صفحة الكاتب : ادريس هاني

الحسين في ديوان العرب (6)
ادريس هاني

 هي أكبر ملحمة شعرية على الإطلاق..فمنذ مقتل الحسين هناك أمران لا يتوقّفان: دموع النواح ورثاء الشعراء..يتجدد الحنين في كل مناسبة..بل في كل زيارة والتفات..مأساة الحسين أخصبت الهلال الخصيب..وبات واضحا أنّ في العراق كنا أمام دجلة والفرات ونهر ثالث من دموع عشّاق الحسين..ومهما تكرر فعل التحيين لحادثة كربلاء فستجد الشعر والدموع تتجدد..وإنك لتجد فيها طراوة اللحظة كما لو أنه لم يذرف دمع على الحسين من قبل ولا قالوا عنه شعرا..وإن أحسن الرثاء ما قاله فيه أهله المقربون.. وكما كان الحال مع الشريف الرضي فإنّ لأخيه الشريف المرتضى وقفة رثاء مع جده الحسين لا تقلّ عن سابقه حزنا وأنينا..فالشريف المرتضى فضلا عن أنه شاعر له شعر كما قال عنه الثعالبي في غاية الحسن إلاّ أنه الفقيه والمتكلم والأصولي والجامع لفنون عديدة كانت له فيها الرئاسة في بغداد..يكفي أن يكون من تلاميذه الشيخ الطوسي والكراجيكي..في هذا الرثاء نقف على قوة المعاني ورقّة الأسلوب..إنّ حادثة كربلاء جرح لم يندمل..وكسر لم ينجبر..
لقد كسرت للدين في يوم كربـلا +++ كسائر لا تؤسى ولا هي تجبـر
كسر في الدين لم تلتئم شظاياه حتى اليوم..فرقة وضعف وانهيار في الأفهام وشروخ وانفصام في السلوك..ويصف الشريف المرتضى حالة الجرحى المظلومين ومن قضوا في هذه المأساة بتصوير أخّاذ، صادق، فريد..
فـإما سـبي بالرمـاح مسـوق +++ وإمـا قتيـل بالتـراب معفـر
وجرحى كما اختارت رماح وأنصل +++ وصرعى كماشات ضباع وأنسر
أعمل النواصب القتل في صغار أهل البيت وكبارها..فسيوف الظالمين لا تميز بين كهل ورضيع..بين ذكر أو أنثى..بين صحيح وسقيم..لقد أفجع بنو أمية قلوب الأجيال..وبات كل قرن يلعنهم إلى يوم الدين..ولا شيء يوقف هدير هذا اللعن الدائم لهذه العصابة..ذلك لأنّ لا أحد يستطيع أن ينفي أنّ مجزرة من هذا القبيل قد حصلت..ولا أحد يملك أن يبرّرها بأي وجه من الوجوه..أو تخريجة من التخريجات..فهذا الحسين وما أدراك..وذاك يزيد وما أدراك..وحقّ على أنصار الحسين أبدا أن لا ينسوا مصابه الأليم..فهو يوم عصيب لم يترك للمحبين نصيبا في المسرّات:
إن يوم الطف يوما كان للدين عصيبا
لم يدع للقلب مني في المسرات نصيبا
إنها حالة عدوان وغصب واغتصاب مرد عليها قوم من الطلقاء سرعان ما غدروا..فغدت سياستنا مغتصبة..وديننا مغتصب..يفتي فيه أغيلمة سفهاء أو محتالون من أهل الدجل أو قطاع طريق هرّبوا المعاني والقضايا..فحقت عليهم اللعنة..وما كان من اتخذ من الغصب نهجا أن يبقي على شيء من هذا الدين على أصوله الاولى، بل أعملوا التحريف فيه غصبا وأبدعوا شراء الذمم ، وحركوا كل عتل زنيم ليقول في الدين ما تشتهي رغبة الشجرة الملعونة في القرآن..
لعن الله رجالا أترعوا الدنيا غصوبا
إنّ الأموية ظلت خلية نائمة في المجتمع ما أن تمكّنت حتى غيرت وجهة الحقيقة..حالة منظّمة على رأس حركة النفاق..كانت هذه الحركة من أخطر الظواهر التي لا زال صاحب الدعوة يوصي بها..نزلت سورة كاملة تحت عنوان "المنافقون"..وفيها أنهم يتكاثرون من حول المدينة..وذلك إشارة إلى أن هذه الخلية النائمة التي ستقود ركب المنافقين حتما ستفعل ذلك باسم الدين وستزايد به على أهل بيت الدين..وهكذا سيقتل الحسين في نظر شريح القاضي عميل الأموية بسيف جده، أو كما نحا قاضي آخر هو ابن العربي لما قال بأنه قتل بشرع جده..وبوقاحة الشجرة الملعونة يقال هذا في حق من شهد له صاحب الدعوة نفسه بأنه وأخاه إمامان قاما أو قعدا..خلية نائمة كانت تعمل في الخفاء حتى باتت دولة داخل الدولة..كانوا قد انقادوا واستسلموا فكانوا طلقاء..لكنهم صاروا الأفتك بدنيا المسلمين..حتى فتوحهم للبلدان اختزلت في جلب الخراج وإكراه الناس على الجزية ولو صاروا مسلمين..
سالموا عجزا فلما قدروا شنوا الحروبا
كانت كربلاء فرصة تاريخية لتحقيق ثأر الأموية من الهاشمية..والانتقام من بدر التي لم ينساها بنو أمية سواء في جاهليتهم أو حتى بعد أن استسلموا للملّة..وكما خلدتها أشعار بن الزبعرى التي تمثلها يزيد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا +++ جزع الخزرج من وقع الأسل
كانت لحظة ثأر من علي وبنيه مما كان فعل محمد وعلي..أو كما بقول الشريف المرنضى:
طبلوا أوتار بدر عندنا ظلما وحوبا
ادريس هاني : 26/10/2015

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/01



كتابة تعليق لموضوع : الحسين في ديوان العرب (6)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net