يا أمة الجراحات هلمي للبقيع، لعزاء القبور الدارسات بلا جرم، وقد طالتها يد الجهل والظلام، أما علموا أن للقبور حرمات، وأن حرمة المؤمن أشدّ من حرمة كعبة ومزار... فأيُّ مسعى يريد تحطيم كرامة الإنسان، تاريخه، رموزه.. هو نفس العويل الذي يهدم قبره.. ومثواه الأخير.. فهذا نبي الرحمة (ص) يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد).
كم صلى ودعا وتوسّد الثرى.. فألبس البقيع تاريخاً من الكرامات، دوّنتها ذراته المضمخة بالنحر والشهادة، وهو يحتضن رموزا أسرجت الأنوار لأجيال المسلمين، مستذكرين أمجاد دعوة محمدية معطاء... آثار نبوة، وعترة طيبة، ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وحكمة رسالة سمحاء: (فزوروا القبور فأنها تذكركم بالموت).
بقيع ينادي والجراح ندية: تهدّمت والله منازل الوحي والفضيلة، ما رعوا قداسة الثرى، وقد لامس أقدام الرسول.. ما رعوا لله ذمة، وقد دمّروا الآيات والنزول..
يريدونها حوزة خشناء - على لسان خير الأوصياء - يغلظ كلمها.. ويخشن مسُّها.. ويكثر العثار فيها... فالظليمة الظليمة، من شذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، وعبدة الطاغوت والدولار.. باعوا تراثنا، وهدموا مراقدنا، وفرقونا عن حياض الشفاعة والنقاء...
ندخل حومة البقيع لنسأل الغرقد الجريح: عن طعنات غدر.. ومعاول تكفير؟! فيجيبنا بلهفة الغريق: نعم والله، هي عين الفظاظة والشقاق... صحيفة ملعونة، وسقيفة عمياء، عمّرت الأحقاد أشواكاً إلى البقيع، ليضربوا هامات القباب...
أكباد تقطعت بالأمس.. واليوم قبور ونكبات...
كأني ببيت الأحزان يلبس الأكفان، ويجوب شوارع المدينة: أين الأماقي وأكف الدعاء..؟ فتجيبها الأصداء: أسوار تحيط البقيع، وجلاوزة غلاظ يمنعون الرواء، ويشنقون الحسرات!!
حتى الدموع باتت تخيف الطغاة، فلنملأ الأحداق سيولاً من ولاء، ونسقي ظمأ البقيع
لعل سدرة أظلت (خـُلـُق عظيم) تورق اليوم مواكب وعزاء...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat