صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

الامام الكاظم عليه السلام الساجد الصابر
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال الله جل جلاله "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة 45) يلقب الامام الكاظم عليه السلام بالصابر لأنه صبر على الآلام والخطوب التي تلقاها من حكام الجور، الذين قابلوه بجميع ألوان الإساءة والمكروه.

قال عز من قائل "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" (البقرة 131) لقب الامام الكاظم عليه السلام بالعبد الصالح لعبادته، واجتهاده في الطاعة، حتى صار مضرب المثل في عبادته على ممرّ العصور والأجيال وقد عرف بهذا اللقب عند رواة الحديث فكان الراوي عنه يقول: حدثني (العبد الصالح). بالنسبة للعبادات والطاعات تعتمد على النوعية وليست الكمية فمثلا قراءة القرآن المفروض ان تكون بوجل وتدبر "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" (الانفال 2). والله تعالى لا يطلب من النفس في العبادة اكثر من طاقتها ورحم الله عرف قدر نفسه. والعبادة لا تكون بشقاء وعناء فقط لغرض كمية كبيرة من العبادات بدون تدبر "طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى" (طه 1-2). فان عمل قصير مع فهم أفضل من عمل طويل بدون فهم. فيونس عليه السلام بدعاء مخلص خرج من القلب انقذه الله تعالى "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الانبياء 87). والدعاء عند الشدة من شخص فان الاستجابة تحصل لان الدعاء صادر من القلب "فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ" (العنكبوت 65). والله تعالى لا يطلب من النفس في العبادة اكثر من طاقتها ورحم الله عرف قدر نفسه. فالإمام الكاظم عليه السلام سجدة طالت أكثر من ساعة لأنه مؤهل لها بينما اخرين لا يقدرون على ذلك.

قال الله تبارك وتعالى "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ" (يوسف 33) ورد في الروايات مقارنة بين النبي يوسف والامام الكاظم عليهما السلام. فيوسف عليه السلام طلب من الله سبحانه أن يخلصه من مكر نساء مصر فاصبح السجن هو خلاصة منهن. ولم يهدأ في السجن فقد كان يدعوا السجناء الى دين الله. وذكرت الروايات أن سجنه قارب الثمان سنوات. وقد خرج مكرما من السجن بأمر من ملك مصر واصبح عزيز مصر. ولكن الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ظل في السجن نحو عشرين عاما زمن هارون العباسي وفي أماكن متفرقة في البصرة وبغداد لا يعرف ليله من نهاره وخاصة في سجن السندي وكان يقول خلال سجوده (الهي خلصني من بين يدي هارون). وكان خلال سجنه ساجدا صائما. وخلال سجوده كان يمد أحد رجليه لأنها كانت مكسورة أثر الضرب بمقامع الحديد، لذلك جاء (السلام على ذو الساق المرضوض). وكان هارون يرسل اليه الجواري في سجنه لاغرائه ولكنه لم ينغري كما حصل ليوسف عليه السلام. وقال الكاظم عليه السلام للجارية: أمة الله أعبدي الله حق عبادته واصبري على طاعته ليكون جزاؤك جنة عرضها السموات والأرض. وبعد ساعات أرسل هارون خلف السجان وقال له: الآن ادخل السجن وانظر ماذا يجري. فعاد السجان مهرولا إلى هارون ليخبره بأن الجارية ساجدة وتصلي خلف الأمام وهي تبكي وتناجي ربها أن يغفر لها بحرمة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام . حينها أمر هارون بإخراج الجارية من السجن وقال لها: أنا أرسلتك لإغواء وأغراء موسى بن جعفر أصبحت تصلين خلفه وتبكين وتناجين الله ..قالت الجارية مستشهدة بالاية المباركة "فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِى هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَآ" (طه 72). فأمر الرشيد بقتلها. وعلينا اتخاذ العبر من سجن الامام الكاظم عليه السلام الطويل وذلك بالصبر والتحمل امام اعمال الطواغيت وفي كل عصر قال الله عز من قائل "وكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" (يوسف 105) فصبر الكاظم عليه السلام آية من آيات الله علينا عدم الأعراض عند المرور عليها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/21



كتابة تعليق لموضوع : الامام الكاظم عليه السلام الساجد الصابر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net