صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفاف الانتظار(26)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لماذا الخوف من الإمام (عليه السلام) لا من الله (عزّ وجل)؟
يتساءل البعض –وربما يُشكل- علينا بأنّكم تخافون أنْ تفعلوا الذنب؛ لأنّكم تعتقدون أنَّ الإمام المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) مُطلِعٌ على أعمالكم، ومن ثَمّ تخافون منه، فلا تفعلون الذنب.
أوَ لم يكنِ الأولى، بل الصحيح أنْ يكونَ الخوفُ من الله (تعالى)؟
أليس هذا وجهًا آخر من وجوه الشركِ بالله (تعالى)؟
في الجواب نقول:
نحن نؤمن بأنَّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) مُطّلِعون على أعمال العباد، لما لهم من منزلةٍ عظيمةٍ عند الله (تعالى)، الأمر الذي أوضحته الروايات الشريفة، والتي منها ما روي عن سماعة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لرجل: مالكم تسوؤون برسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال له الرجل: جعلت فداك وكيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أنّ أعمالكم تُعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية لله ساءه ذلك، فلا تسوؤوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وسرّوه.
ولكنَّ عدمَ فعل الذنب خوفًا من الإمام (عجل الله (تعالى) فرجه) لا يلازم الشرك بالله (تعالى)، وذلك للأسباب التالية:
أولًا: أنَّ الخوف من الإمام أو أي إنسانٍ آخر لا يلزم منه الشرك بالله (تعالى)، بل هو يرجع في إحدى تجلياته إلى مسألةٍ طبيعيةٍ مفطورٍ عليها الإنسان، ترجع في أعماقها إلى الخجل، أو إلى الخوف الاجتماعي، أو ما شابه، تمامًا كما يخاف الولد من فعل الأمور القبيحة أمام أبيه مثلًا، أو يخاف التلميذ من الغش أمام الأستاذ، فهل يُعدُّ هذا شركًا بالله (تعالى)؟
فماذا لو كنّا نستحيي من الإمام المعصوم (عليه السلام) فلا نفعل الذنب؛ لاعتقادنا بأنَّ أعمالنا ستُعرضُ عليه، ومن ثَمّ سنقع في حرجٍ معه صلوات الله عليه!
هل يُعدُّ هذا شركاً؟!
ثانيًا: أنّ الابتعاد عن فعل الذنوب حسنٌ على كل حال، فالله (تعالى) بلطفه يريد من الإنسان أنْ يبتعد عن الذنب، سواء أكان بدافع الحصول على الجنة مثلًا، أم بدافع التخلُّص من عذاب جهنم، أم بدافع الحب لله (تعالى) فقط، أم الخوف من الفضيحة أمام الناس، أم الخوف من السقوط الاجتماعي في أعينهم، من ثَمّ، فإن الإنسان إذا ابتعد عن الذنب كانت النتيجة إيجابيةً عند الله (تعالى)، فما المانع أنْ يكون عملنا صحيحًا إذا كان ابتعادنا عن الذنب استحياءً من المعصوم الذي يطّلع على أعمالنا.
ثالثًا: وهو الجواب الأهم: أنَّ خوفنا من الإمام المعصوم (عليه السلام) ليس شيئًا آخر وراء الخوف من الله (تعالى)، وهو مرتبةٌ من مراتب الخوف من الله (تعالى)، ذلك أنَّ الله (تعالى) أمَر بطاعة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ممّا يعني أنّ طاعتهم هي تجلٍ لطاعته (تعالى)؛ لأنّها إنّما وجبت علينا بأمر الله (تعالى)، ومن ثَمّ فقد نهى الله (تعالى) عن معصيته وعن معصيتهم (عليهم السلام)، فتكون معصيتهم معصية لله (تعالى)؛ لأنّها تجلٍ لمعصيته (تعالى)، وهذا ما تؤكده النصوص الدينية.
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري: لما أنزل الله (عزّ وجل) على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلى الله عليه وآله): هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين (من) بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّي وكنيّي حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله (تعالى ذكره) على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان...
وفي روايةٍ أخرى أوضح دلالة، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):... أيُّها الناس، إنَّ عليًا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم... من أنكره فقد أنكرني، ومن أنكرني فقد أنكر الله (عزّ وجل)، ومن أقرّ بإمامته فقد أقرّ بنبوتي، ومن أقرّ بنبوتي فقد أقرّ بوحدانية الله (عزّ وجل).
أيُّها الناس، من عصى عليًا فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله (عزّ وجل)، ومن أطاعَ عليًا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله...
وهذا الأمر يرجع في الحقيقة إلى ترجمة عصمتهم (عليهم السلام)، فكونهم معصومين يعني أنهم لا يأمرون إلا بما يرضاه الله (تعالى)، ولا ينهون إلا عما يُغضب الله (تعالى)، فيكون الخوف منهم في الحقيقة هو خوفًا من الله (تعالى)، ولا إشكال حينها في عدم فعل المعصية خوفًا منهم، لأنَّ هذا الخوف لا يتعارض مع الخوف من الله (تعالى).
إذن، لا مانع من الابتعاد عن الذنوب خوفًا من الإمام (عليه السلام)؛ إذ إن الله (تعالى) قد أمرنا بطاعته؛ لأنها تؤدّي إلى طاعته (تعالى)، ومن ثَمّ لا تكون معصيته إلا معصية لله (تعالى) لا شيئًا آخر وراء ذلك.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/12



كتابة تعليق لموضوع : على ضفاف الانتظار(26)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net