هل تؤيد حل الأحزاب السياسية الدينية ؟! ( 2 )
علي جابر الفتلاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي جابر الفتلاوي

في مصر أستلم ( الأخوان المسلمون ) الحكم بأنتخابات شعبية ، وأصبح محمود مرسي رئيسا للجمهورية ، بدعم من تركيا وقطر واسرائيل وأمريكا ، وقد أستفاد الاخوان من الحراك الشعبي ، ففازوا في الأنتخابات لأنهم الأكثر تنظيما من بين الأحزاب الأخرى في الساحة السياسية على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ، وتبرير كيري أراه واقعيا ، لأن تنظيم العمل أضافة الى الخبرة عاملان مهمان يساعدان على الفوز ، لكن هذا لا يعني أن نتجاهل الدعم الامريكي الأسرائيلي التركي القطري ، أضافة للجهد السعودي لدعم الأحزاب الدينية التي تدور في فلكها كي تتسلم السلطة كثمرة جاهزة من ثمرات الربيع المصطنع .
البلدان العربية قُسمت من قبل أصحاب القرار الدولي الى قسمين ، الأول مشمول بأحداث ( الربيع العربي ) ، والاخرى واجبها أثارة رياح هذا الربيع ودعم أحداثه لوجستيا ، البلدان العربية التي شُملت بأحداث ( الربيع العربي ) ، يحكمها اليوم الأحزاب والتيارات الدينية ، عدا مصر التي حكمها الأخوان لأكثر من عام ، ثم أُسقطت حكومتهم من قبل الجيش أستجابة لمطالب الشعب المصري ، أما البلدان التي لم تمر عليها رياح الربيع المصطنع ، بقيت تؤدي واجبها في أثارة أحداث هذا الربيع ودعم الأحزاب الدينية ومساعدتها لأستلام السلطة كثمرة لعواصف (الربيع العربي) أما البلدان العربية غير المشمولة بأحداث الربيع المصطنع ، والتي كلفت بأثارة أحداث ( الربيع العربي ) ومساعدة الاحزاب الدينية المتطرفة كي تستلم السلطة فيحكمها حكام يتخذون من الدين وسيلة لتبرير حكمهم ، فهم يحكمون شعوبهم باسم القداسة الدينية أوالعائلية واغلبهم ورثوا الحكم عن آبائهم سواء كانوا أمراء أو ملوكا .
هذه الاحزاب الدينية أو المنظمات لكل منها رؤيته وفهمه الخاص للاسلام والقرآن ولا تتقبل أي فهم آخر ، وجميعها تنتمي الى المحور التكفيري لكنها تختلف في المرجعية السياسية لهذه الدولة أو تلك ، أختلاف المرجعية السياسية ولّد صراعات بينها ، وهو صراع نفوذ وليس صراع فكر، ولّد صراع النفوذ هذا قتالا بين المتصارعين ، وأصبحت كل مجموعة تتهم الاخرى بالضلالة ، وتبيح قتل أفرادها والأعتداء على أعراضها ، وهذا ما يجري الآن بشكل واضح في سوريا .
هذه الاحزاب السلفية الانحصارية التي تؤمن بالتكفير، وتحتكر الحقيقة والفهم الصحيح لذاتها فحسب ، تختلف عن الاحزاب الاسلامية الاخرى التي تنفتح على الاخر ، وتعتبر المختلف مجتهدا له قناعاته وفهمه ورؤيته الخاصة به ، وتؤمن بالمشتركات بين جميع المسلمين مهما أختلف الأجتهاد بينها ، ومثل هذه الاحزاب المنفتحة ما نشاهد في الساحة السياسية العراقية ، كحزب الدعوة الاسلامية وأحزاب أسلامية أخرى .
الاحزاب المعتدلة المنفتحة لا تشكل خطرا على الاسلام والمسلمين ، بل هي عامل للوحدة وألألفة ، ويمكن أن تكون عامل جذب للاخرين ، أذا تجردت من الأنانية والمحسوبية والمصالح الشخصية ، وتمسكت في أعمالها وافعالها بمبادئ الاسلام الأصيل ، على عكس الاحزاب والمنظمات الاسلامية الانحصارية الأقصائية ، التي تقصي كل من يختلف عنها ، بل تعمل على تصفيته بالعنف والقتل ، تحت مسميات الكفر أو الضلال أو الأرتداد ، أو العمالة للأجنبي ، الى غير ذلك من التهم الجاهزة وأغلب الأحزاب والمنظمات الدينية التكفيرية هي نتاج الفكر الوهابي السلفي ، مثل منظمة القاعدة وداعش والنصرة ، وكلها تلتقي في تكفير الاخرالمختلف ، لقد قدم هؤلاء نموذجا سيئا ومشوها لصورة الاسلام الناصعة ، وقدموا خدمة كبيرة لأعداء الاسلام ، نأمل من جميع المسلمين أن يتخذوا موقفا حازما منهم لمصلحة الاسلام والمسلمين ومصلحة الانسانية .
الأحزاب السياسية الدينية قسمناها الى ثلاثة أصناف ، الأول والثاني تكفيرية ، لا نعنيها بسؤالنا ، لأننا ندعو الى موت هذه الاحزاب أو المنظمات ، حتى ولو بعملية جراحية مقصودة تؤدي بها الى الوفاة ، والجميع يعرف أنّ هذه الأحزاب أو المنظمات تحولت الى فيروس لا بد من مقاومته والقضاء عليه ، لأنها تدعو الى هلاك الحرث والنسل ، ولا تريد الحياة لأحد غيرها ، أما الاحزاب الدينية المعتدلة التي تمارس نشاطها السياسي والفكري من خلال الاتصال بالجماهير، لتطرح عليها أفكارها ورؤاها ، فهي المعنية بالسؤال .
أرى أن العمر الذهبي للأحزاب السياسية الدينية المعتدلة ، هي فترة النضال السلبي عندما بدأت هذه الأحزاب أو المنظمات جهادها الفكري والثقافي والسياسي لكسب الجماهير لصالح أطروحتها الدينية ورؤاها السياسية ، بعيدا عن نظر وسلطة الحاكم الظالم ، وبعض الاحزاب الدينية كانت تطمح لتغيير سلوك الفرد نحو السلوك الاسلامي ، بحيث يكون هذا السلوك وسيلة لجذب الاخرين لسلوك مماثل ، ومن خلال الفرد النموذج يكون الطموح لتغيير المجتمع ، وفي حالة تغيير الغالبية في المجتمع ، سيحصل التغيير في السلطة لصالح الاطروحة الاسلامية ، وهذا يوضح أن السلطة ليست هدفا مركزيا لمثل هذا النموذج من الاحزاب ، بل بناء الفرد المسلم بناء أسلاميا صحيحا هو الهدف .
أرى أن خير من مثل هذا الخط في العمل ، حزب الدعوة الاسلامية ، أيام العهد السلبي في الجهاد ضد نظام البعث المقبور ، وكان مجاهدو الحزب لا يعملون لهدف دنيوي بل من أجل رضا الله تعالى ، والتقرب اليه ، وقد أثبت مجاهدو الحزب ذلك عمليا بعد أن دفع الكثير منهم حياتهم في هذا الخط ، ومن خلال أستعراض تأريخ الحزب في فترة العمل السلبي ، نرى أندفاع أعداد كبيرة من الشباب للأنتماء في صفوف الحزب ، رغم علم هؤلاء الشباب أن من يتهم بالعمل في صفوف حزب الدعوة الاسلامية سيكون مصيره السجن أو الأعدام ، الدعاة لم يهتموا بهذا القرار الظالم من حكومة البعث ، بل كانوا يتسابقون للفوز بالشهادة .
لنقارن اليوم بين تلك الثلة المؤمنة من الشباب التي ضحت بحياتها من أجل رضا الله تعالى ، وبين البعض اليوم ولا أعني الشباب فقط لأن الكثير من الشباب من حقهم أن يؤمّنوا طرق العيش الشريف ، وهذا حق لكل أنسان ، لكن نعني بعض الناس الذين يتوفر لهم العيش الكريم ، لكنهم يلجأون الى أستغلال نفوذ بعض الاحزاب للكسب غير الشريف وتحقيق الأمتيازات ، فمرة تراهم ينتمون لهذا الحزب ، وأخرى لذاك من أجل الربح الاكثر ، ولا يهمهم أن كانت الوسائل بطرق مشروعة أو غير مشروعة ، ولا يفوتنا أن نؤشر على سلوك بعض شخصيات هذه الاحزاب ، أذ أصبح هذا السلوك وللأسف الشديد مما يقزز الجماهير ، ويبعدهم أكثر عن الأحزاب الدينية ، بسبب السلوك غير اللائق لبعض المنتمين ، وهذا ما نلمسه اليوم في سلوك بعض هذه الشخصيات ، وهذا مما ينفّر الناس من الحزب السياسي الديني ويشوه صورة الأسلام الناصعة .
الأحزاب الأسلامية فوجئت بالتغيير الذي حصل في العراق ، وفجأة وجدت نفسها جزءا من السلطة الجديدة ، بل مشاركا رئيسيا فيها ، من هنا بدأ اللبس والتشويه والتزوير ، فضاعت الاهداف الحقيقية التي كانت الحركات والاحزاب الاسلامية تعمل تحت فضاءاتها وبريقها ، وتغير الهدف لهذه الاحزاب من عمل باسم الاسلام لخدمة الجماهير وتخليصها من الظلم ، الى عمل من أجل المكاسب الشخصية والحزبية .
نؤكد وجود الأستثناء عن هذه المعادلة لكنه قليل جدا ، أذ أصبح من يعمل لخدمة الجماهير وفاء للمبادئ وطلبا لرضا الله تعالى ، أشبه بمن يصارع ضد التيار ، وهو يعاني من جهتين من أعداء العملية السياسة الجديدة من تكفيريين وبعثيين متحالفين معهم ، ومن الأصحاب المحسوبين على الصف الأسلامي ، هؤلاء الاصحاب الذين كانوا رفاق الدرب أيام الجهاد والنضال السلبي ، تحولوا الى تجار في السياسة عندما وصلوا الى السلطة ، وتركوا شعاراتهم الاسلامية عنوانا للدعاية فحسب ، أصبح همهم الأكبر الوصول الى السلطة بأي ثمن ، وفي أي وسيلة متاحة حتى لو كانت غير نظيفة ، وعندما تصل الاحزاب والحركات الدينية الى هذه المرحلة ، لم يبق من دعواتهم الدينية سوى الشكل والمنظر، أما الفعل والسلوك فهو بعيد عن الأسلامية ، وفي هذه الحالة ستجلب هذه الحركات السياسية الأسلامية الضرر الى الاسلام ، أضافة للأحباط الذي تولده في نفوس جماهيرها لأنها ستكون نموذجا سيئا يجلب الألم والأسى الى النفوس النظيفة الطاهرة الصالحة ، في حين يفترض بالنموذج الاسلامي أن يكون المثل والقدوة الى الاخرين ، ومن الطبيعي أننا لا نعني جميع الاسلاميين ، بل نقصد المتأسلمين الذي يتخذون من الدين وسيلة لجلب المنافع أليهم ، ولهم وسائلهم في خداع الجماهير .
لو أستعرضنا الأحزاب الدينية في الساحة السياسية العراقية والعربية ، لا نستثني الا القليل من هذه الاحزاب ، وأستطيع تشخيص حزب الدعوة الاسلامية من بين هذا القليل ، رغم عدم خلو عمل الحزب من بعض السلبيات ، في رأيي أن حزب الدعوة الأسلامية لم يتبنَ فكرة الوصول الى السلطة كهدف مركزي ، بل تبنى فكرة بناء الفرد المسلم بناء سليما ، ليكون خطوة لبناء المجتمع السليم ، من خلال طرح سلوك الفرد القدوة كنموذج لجذب الاخرين لهذا السلوك ، وتكثير هذا النموذج من أجل تغيير المجتمع (( أنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) 11 ، الرعد وحسب الرؤية المنهجية لعمل حزب الدعوة الأسلامية ، فأن المجتمع أذا تغير نحو الأفضل وتسلح بالوعي الصحيح ، ستقود هذه النتيجة بشكل طبيعي الى التغيير في منظومة الحكم لصالح المجتمع ، فالحكومة العادلة هي ثمرة المجتمع الصالح الواعي، هذه الرؤية الدعوية المنهجية من الناحية النظرية صحيحة وسليمة ، لكنها من الناحية الواقعية تبدو في أعلى درجات المثالية ، ربما نحتاج الى مئات السنين حتى نصل الى هذا الهدف الذي يكاد أن يكون رومانسيا ، لكني أرى أن مجاهدي الحزب لم يخطر في بالهم تغيير المجتمع في المدى القريب ، لأن قناعة ألمنتمين للحزب أنهم يجاهدون في صفوف الحزب أبراء للذمة وطلبا لمرضاة الله تعالى .
هنا نطرح سؤالا أفتراضيا ، لأن الحزب قد أشترك في السلطة من الناحية الواقعية لكن السؤال يتبادر الى ذهن المراقب بعد أن يطلع على منهجية حزب الدعوة الأسلامية في العمل: أذا أتيحت للحزب فرصة أستلام السلطة ، هل سيرفضها أم لا ؟
من خلال ما جرى في العراق من تغيير في 2003 م ، نعرف أن حزب الدعوة الأسلامية هو أحد المشاركين الفاعلين في العملية السياسية الجديدة ، فالسؤال السابق أجاب عن نفسه ، لكن السؤال يفضي الى سؤال آخر : هل هذا يعني أن الحزب شارك في الحكومة قبل أن يصل الى مرحلة النضج ؟
وهذا السؤال ينطبق أيضا على الأحزاب والحركات الدينية الأخرى ، هل هي بلغت مرحلة النضج الكامل كي تشارك في السلطة بشكل ناجح ؟ وهل الأحزاب الدينية ستكتفي بأعضائها القدامى في تولي المسؤولية على أعتبار أنهم مستوعبون لتجربة الحزب أم ستستعين بشخصيات جديدة تنضم الى صفوف الحزب ؟ وهنا يحصل الأشكال ، هل يستطيع المنتمون الجدد عكس أخلاقيات ومبادئ الحزب الذي ينتمون أليه أم أنهم سيجلبون النكد والسمعة السيئة لهذه الأحزاب ؟
وللأنصاف لا يمكن لصق سلبيات كل حزب بالمنتمين الجدد فحسب ، بل قد يقع بعض المنتمين القدامى بأفضع الأخطاء المقصود منها وغير المقصود ، هذه الأسئلة والأشارات وقد يوجد غيرها ، تتبادر الى الذهن بشكل طبيعي ، ومن حق أي مواطن أن يطرحها ، وسنجيب على بعض هذه الأسئلة والأشارات فيما بقي من حلقات بعونه تعالى .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat