وسيرة موضوعية، والنهج المتعارف عليه ذكر السيرة الذاتية لتكون المدخل إلى عوالم الموضوع، والكتابة عن الشيخ محمد جواد البلاغي، وهو من العلماء المجاهدين الذين ساهموا في ثورة استقلال العراق. 
تكشف لنا مساعي الدراسة في الحوزة العلمية التي لا تقف عند حدود العلوم الإسلامية وحدها، فالعلامة البلاغي اطلع على العلوم الحديثة الرياضيات وبعض النظريات الفيزيائية والكيمائية، وما يتعلق بالنجوم وعلم الهيئة ليمكنه ذلك من الاستشهاد بنظريات علمية في كتبه ومباحثه وحواراته مع الشباب المثقف بثقافة عصرية. 
وهذا يدل على أن أساتذة الحوزة يسعون دائما للتطور سعيا للتوسع المعرفي عبر العلوم المعاصرة. 
ودرس الشيخ البلاغي النظريات الإلحادية لدارون وشبلي شميل ودرس أيضا كتب الفرق الضالة، وكان يتقن اللغة الإنكليزية واللغة العبرية واللغة التركية علاوة على العربية. 
دراسات كثيرة سلطت الأضواء على الظرف السياسي والاجتماعي الذي عاصره الشيخ البلاغي ومؤشرات العصر على نشأته المعرفية الفكرية، سمات عصره تمثلت بتراكم عوامل انحلال الدولة العثمانية وسقوطها عام 1918م وسيطرة الاستعمار الإنكليزي، وشهد عصره نشاط الحركات الاستشراقية والنشاط التبشيري وخطورة ما يقدمه أولئك المستشرقون، وتأثيرهم على الحركة الفكرية، وفي دراسة حياة العلامة البلاغي الأسرية، يقول السيد محسن الأمين في معرض ترجمته للبلاغي، وآل البلاغي بيت علم وأدب وهم عراقيون ينسبون إلى آل ربيعة، يقول الشيخ آغا بزرك الطهراني:  
ـ أنجبت هذه الأسرة عدة من رجال العلم والدين، وكتب الشيخ محمد الحسون: 
ـ كان لهذه الأسرة الأثر البالغ في تقدم النجف العلمي، الشيخ جعفر محبوبة تحدث عن مؤلفاته التي ترجمت إلى كثير من اللغات، ومن الشهادات المبدعة بحقه يقول الأستاذ علي الخاقاني: 
ـ لو لم يكن للشيخ البلاغي إلا كتابة الرحلة المدرسية لكفاه فخرا. 
قسم لنا الباحث الشيخ محمد الحسون حياة الشيخ البلاغي إلى ست مراحل حسب الأماكن التي تواجد فيها.  
المرحلة الأولى...... 
مدينة النجف ولا وجود لمعلومات كافية عن حياته، التي يفترض أن يكون تعلم فيها أوليات العلوم الإسلامية، في الحوزة العلمية ودرس المقدمات  
المرحلة الثانية...... 
الكاظمية هذه الرحلة استمرت ست سنوات ويبدو أنه تعلم العبرية في هذه المرحلة، يقول الشيخ عباس القمي، تعلم اللغة العبرانية لاختلاطه باليهود في بغداد. 
المرحلة الثالثة ...... 
النجف، واستمرت هذه المرحلة أثنى عشر سنة، ثم هاجر إلى سامراء. 
المرحلة الرابعة...... 
مدينة سامراء، والهدف من هجرته هو حضور محاضرات الميرزا محمد تقي الشيرازي، لم يترك درسه طيلة عشر سنوات التي استقر بها في سامراء.  
يقودنا التأمل إلى أن العلماء الذين بوزن البلاغي يسعون العمر كله طلاب علم ولم يتصرفوا كأساتذة، وهذا هو تواضع العلماء لذلك نجده لم يكتف بما يملك من علم ويثابر نحو كسب المزيد وامتلاكه بروح المصابرة عشر سنوات عند معلم واحد وهو الذي تخرج عنده عشرات العلماء، لقد ثابر من أجل العلم والمعرفة فهو أثناء دراسته عند محمد تقي الشيرازي كان يقوم بتأليف الكتب والرسائل وأنجز في هذه الفترة كتاب الهدى إلى دين المصطفى وكتاب التوحيد والتثليث، وداعي الإسلام وداعي النصارى ويرد على جرجيس سايل وهاشم العربي، يذكر الشيخ جعفر النقدي في كتابه (الروض النضير) إلى أنه ألف الكثير من الكتب وهو في سامراء ونظم الشعر في هذه المرحلة. 
المرحلة الخامسة...... 
عاد إلى الكاظمية ولم يزاول في هذه المرحلة أي نشاط سوى دوره في استنهاض الهمم ضد الاستعمار الانكليزي  
المرحلة السادسة...... 
عودته الى النجف - أربع عشرة سنة بعد عودته إلى النجف وقد بلغ مرتبة عالية، استقل بالدرس وألف عددا كبيرا من كتبه ورسائله.  
الحديث طويل وما قالوا عنه وما كتبوا لا يمكن حصره في موضوع عابر لذلك نأخذ ما ينفع رحلتنا معه لنخرج بأفضل ما يمكن أن يفيد أهل الأدب والعلم والدين تحدثوا عن تواضعه الكبير وصل حد نكران ذاته، هذه الصفات أشاروا إليه الأدباء والعلماء المسلمين والقساوسة والحاخامات، وكان لا يكلف إنسانا بمساعدته. 
والثاني عدم اهتمامه بالدنيا وزخارفها وعزوبه عنها فهو يدرك معنى الخلود ويسعى اليها، وينشر كتبه ورسائله بأسماء مستعارة وكان سماحة الشيخ البلاغي يتقبل النقد ويستمع إلى الذين يخالفونه في وجهة نظره،  
وكتب عن مشاهداته التي تتعلق بخلق الإنسان والحيوان، وبعض الآثار الطبيعية وغيرها. 
المشاهدة الأولى.. كانت عن الرواسب الطينية التي أحدثتها الفيضانات في العراق وما شاهده في بحيرة النجف من عمي الأسماك الكبيرة وفقد حواسها ثم موتها. 
المشاهدة الثانية.. مشاهدة عن تأثير العوامل البيئية في طبائع الإنسان وصفاته الظاهرية.  
 المشاهدة الثالثة.. علاقة الشاة بجنينها وسعي الجنين لمعرفة
أمه، ومشاهدات أخرى. 
الشيخ البلاغي يدرس عوامل السيول والطوفان والفلاحة وطبقات الأرض ليصل إلى نتيجة تعظيم إرادة الله واجب الوجوب العليم الحكيم.

الموضوع السابق الإمام زين العابدين "عليه السلام" وإكمال المسيرة

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat