مرحبا بكم في عصر الأنثروبوسين Welcome to the Anthropocene! (مقالة مترجمة)
د . فائق يونس المنصوري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فائق يونس المنصوري

هل يعيش الانسان الان في عصر جيولوجي جديد؟
يصطدم كويكب بالأرض فيحفز انقراض حوالي 75% من نباتات وحيوانات ذلك الزمن، بما في ذلك جميع الديناصورات والطيور. او ان تبدأ مجموعة الصفائح الجليدية التي امتدت عبر الكوكب بالتراجع، تاركة وراءها تغييرات هائلة في قارات الأرض.
أحداث من هذا القبيل تعد من العلامات الكلاسيكية الفاصلة في السجل الجيولوجي، وذلك لان التحول من فترة زمنية إلى أخرى يتميز بتغير فعلي واضح على الأرض. تحطم الكويكب هذا والذي حدث منذ 65.5 مليون سنة يمثل الحدود الفاصلة بين العصرين الطباشيري المتأخر والباليوجين؛ ومع تراجع الجليديات بدأ عصرنا الحالي (الهولوسين- العصر الحديث).
وتعتقد مجموعة من العلماء أن علامة الحدود الكبيرة القادمة بين الحقب تحدث الآن. ولكن لم تحدثه صخرة عملاقة قدمت من الفضاء أو صفائح من الجليد تجوب البحار – بل انه حدث من قبل البشر أنفسهم.
يقوم البشر الان بإذابة آخر الجليديات الكبرى المتبقية من عصر الهولوسين، كما يقومون بخلق مستودع هائل من المواد البلاستيكية والسبائك المعدنية بل وحتى البلوتونيوم والتي من شأنها أن تترك علامة إلى الأبد. وفي الوقت نفسه، وبفضل الزراعة والشهية المفتوحة للطعام وحتى الأزياء، قد يسرع البشر الانقراض الجماعي السادس (أو ربما السابع) في تاريخ الأرض.
في أغسطس 2016، أعلنت مجموعة مختلطة من العلماء في كيب تاون أن البشر، مثلهم مثل الكويكب (الذي سبب انقراض ديناصورات العصر الطباشيري) والجليديات (التي مهدت لظهور العصر الحديث قبل ظهور الانسان على الأرض)، يستحقون الان حقبة جديدة خاصة بهم في سجل الصخور الرسمي للارض. أطلقوا عليها كمسمى (الأنثروبوسين) ومعناه "العصر الجديد للإنسان" واوصوا باعتماده في السجل الزمني الجيولوجي الرسمي، مثل الهولوسين أو الباليوجين.
يقول الجيولوجي Jan Zalasiewicz من جامعة ليستر Leicester University، الذي يرأس فريق عمل الأنثروبوسين التابع للجنة الفرعية المعنية بطباقية العصرالرباعي Quaternary Stratigraphy,(الاسم الرسمي الذي يفضله العلماء)، وهو الذي أشرف على عملية اتخاذ القرار. “إن هذه الإشارة الأنثروبوسينية عالمية، فهي واضحة وجميع إشاراتها كبيرة". "وإنها عبارة عن مدى واسع النطاق من منظومة من العلامات التي يمكنك استخلاصها."
لِمَ يكاد يكون قرارا مبكرا؟
بدأ الجيولوجي Jan Zalasiewicz العمل في عام 2009 مع 35 عضوا من الزملاء ضم جيولوجيين وعلماء بيئة وحفريات وحتى صحفيين. وقد قاموا بتقييم الأدلة بعناية لمعرفة ما إذا كانت آثار البشر ستثبت أهمية جيولوجية بنفس الطريقة التي تخبرنا بها الصخور الضخمة Boulders المنقولة من اماكنها عن قصة العصر الجليدي، أو أن اختفاء قشرة Shell حيوان يكشف عن تغير في مناخ الأرض.
ويهدف هذا التعيين الجديد إلى الإشارة إلى العديد من العلامات الدائمة التي تركها البشر على الارض. وتتمثل في قائمة طويلة ابتداءً من التجاويف تحت الأرضية الغريبة التي خلفتها مناجم التعدين وفراغات التنقيب عن البترول والمستويات المتزايدة باستمرار من غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء الذي نتنفسه جميعا، (فقد زاد حاليا عن 400 جزء بالمليون في الغلاف الجوي للأرض) وهو يمثل اعلى تركيز من أي نقطة منذ ان بدا النوع المعروف باسم الإنسان العاقل Homo sapiens بالمشي على ارض هذا الكوكب لأول مرة.
وحدد الفريق العامل أيضا أفضل موعد لبدء هذا العصر الجديد. بالعام 1950، وتم الاختيار ليس بسبب الارتفاع في نسب العديد من هذه العلامات منذ ذلك الوقت ولكن وبشكل خاص بسبب ظهور عناصر مشعة جديدة لم توجد سابقا على الأرض، وذلك بفضل بدأ تجارب القنابل الذرية. أي وبعبارة أخرى، ان أي شخص ولد بعد عام 1950 أصبح يعيش في عصر الأنثروبوسين.
ويجب الآن على الجيولوجيين أن يخرجوا إلى الميدان لإثبات ذلك، من خلال العثور على شريحة من الصخور أو لباب حفر من قاع المحيط يسجل بصورة كاملة إرث الأسلحة النووية، او فهرسة علامات أخرى كاستخدامات البلاستيك والألومنيوم، أو السيادة الجديدة من تركيز النيتروجين في مياه وتربة العالم بفضل استخدام الأسمدة الحديثة.
أفضل رهان للعلماء قد يكون السخام
كما كشفت طبقة رقيقة من الايريديوم عن ارتطام الكويكب الذي أدى الى القضاء على الديناصورات قبل 65.5 مليون سنة، فان طبقة السخام التي لطخت التربة والرواسب في جميع أنحاء العالم منذ عام 1950 أو نحو ذلك. ووجود المليارات من الكريات السوداء المجهرية التي يمكن العثور عليها في جليد غرينلاند او قيعان بحيرات شيلي، وكلها من حوالي هذا الوقت نفسه، يمكن ان تكون دلالة على العصر الجديد هذا.
سيظل هناك متشككون
وحتى لو لم يجدوا سجلا مثاليا، سيسال المتشككون: "لماذا لا يمكننا فقط أن نسميها هولوسين؟" يتساءل الجيولوجي Stan Finney من جامعة ولاية كاليفورنيا، ورئيس اللجنة الدولية للطباقية International Commission on Stratigraphy، والتي سوف تتخذ قرارا نهائيا بالموضوع. "لماذا تغيير الاسم؟" بعد كل شيء، فالناس لا يحتاجون حقا لسجل من الصخور ليقول لنا متى بدأ اختبار القنابل الذرية. يمكننا فقط وببساطة استخدام التقويمات calendars.
وإذا كان التاريخ يعتبر دليلا، فسوف نستغرق وقتا طويلا لتجزئة كل ذلك. فقد استغرق الأمر من الجيولوجيين عقودا من الزمن لقبول تسمية الهولوسين (على سبيل المثال) والذي يغطي آخر 11،700 سنة من عمر الارض، وهو يعتبر نوعا من استراحة الصيف في سلسلة من العصور الجليدية التي تطورت فيها الحضارة الإنسانية بأجمعها، بما في ذلك تطور علم الجيولوجيا في تحديد هذه التغيرات. وقد يستغرق اعتماد التسمية المقترحة تقريبا نفس طول تلك الفترة من قبل مجتمع علماء طبقات الأرض والجيولوجيين لقبول هذا العصر الجديد والغريب وادراجه في الجدول الزمني الرسمي لتاريخ الأرض.
ولكن تبقى مسالة تسمية الأنثروبوسين ليست لتخليد البشرية في سجل الصخور. إنها لتعريف الناس بالتأثيرات العالمية المتغيرة للبشر على أمل إقناعهم باتباع نهج أقل تأثير بشري على الارض وافهامهم بأنهم بحاجة لتوفير مساحة للكائنات الأخرى من النباتات والحيوانات إذا أرادوا تجنب انقراض جماعي آخر، بل وقد نرغب حتى في إحياء الحيوانات التي سبق أن سُقناها الى الانقراض، فلا بد من معالجة مشاكل التلوث في العالم معا، أو أنها لن تحل على الإطلاق.
وختاما..
فإن مسالة الأنثروبوسين في واقع الامر هي إثبات بأن البشرية ليست كالجليديات أو الكويكبات. اننا هنا يمكننا أن نختار بأن نفعل ما هو أفضل، حتى ولو كانت علامات الأنثروبوسين تنمو بشكل أكثر انتشارا وترسخا، وبخلاف ذلك وكما أشار عالم الفيزياء الفلكية اللورد Lord Martin Rees في احدى المرات فان العصر البشري يمكن أن يصبح قصيرا جدا.
المصدر:
David Biello .You have been living in a new geologic time all along. ideas.ted.com .Sep 8, 2016
http://ideas.ted.com/you-have-been-living-in-a-new-geologic-time-all-along/
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat