على ضفاف الانتظار (112)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

من هو الحاكم عند الرجعة؟
من العقائدِ التي دلّتْ عليها الكثيرُ من النصوصِ الدينيةِ هي عقيدةُ الرجعة –على خِلافٍ في سعتها وضيقها بعد تسليمِ إمكانها-، والتي تعني باختصار: رجوع بعضِ الأمواتِ إلى عالمِ الدُنيا زمنَ الظهورِ المُقدّس، ثم موتهم مرّةً أخرى بعد فترةٍ من الزمنِ في علمِ اللهِ (تعالى).
من جهةٍ أخرى، فقد دلّتِ النصوصُ على رجعةِ الأئمةِ، وخصوصًا الإمام الحسين حيث دلّتْ نصوصٌ عديدةٌ على ذلك ، وإنَّ رجعتَه ستكونُ والإمامُ المهدي موجودٌ آنذاك، وقد يتساءلُ بعضُ المؤمنين: من سيكونُ الحاكمُ حينها؟
هل الإمامُ المهدي أو الإمامُ الحسينُ؟
وعلى الأول: ألا يستلزمُ من ذلك أنْ يكونَ أفضلَ من الإمامِ الحسين، أو تقديم المفضول على الافضل؟
الجواب:
أولًا: إنَّ هذا الأمرَ هو من خصائصِ يومِ الظهور التي لا نملكُ فيها إلا النصوصَ الروائية، والذي يظهرُ من بعضها أنَّ الحاكمَ هو المهديُ إلى أنْ تحينَ وفاتُه، فيحكم بعدَه الإمامُ الحُسينُ، من قبيل ما رويَ عن أبي عبدِ اللهِ في تفسيرِ قوله (تعالى)ٰ: ﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ ، قال: «خروجُ الحسين في سبعين من أصحابه...، والحُجَّةُ القائمُ بينَ أظهرهم، فإذا استقرَّتِ المعرفةُ في قلوبِ المؤمنين أنَّه الحسينُ جاءَ الحُجَّةَ الموتُ، فيكون الذي يُغسِّله ويُكفِّنه ويُحنِّطه ويلحده في حفرته الحُسين بن عليٍّ، ولا يلي الوصيَّ إلَّا الوصيُّ» .
ثانيًا: إنَّ كونَ المهدي هو الحاكمَ، لا يعني أنّه سيكونُ أفضلَ من الإمامِ الحسين، وذلك لأجل:
أ- تصريح الرواياتِ بأنَّ الإمامَ الحسينَ أفضلُ ممّا عدا أهل الكساء من قبيل ما رويَ عن الرسولِ الأعظمِ: «الحسنُ والحُسينُ سيّدا شبابِ أهلِ الجنة، وأبوهما خيرٌ منهما».
وفي روايةٍ أخرى عنه: «الحسنُ والحُسينُ خيرُ أهلِ الأرضِ بعدي وبعد أبيهما، وأمُّهما أفضلُ نساءِ أهلِ الأرض».
فإنَّ هذا يستلزمُ أنْ يكونَ الإمامُ الحُسينُ أفضلَ من الإمامِ المهدي .
ب- لو كانَ الحكمُ يستلزمُ أفضلية، للزمَ أنْ يكونَ الأمويون والعباسيون أفضلَ من أهلِ البيتِ؛ لأنّهم حكموا الدولةَ دونَ أهلِ البيت، ومن الواضحِ أنَّ هذا محال.
ج- إنَّ الحكمَ ليس من ذاتياتِ الإمامة، وإنّما هو منصبٌ مناسبٌ للمعصوم، فالعقلُ يحكمُ بأنَّ المعصومَ هو الأليقُ بالحكم، لأنه الرجل الذي اختاره اللهُ (تعالى) ليكونَ حُجّةً على العباد، وهو المعصومُ صاحبُ العلمِ اللدني والولاية التكوينية.
ولذلك لم يكُنْ هدفُ أهلِ البيتِ الأولُ هو الحكم، ولم يكُنْ للحكمِ قيمةٌ عُليا في مشروعِهم وإنّما كانَ همُّهم الأولُ هي هدايةَ الناسِ ودوامَ الإسلام، ولذا قالَ أميرُ المؤمنين عندما عزموا على بيعةِ عثمان: «لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي، ووَاللهِ لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً، الْتِمَاسًا لأَجْرِ ذَلِكَ وفَضْلِه، وزُهْدًا فِيمَا تَنَافَسْتُمُوه مِنْ زُخْرُفِه وزِبْرِجِه».
وقالَ عَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسِ (رَضِيَ الله عَنْه): دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذِي قَارٍ، وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَه، فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لَا قِيمَةَ لَهَا. فَقَالَ: واللهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقًّا أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا.
مع مُلاحظة: أنَّ هذا لا يعني أنّهم لم يهتمّوا بالحكم، كلا، وإنّما اهتمّوا به بالقدرِ المُتاحِ لهم، وبالقدرِ الذي لا يستلزمُ خسارةَ الآخرة، أو التنازُلَ عن المبادئِ الإلهية، والشاهدُ على ذلك الخطاباتُ الكثيرةُ الصادرةُ عنهم الدالّةُ على أنّهم أحقُّ بالأمرِ، كما هو صريحُ الخُطبةِ الشقشقية، حيثُ قالَ أميرُ المؤمنين: «أَمَا واللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وإِنَّه لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ولَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ...» .
وعلى كُلِّ حال، فمنصبُ الحُكمِ السياسي للدولةِ ومسكُ أمورِ إدارتِها هو منصبٌ كمالي لا ذاتي، ومن ثمّ لو سُلِبَ منه لم يؤثِّرْ على حُجّيته، كما حصلَ في الأنبياء.
ومعه، فلو قُلنا: إنَّ الحاكمَ هو المهديُّ، فهذا لا يلزمُ منه أفضليته على الإمامِ الحُسين مثلًا، ولا يلزمُ منه نسبةُ أيّ نقصٍ (والعياذُ بالله) للإمامِ الحُسينِ.
ثالثًا: لا فرقَ في أيٍّ منهما يحكمُ الأرض، إذ إنّهما لا يختلفانِ لمكان عصمتهما، بل لو اجتمعَ كُلُّ الأنبياء والمعصومين في حكمِ دولةٍ معنية لما حصلَ هناك أيُّ اختلافٍ؛ لأنّهم يحكمونَ بالواقع.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat