انزل الله فيهم الولاية ، فدخلوا جحر الضبّ.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لم يكن الإسلام اول من طرح فكرة الولاية بعد النبوة، بل كانت الولاية هي جوهر العقيدة والنبوة وغايتها الكبرى ولعلها ذروة التخطيط الإلهي لسعادة الناس وتأمين مستقبلهم. وفي كل الأديان جرى ذلك، وتكون الولاية بناءا على طلب من النبي الذي لا ينطق عن الهوى فتكون الولاية ويكون شخصها الذي يُمثلها يحمل كل أعبائها ويتحلى بكل مواصفاة واخلاق وعلم النبي إلا الوحي.

ولكن للامام طرق اخرى يحصل فيها على العلم بعد رحيل النبي. فالنبي هو المعلّم والمربي الأول للإمام، ففي الأديان الأخرى فإن خلفاء الأنبياء وأوصيائهم من اسباط وحواريين ينزول عليهم الوحي كما يذكر لنا الكتاب المقدس ذلك عن خليفة موسى وعيسى عليهما السلام واسباطهم وحوارييهم، حيث كان الروح القدس ينزل على كل واحد منهم، ولربما بسبب انهم غير معصومين حسب رؤية الكتاب المقدس.

ففي التوراة ، فقد طلب موسى من الله أن يجعل له من ينوب عنه اذا غاب، فاستجاب له ربه كما نقرأ (كلم موسى الرب قائلا: ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة، يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم، لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها).(1) وهذا ما كان يفهمه صحابة رسول الله صلوات الله عليه وآله. فعندما اصيب عمر بن الخطاب واوشك على الموت ، قيل له : ( ألا تستخلف؟ فقال: وددتُ أني نجوتُ منها كفافا، لا لي ولا عليّ، لا اتحملها حيا ولا ميتا).(2) وفي رواية قال له ابنه عبد الله : اذا كان عندك راع لاغنامك ثم طلبته هل تترك الغنم من دون راع. فقال له : لا . فقال له اوص. طبعا كلاهما أوصى ، ابو بكر اوصى لعمر، وعمر اوصى لستة حشر معهم عليا. في رواية البخاري قال : (فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وبعد الرحمن وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء). بينما انكروا على رسول الله بأنه اوصى ، فقالوا ترك الامر هملا ولم يوص.

ودعوة النبي محمد صلوات الله عليه وآله هي نفسها دعوة موسى : (اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري، وأن تيسر لي أمري، وأن تحل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي، اشدد به أزري).(3)

نعود للنص فبعد ان طلب موسى من ربه أن يُعين خليفة بعده استجاب الله له : (فقال الِرب لموسى: خذ يشوع بن نون، رجلا فيه روح، وضع يدك عليه، وأوقفه قدام ألعازار الكاهن وقدام كل الجماعة، وأوصه أمام أعينهم. لكي يسمع له كل جماعة ففعل موسى كما أمره الرب. أخذ يشوع وأوقفه قدام ألعازار الكاهن وقدام كل الجماعة، ووضع يديه عليه وأوصاه كما تكلم الرب).(4) في هذا النص نفهم أن الله تعالى أمر موسى أن يقوم بتنصيب يشوع بن نون (يوشع) خليفة له أمام كل الناس علنا جهارا وخصوصا العازار الكاهن وصاحبه وهما من اشد الطامعين لخلافة موسى بعده وكانوا من اشد المبغضين والمضايقين ليوشع في حياة موسى. وسبب هذا البغض كما يُبينهُ لنا نص الكتاب المقدس فيقول : (كان يشوع بن نون رجل بأس في الحروب، خليفة موسى وكان عظيما شديد الانتقام على الأعداء ما أعظم مجده من قام نظيره من قبله؟ إن الرب نفسه دفع إليه الأعداء. ألم ترجع الشمس إلى الوراء على يده، وصار اليوم نحوا من يومين؟ كان يهزم الأعداء من كل جهة،وأن حربه أمام الرب، لأنه منقاد للقدير).(5)

هذه الاسباب هي نفسها التي حورب من اجلها علي ابن ابي طالب عليه السلام وادت إلى بغضه من قبل الطامعين لأنهم رأوه سدا منيعا بوجه اطماعهم وقد فضّلتهُ السماء من دونهم.وهذا ما اخبره به النبي صلوات الله عليه وآله عندما قال له : (ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك الا من بعدي ).(6)

وعلى ما يبدو فإن مسيرة تعيين أوصياء الأنبياء مرت بنفس الضروف في كل الأديان وهذه هي سنة الله في خلقه، فعندما بايع موسى ليوشع امام كل صحابته رافعا كفّ وصيّه تقبلوا ذلك ولم يعترضوا في حياته وبخبخوا له واعترفوا بأن يوشع اصبح ولي كل مؤمن ومؤمنة. وهذا ما تقوله التوراة : (ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة، إذ وضع موسى عليه يديه، فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الرب موسى).(7) ولكن بعد رحيل موسى ظهر ما كان خافيا من الأحقاد والإحنّ، وأول من انقضّ عليه هي (صافوراء) زوجة موسى فشنّت عليه حربا أودت بحياة الألوف.( ثم تتالت الحروب على يوشع فلم تعطه المجال لكي يقوم ببناء مشروع دولة العدل الإلهي وبناء الأمة كما اراد الله.

لقد كان رسول الله صلوات الله عليه وآله يوجه لصحابته التوبيخ تلو التوبيخ والاتهام تلو الاتهام ، وبعض هذه الاتهامات يرقى إلى مستوى الاهانة ولكنهم لم يرعووا ولم يختشوا ومن ذلك انه قال لهم : (لتتبعن سنن من كان قبلكم ، شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم . قلنا : يا رسول الله، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن).(9) وإلى هذا اليوم فإن نبوءة رسول الله تفعل فعلها العجيب في هذه الأمة فنرى المزيد من الارتماء بأحضان اليهود والنصارى من قبل الفئة التي تركت ولاية علي ابن ابي طالب عليه السلام العاصمة للأمة من الضلال.

كيف لا تكون ولاية علي وآل البيت عليهم السلام عاصمة للأمة من الضلال وهو القائل لهم (ص) : (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي).(10)

المصادر :

1- سفر العدد 27: 15 ــ 18.

2- صحيح البخاري عن بعد الله بن عمر حديث رقم 7218.وكذلك مسلم : 1823.

3- مناقب علي بن أبي طالب (ع) وما نزل من القرآن في علي (ع) ابن مردويه الصفحة ٢٧٧. ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى (ص ٦٣)، وأخرجه أحمد في المناقب. ورواه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي (ص 138، ح 37). قال: أخذ النبي ص الله عليه وآله وسلم) بيد علي بن أبي طالب ونحن بمكة وبيدي، وصلى أربع ركعات، ثم رفع يده إلى السماء فقال: ( اللهم إن موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري، وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري ). قال ابن عباس: فسمعت مناديا ينادي: يا محمد، قد أوتيت ما سألت.

4- سفر العدد 27: 15 ــ 21.

5- سفر يشوع بن سيراخ 46: 1ــ 8.

6- ابن عساكر - تاريخ دمشق - الجزء : 42 - رقم الصفحة : 323 / 324.و: ابن حجر العسقلاني - المطالب العالية كتاب المناقب - باب فضائل علي الجزء : 16 - رقم الصفحة : 101. وغيره من المصادر.

7- سفر التثنية 34: 9.

8- القرآن مدح صافوراء في حياة موسى فيما يتعلق بشرفها لأن نساء الانبياء مصونات ، وهو قولها (يا ابة استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين). وكذلك في الاسلام فإن نساء الأنبياء مصونات من الفاحشة ممدوحات بذلك ، ولكن السلوك يختلف، مثلا امرأة نوح ولوط صحيح انهما خانتاهما ولكن ليس من ناحية الشرف، بل الميل إلى قومهما. وهكذا كانت صافوراء حيث كانت ترى خلافة موسى بعد حريله في ابنائها وإذا بموسى يقوم بترشيح شخص بعيد عنها وعن ابنائها فوقفت بوجهه. فقد كانت صافوراء ترى ان يشوع (يوشع) مجرد خادم عند موسى قام موسى بتربيته منذ طفولته كما نقرأ في سفر العدد 11: 28 ( يشوع بن نون خادم موسى من حداثته). بينما ترى صافوراء ابنائها اولاد نبي واحفاد نبي.

9- رواه البخاري (3456) في كتاب الأنبياء، ومسلم (2669) في كتاب العلم.وقد حصل ذلك فعلا حيث أخبر الامام علي عليه السلام شبث بن ربعي والأشعث بن قيس الكندي وجرير بن عبدالله البجلي وعمرو بن حريث، قائلا لهم : تخلعوني وتبايعون الضبّ وتجعلونه إمامكم دوني وتحشرون يوم القيامة وإمامكم ضبّ، وهو قول الله عزّ وجلّ: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ.مسند الامام علي، السيد حسن القبانجي. ج3 : 9330.

10- سنن الترمذي / ج 5 / ص 663 /ح 3788 وصحيح الترمذي – للألباني / ج3/ص 227/ ح 2980. وفي حديث (قال واني سائلكم عن اثنين : عن القرآن، وعن عترتي). السيوطي الشافعي (إحياء الميت) بهامش الاتحاف بحب الاشراف ص 260.

الموضوع السابق الوعي المزدوج لدى أبناء المهاجرين.. الدنمارك نموذجاً

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat