تعود المشاهد العراقي طيلة السنوات الماضية ، على انتظار الدراما العربية في رمضان وخاصة السورية والمصرية لأنهما كانتا أفضل ما قدم للإمتاع في الشهر الفضيل . إلا أن الدراما المحلية ظلت شحيحة فلم يعتمد المشاهد على متابعتها إلا بأوقات نادرة جدا وخاصة بعد رمضان لزحمة ما تقدمه الفضائيات العربية من مواد ممتعة وترفيهية . وما دام الهم العراقي يواصل مسيرته باستمرارية وحضور ، فان المشاهد العراقي يحاول نسيان ما يستطيع نسيانه من خلال إنفاق الوقت في متابعة المواد التلفزيونية وخاصة في رمضان اعتقادا منه بان ما يراه من إمتاع سينسيه الهم اليومي والألم المستدام ..ولكن الهم العراقي بتفاصيله المرعبة تظل تطاردنا في كل وقت ما دام هو الموجود والحاضر في الساحة العراقية متمثلا بكل ما يعانيه المواطن العراقي من غصة أو خسارات أو مواعيد لم تتحقق من قبل المسؤولين أو لقلة الخدمات المستعصية والتي صارت عنوانا دائما للبلوى وقلة الحيلة وسوء المعاش .. انه صراع يومي يواصله المواطن منذ الإطاحة بالصنم وحتى اللحظة الراهنة . هذه المعاناة لا بد لها من تخريج درامي يستغله البعض لأجل الاستفزاز واللعب بالمشاعر والمتاجرة بالهموم والآلام .. وهو ما فعلته بعض القنوات الفضائية العراقية التي تبث من خارج العراق وهي معروفة للجميع .. خذ مثلا المسلسل الدرامي " الباب الشرقي " والذي تبث إعلاناته في كل وقت على قناة الشرقية ، ماذا نجد فيه ؟
للإجابة على هذا التساؤل المهم لابد لنا من تحديد الغاية والأهداف أولا .. والمعروف أن معاناة العراقيين التي لم يتحملها الساسة ولا أي متابع للشان العراقي ، فان أي عمل تلفزيوني يجعل مادته الأساسية من معاناة العراقيين وهمومهم وسخطهم ، لا بد من ان يكون واقعيا موجودا داخل منطقة الحدث وجزءا منه ، وبالتالي فانه سيكون معبرا عن تلك الآلام والهموم تعبيرا صادقا وحقيقيا . أما أن يكون كادر العمل يعيش في الشقق الفارهة والليالي الحمراء وسحب الدولارات تغطيه من الرأس إلى أخمص القدم في أجمل المدن والدول ، فانه سيكون تعبيرا مغشوشا وباهتا وليس حقيقيا بل انه متاجرة شنعاء بالهم والمعاناة العراقية من الوريد الى الوريد . وليعلم أي كادر تمثيلي موجود خارج العراق بانه لا يمكن ان يعطي ثمرا ناضجا ان لم يشترك في زراعته وسقيه و متابعته أي انه لا بد له من المعايشة والاشتراك والتألم والسخط كما نفعل نحن داخل الوطن . وهذا الشي يشبه اديب ما يطلب منه الكتابة عن حادثة لم يرها ولم يعشها فانه حتما سيقع تحت الغش والخديعة والتخبط ومن ثم الابتعاد عن الروحية والصدق . ان مسلسل الباب الشرقي وهو يغطي مساحة تظاهرات العراقيين في شباط الماضي وما تلاها ، فانه لا يعكس بالضرورة ما عبّر عنه المواطن الموجود بالفعل في الساحة او المواطن العراقي المتابع لها . وهو ما سيكون واقعا مخادعا لا يمت للحقيقة باي صلة ولا يمكن لمترف يعيش البذخ والليالي البنفسجية ويركب السيارات الفارهة بان يكون صوت الفقراء او الحامي والذائد عن شرفهم او المدافع عن قضاياهم وهي رسالة واضحة نتوجه بها لكل من يفكر بإنتاج مسلسل عراقي في الخارج عن التفاصيل العراقية الراهنة ونقول له بانك مخادع ومهادن وواهن ولست ممثلا عن اصغر مواطن عراقي ، لانكم تتاجرون بهمومنا من اجل حفنة دولارات ومن اجل ابقاء واقعكم المزدان بالزهور والحياة الرغيدة مستمرا طافحا بسعادات على حسابنا وعلى حساب مصائرنا . انها صرخة بوجوهكم ايها المخادعون ولنرفض جميعا كل الاصوات النشاز التي تدّعي الوطنية والعراقية الصادرة من الازقة الخلفية والشقق الفاخرة ومحلات البوني اكس للازياء ومحلات شارلي كوبر للعطور وكل الامكنة الموبوءة وكل الروحية المزيفة وكل دموع الكذب وكل الكلام غير الصادق .. وكفى لعبا بالمشاعر وقد لا يصدقكم المشاهد العراقي لانه خبر المستحيل وخبر كل المفخخات والموت والارهاب والقتل والجوع والحرمان دون ان يبيع الصدق والشرف والضمير وهو يفضل مشاهدة كل دراما تسليه وتذهب عنه همومه بدلا من مشاهدة الاعمال التي تستفزه وتغيضه وتشحنه بالكراهية على بلده . ان عصر النقل الاعلامي يؤكد ان الحقيقة هي التي تحدث داخل منطقة الحدث وليس ما تزيفه الاوهام والصرخات المخادعة ولو انفق عليها ملايين الدولارات فأنها تظل بعيدة عن الصدق وغير متحمسة من صميمها لا بسط حالة تقع تحت لهيب الالم .. وما يؤسف له بان أي كادر يمثل علينا الوطنية والمعاناة عن بعد ، فانه يحظى دائما بتكريم المؤسسات الرسمية وغير الرسمية باعتباره جاهد واعطى وبذل من اجل الشعب ، تصورا هذه المزحة ، يكرم وهو الباذخ السعيد والبعيد كل البعد عن همومنا ، اية فضاعة ترتكب بحقنا يا سادة ؟ الاصوات النشاز الساكنة في الشقق العامرة تملؤها الخدم ودفاتر الشيكات وهدايا الاثرياء ، سيكرمون ان حضر احدهم الى الوطن وكانه كان جنديا على الحدود او مواطنا منع ارهابي من تفجير حزاما ناسفا او ام عراقية تبكي ماساتها وهذا ما يحدث ، انها حياة بالمقلوب علينا معرفة احداثياتها لكي نتواصل مع كذبهم وريائهم .. انها رسالة عسى ان تكون وصلت لمن تهمه عراقيته والباب الشرقي سيبقى عراقيا بغداديا يحتضن جواد سليم وكل الانفاس الصادقة التي انشدت للوطن..
مدير مركز الاعلام الحر
majidalkabi@yahoo.co.uk
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat