تاريخية النص القرآني ( 5 ) والاخيرة
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

يتعامل الخطاب العلماني مع النص القرآني بوصفه ( نصاً تاريخياً ) ، و بالتالي يعني : إخضاع ( النص القرآني ) للقراءة النقدية عن طريق النقد التاريخي المقارن ، و التحليل الألسني التفكيكي ، و نحوها من مناهج العلوم الإنسانية و الاجتماعية .
و في سبيل تحقيق الغايات المنشودة ، يدعو الخطاب العلماني إلى التوسل بالدراسة التفكيكية للنصوص المقدسة ، و إلى قراءتها على انها نصوص تاريخية منفصلة عن مصدرها ، أو ما يسمى في البنيوية بـ(موت المؤلف ) . كما يتبنى هذا الخطاب في دراسته للقرآن الكريم ( الهرمينوطيقا ) التي تقوم في الدراسات الأدبية على التفرقة بين ( المعنى ) و ( المغزى ) ، حيث ان المغزى قد يختلف لكن معناه ثابت ، و المغزى يقوم على العلاقة بين النص و الواقع ، و الواقع متجدد و متغير .
ان التفريق بين ( معنى ) و ( مغزى ) النصوص : أي المعنى الذي يمثل الدلالة التاريخية للنصوص في سياق تكونها
و المغزى الذي هو محصلة قراءة عصر غير عصر النزول .
هذا التفريق ( المزعوم ) يقتضي الحكم على كتاب الله تعالى باعتباره ( نصوصاً ) تاريخية . و يوضح ذلك ، ان مصطلح ( تاريخية النصوص المقدسة ) متأثر إلى حد كبير بإسقاط ( النظرية النسبية ) في الدراسات الأدبية و التاريخية المعاصرة على النص القرآني .
فالتاريخية أو ( التاريخانية ) هنا ؛ إخضاع النص القرآني للقراءة كنص بشري ، أو كنص إلهي محكوم بسقف التاريخ و الثقافة . إذ تدعو التاريخية إلى تفريغ جعبة النص الديني من مفاهيم العالمية و الاطلاقية و نزع صفة الخلود و الصلاحية لكل زمان و مكان عنه ، و ذلك بغية الالتفاف على حقيقة كونية القرآن من خلال احالته إلى التاريخ و النظر اليه باعتباره نصا تاريخيا محكوم بشروط تاريخية و ظرفية يزول بزوالها ، و تعمل على ربط القرآن بسياقات تنزله ، و تفسير معانيه تفسيراً تداولياً قاصراً من خلال الخوض في مسألة أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و المكي و المدني و غيرها من القضايا ، فالغاية من ( أرخنة ) الخطاب القرآني بحسب تعبير ( أركون ) هي العودة بالقرآن بشكل علمي إلى قاعدته البيئوية و العرقية ـ اللغوية و الاجتماعية و السياسية ـ الخاصة بحياة القبائل في مكة و المدينة في بداية القرن السابع الميلادي ، و هذا الجهد يجد مشروعيته في بأن القرآن الكريم خطاب تاريخي يتغير فهمه و معناه مع تغير الزمان و المكان ، و بناء على ذلك فما جاء فيه من عقائد و شرائع تتغير و تتبدل مع تبدل الزمان و المكان ، و هذا التبدل لا يقصد منه المرونة في الاجتهاد الفقهي المواكب لمتغيرات الواقع عبر الزمان و المكان بمقدار ما يعني به عدم صلاحية الحكم الشرعي لكل زمان و مكان ، فهو وقتي ، بمعنى أنه جاء لوقت قد مضى ، و لم يعد يتلائم مع الوضع الحالي ، و بالتالي يجب أن تتغير تفسيراته بما يناسب الوضع المستجد . و هذه القراءة سوف تساهم في تعرية النص القرآني من القداسة تماماً كما حصل بشأن التوراة و الإنجيل .
إن تصفح مفهوم ( تاريخية النص ) في الفكر الغربي ، و الذي يرجع تحديداً إلى ظهور الماركسية الجدلية من جهة ، و ظهور مفاهيم علم اجتماع المعرفة من جهة ثانية ، يقود إلى ان الوجود الاجتماعي للناس هو الذي يحدد وعيهم أو علاقة الفكر بالواقع .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat