من المعروف أن الغاية والهدف الذي تشكّلت من أجله الأحزاب السياسية المعاصرة هي لرفاهية الفرد، وتحقيق أمنياته وأحلامه الرغيدة في العيش السوي بكرامة ودعة، في مجتمع تسوده القوانين والمساواة، والتوزيع العادل للثروات والموارد، وتُطبق فيه الأنظمة على الجميع، ولا يأكل القويُّ منهم الضعيف.. ويكون دور المنظومة الدينية هي الرعاية الروحية الأبوية، وتوجيه النصح والإرشاد، وحماية الجميع من الانزلاق في متاهات التسلط والاستبداد، وليس من أولوياتها دخول معترك الأحزاب والتيارات السياسية؛ لكي لا يُفتح الباب على مصراعيه أمام استغلال المنطوق الديني برموزه وآياته وأحاديثه في الدعاية الانتخابية؛ وهذا الخلط قد يؤدي إلى الإرباك في المفاهيم الأيدلوجية للمواطن، وخلق حالة من القسرية تؤثر في قراراته، وتجعله مقيّداً بلا حراك، ولا يعرف لحرية التوجه والتعبير معنى.
لذا كان توجه مرجعياتنا المباركة على الدوام بضرورة انتخاب ذوي الكفاءات والخبرة في الميادين العملية، وممن يتحلّون بالنزاهة، وعدم تضييعهم للمال العام، وترك تقدير ذلك بالنتيجة للمواطن وحريته الشخصية التي كفلها له الدستور، فليس هناك قوالب جاهزة تحدّ من عملية الاختيار المتعدد، وتحيله إلى زوايا ضيقة.. فمن خلال الدين يتمّ إعداد الإنسان الصالح لنفسه ومجتمعه، أي خلق نواة وبذرة صالحة لها قابلية النماء والعطاء والتعايش السلمي، وليس بالضرورة أن تكون له قابلية القيادة والتغيير الفعّال في بلده.. وأيضاً من خلال الحزب السياسي، يتم تعريف المواطن بسياسة الحزب ومنهاجه الإصلاحي نحو القضاء على المفاسد، وإيجاد البديل الناجح لأي قانون لا يتماشى مع المصلحة العامة، ويتم ذلك باختيار العناصر الكفوءة عملياً (وليس نظرياً)، ويتم استبداله متى ما كان أداؤه ضعيفاً، بغض النظر عن ولائه الأعمى للحزب..! وهذه هي ثقافة التحزب الناجح في بلد يروم التقدم والنجاح.. ولعل هذه القضية بحاجة الى تثقيف لسنين طويلة قبل أن تُؤتي أكلها، لكي نرى بصيصاً من أمل لغد أفضل لأبنائنا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat