على ضفاف الانتظار (13)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

الصحيفةُ المختومة
تؤكِّدُ النصوصُ الدينيةُ الكثيرةُ على أنَّ لأهلِ البيت (عليهم السلام) من العلم ما ينكشفُ لهم معه الواقعُ كما هو، ولذا فلا تجدُ خطأً لهم في حكمٍ ولا في موقف، لأنّهم يرون الحقيقةَ بلا أي غبشٍ ولا خفاء، وهم بذلك حازوا أهمَّ مؤهلاتِ الإمامة الإلهية.
ومن تلك النصوصِ ما روي عن إسحاق الحريري قال: كنتُ عند أبي عبدِ الله (عليه السلام) فسمعته وهو يقول: إنَّ لله عمودًا من نور، حجبَه اللهُ عن جميعِ الخلائق، طرفه عندَ الله، وطرفه الآخر في أُذنِ الإمام، فإذا أرادَ اللهُ شيئًا أوحاه في أُذنِ الامام.
فالروايةُ واضحةٌ في أنَّ علمَ الإمامِ علمٌ غيرُ عادي.
وقريبٌ من مضمونها ما رويَ عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنتُ جالسًا عنده فقال ابتداءً منه: يا صالح بن سهل، إنَّ اللهَ جعلَ بينه وبين الرسول رسولًا، ولم يجعلْ بينه وبين الإمامِ رسولًا. قال: قلت: وكيفَ ذاك؟ قال: جعلَ بينه وبين الامام عمودًا من نور، ينظرُ اللهُ به إلى الإمام، وينظرُ الإمامُ [به إليه] إذا أرادَ علمَ شيءٍ نظرَ في ذلك النور فعرفه.
هذا.
وقد ذكرتْ بعضُ النصوص المتعلقةُ بالقضيةِ المهدوية أنَّ هناك صحيفةً مختومةً تكونُ أحدَ مصادرِ علم الإمام (عليه السلام) فيما يتعلق بأصحابه، حيث تحوي معلوماتٍ تفصيليةً عن أصحابه، إذ روي عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) في سياقِ حديثه عن المهدي (عليه السلام): «...يجمعُ اللهُ (عز وجل) له من أقاصي البلاد على عددِ أهلِ بدرٍ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، معه صحيفةٌ مختومةٌ فيه عددُ أصحابه بأسمائهم، وأنسابهم، وبلدانهم، وصنائعهم، وكلامهم، وكناهم، كرارون، مُجدِّون في طاعته...»( ).
استطراد:
لقد جاءَ ذكرُ الصحيفةِ المختومة في موردين:
المورد الأول: ما تقدم.
المورد الثاني:
الصحيفةُ المختومةُ التي كانتْ تحوي ما يلزمُ كُلَّ واحدٍ من أئمةِ أهلِ البيت (عليهم السلام) العمل به حسب ظرفه الراهن، مما يعني أنَّ ما قامَ به أهلُ البيت (عليه السلام) -من قيامٍ أو قعود- كانَ وفقَ تخطيطٍ إلهيٍ مُمنهج.
فقد رويَ عن أبي عبد الله (عليه السلام): «دفعَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) صحيفةً مختومةً باثني عشر خاتمًا، وقال له : فُضَّ الأول واعملْ به، وادفعْ إلى الحسن (عليه السلام) يفضُّ الثاني ويعملُ به، ويدفعها إلى الحسين (عليه السلام) يفضُّ الثالثَ ويعملُ بما فيه، ثم إلى واحدٍ واحدٍ من ولد الحسين (عليه السلام)»( ).
هذا وقد دلّتِ العديدُ من الروايات على هذا المعنى، وأنَّ هناك كتابًا من الله (تعالى) للأئمةِ الاثني عشر (عليهم السلام) يُحدِّدُ (تعالى) فيه وظيفةَ كُلِّ واحدٍ منهم (عليهم السلام) ، وهي رواياتٌ لطيفةٌ جدًا تكشفُ عن العديدِ من الأدوارِ التي قامَ بها الأئمةُ (عليهم السلام) وحقيقةِ الأمر فيها.
ومن تلك الروايات: ما رويَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ:
إِنَّ اللَّه (عَزَّ وجَلَّ) أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّه (صلى الله عليه وآله) كِتَابًا قَبْلَ وَفَاتِه، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذِه وَصِيَّتُكَ إِلَى النُّجَبَةِ مِنْ أَهْلِكَ.
قَالَ (صلى الله عليه وآله): ومَا النُّجَبَةُ يَا جَبْرَئِيلُ؟
فَقَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ووُلْدُه (عليهم السلام)، وكَانَ عَلَى الْكِتَابِ خَوَاتِيمُ مِنْ ذَهَبٍ، فَدَفَعَه النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وأَمَرَه أَنْ يَفُكَّ خَاتَمًا مِنْه ويَعْمَلَ بِمَا فِيه، فَفَكَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) خَاتَمًا وعَمِلَ بِمَا فِيه.
ثُمَّ دَفَعَه إِلَى ابْنِه الْحَسَنِ (عليه السلام) فَفَكَّ خَاتَمًا وعَمِلَ بِمَا فِيه.
ثُمَّ دَفَعَه إِلَى الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَفَكَّ خَاتَمًا فَوَجَدَ فِيه: أَنِ اخْرُجْ بِقَوْمٍ إِلَى الشَّهَادَةِ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ، واشْرِ نَفْسَكَ لله (عَزَّ وجَلَّ)، فَفَعَلَ.
ثُمَّ دَفَعَه إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَفَكَّ خَاتَمًا فَوَجَدَ فِيه: أَنْ أَطْرِقْ واصْمُتْ، والْزَمْ مَنْزِلَكَ، واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ. فَفَعَلَ.
ثُمَّ دَفَعَه إِلَى ابْنِه مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَفَكَّ خَاتَمًا فَوَجَدَ فِيه: حَدِّثِ النَّاسَ وأَفْتِهِمْ، ولَا تَخَافَنَّ إِلَّا اللَّه (عَزَّ وجَلَّ)، فَإِنَّه لَا سَبِيلَ لأَحَدٍ عَلَيْكَ. فَفَعَلَ.
ثُمَّ دَفَعَه إِلَى ابْنِه جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَفَكَّ خَاتَمًا فَوَجَدَ فِيه: حَدِّثِ النَّاسَ وأَفْتِهِمْ وانْشُرْ عُلُومَ أَهْلِ بَيْتِكَ وصَدِّقْ آبَاءَكَ الصَّالِحِينَ، ولَا تَخَافَنَّ إِلَّا اللَّه (عَزَّ وجَلَّ)، وأَنْتَ فِي حِرْزٍ وأَمَانٍ، فَفَعَلَ.
ثُمَّ دَفَعَه إِلَى ابْنِه مُوسَى (عليه السلام)، وكَذَلِكَ يَدْفَعُه مُوسَى (عليه السلام)، إِلَى الَّذِي بَعْدَه، ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى قِيَامِ الْمَهْدِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْه).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat