ذكريات ما قبل وبعد الطوفان
علي سالم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كلما استحضرت معنى الصدق لا أدري لماذا يقفز أصحاب الياقات البيض الى ذهني
لا أدري لماذا أتذكر حمامات السلام المطوقة وبنادق ألنصرة ألصدئة و كثبان المحبة الثلجية ورايات ألأستسلام أليائسة ووعود الحرية الشاحبة وعناوين الصحافة الصفراء .
لا أدري لماذا يكون الساكن ألأصلي للأرض ملونا" والمغتصب دائما" أبيض , ولماذا يكون الذي بيده القانون أبيضا" والخارج عليه دائما" أسود ؟ .
مئات الأسئلة كانت تملأ فكري وأنا أجوس طرق ألمدينة ألملئى بألعناوين ألبراقة ألناصعة ألبياض ( ألأخلاص , ألدقة , ألثقة , ألأمانة ) و ألبريئة من ألصدق براءة ألذئب من قميص يوسف .
جاوزت بفكري فتاوى ألمقاهي ألعفوية ونبوءات ألفناجين ألصادقة وضربات ألرمل ألجريئة وتعاليم ألأبراج ألأكيدة وقصص ألحب ألبريئة وأقبية السحر ألأبيض كذلك وشماعات الكذب ألابيض ! .
فلم أفهم لماذا هذا ألتلازم بين ألصدق و ألبياض كذلك لم أدري سر أرتباط ألبياض بألنقاء , ولماذا يحرص ألمتشدقون على ارتداء ألأردية ألبيضاء ألنقية و ألأكفان في نقائها أصدق؟ , ولماذا يمجدون بألعظماء وفي حياتهم ما زودوهم زادا" ( يا من أظهر ألجميل وستر القبيح ) ! , ولكن عندما يمضي ألعظيم يفتقد وفي غياب ألجياد ألأصيلة يكون ألمضمار للأهزل بل لكل من هب ودب .
ولما ضقت ذرعا" لملمت أمتعة أحزاني و أشواقي وتناولت قربتي وزوادة" فيها بضع أرغفة غلفتها بالحب أنامل أمي و ( كثير) من الملح و( قليل ) من السكر , كان ألملح على شفتي والعصا بيدي ورفيقي ألدائم ( جملي ) ألأورق ألذي يسمونه ألمغرضون ( عسكر ) بألرغم من أني لم أكن أشرا" وغير ألأصلاح يوما" لم أطلب بألرغم من أني عندما تستقر بي ألنوى لا ألقي عصاي ولا بألشعر أتمثل .
ولأني مسلم وأغلى ما عندي ألعقيدة فضلت هاجرة ألصحراء على أن تظلني خيمة في ألناصرية ؟ .
ولأني عربي ولا أحب زحام ألمدن والى نقاء ألبداوة أقرب , رحلت .
لأبحث في صحراء ألمجاملات عن شجيرة ( صدق) وفي واحات ألشك عن بصيص أمل اسمه ( أليقين ) وبين رمال سوء ألظن عن محمل واحد لأحمل عليه أخي ألذي لم تلده أمي و ألذي أضحى من غير مركب .
كان ( ألصبر) رفيقي ألدائم بألرغم من صراخ ألأهل و ألأخوان علي ليل نهار ( بيع ألجمل يا علي ) وكان شعاري ألتليد ( لكي تجني ألعسل فلا تحطم ألخلية ) بألرغم من أن عسل هذه ألأيام قد تخلى عن صدقه .
بحثت في ألصحراء ألجرداء شبرا" فشبرا" فلم أجد غير ألسراب وقصف ألرياح .
ولما لم أجد بغيتي يممت بوجهي شطر ألطرف ألأكبر للأرض وساحل ألبحر الأعظم وعلى ساحل ألبحر الأعظم وجدت سيدا" مهيبا" عليه سيماء الأنبياء وفي وجهه اثار من امتهن ألوان ألجهاد وأمتحن الصبر حتى مداه الأخير .
فأبتدرني قائلا" : خفف ألوطء قد أوغلت في ألتيه , بني لست بما أنزل الله اليك من خير فقير ولا ألحيتان تتخذ سبيلها في هذا ألبحر سربا" , هيهات أنت رهن بما كسبت يداك , بني انه اما حق أو باطل ولكل أهل فالزم ألصدق وان كان فيه حتفك , بني ان ألطرق كلها سالكة الا أن ذات ألشوكة قليل أهله ولا يغرنك اجتماع ألناس على مائدة جوعها طويل , بني اذا سلك ألناس ألوديان فعليك بوادي ألذي طلق ألدنيا ثلاث ودع عنك نهبا" وهلم فأشدد حيازيمك فأن ألأوان أوان أللقاء وان لم يكن كذلك فانتظار ألفرج هو ألفلج عند نزول ألبلاء ...