صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح151 سورة هود الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{96} 

تبين الاية الكريمة ان الله عز وجل ارسل موسى (ع) مصحوبا ومؤيدا بأمرين : 

1- ( بِآيَاتِنَا ) : دلائل اثبات الربوبية له جل وعلا . 

2- ( وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) : البراهين الباهرة والحجج الظاهرة .   

 

إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ{97}

بينت الاية الكريمة السابقة ان الله عز وجل ارسل موسى (ع) , لكنها لم تحدد الجهة التي ارسل اليها , فأتت الاية الكريمة لتبيان تلك الجهة ( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) , لم يؤمن فرعون بما جاء به موسى (ع) , فأمر بالكفر بدعوته (ع) وتبعه الملأ من القوم ( فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ ) , فلم يكن امره بسديد , انما كان امره غي وضلال ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) .       

 

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ{98} 

تبين الاية الكريمة ان فرعون يتقدم قومه يوم القيامة , حتى يدخلهم النار , (  وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) , "بئس الورد الذي يردونه النار ، لأن الورد وهو الماء الذي يورد إنما يراد لتسكين العطش ، وتبريد الاكباد ، والنار ضده ." تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني . 

 

وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ{99}

تضيف الاية الكريمة الى موضوع سابقتها الكريمة , انهم اكتسبوا اللعنة في الدنيا والاخرة , في الدنيا الهلاك والغرق , وفي القيامة موردهم النار , بئس ما ترادف عليهم من عذاب في الدارين . 

 

ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ{100}

تذّكر الاية الكريمة ان تلك الاخبار عن القرى التي حل عليها العذاب والهلاك , نخبرك بما جرى فيها وعليها , ومنها لا تزال اثاره قائمة ( مِنْهَا قَآئِمٌ ) , ومنها قد محيت وطمست اثارها ( وَحَصِيدٌ ) .   

 

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ{101}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) : لم يقع عليهم الظلم من الله تعالى بدون سبب , بل وقع عليهم الظلم بالشرك والكفر وبسبب ما اقترفوا من معاصي واثام .  

2- ( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ ) : لم تنفعهم الهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى , في دفع ودرء العذاب عنهم .   

3- ( وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) : بل على العكس من ذلك , ما زادهم ما كانوا يعبدون من دون الله تعالى غير تخسير .      

 

وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{102}

تبين الاية الكريمة ان الله عز وجل كما اخذ القرى ( اهلها ) بسبب شركهم وكفرهم وجحودهم , فأنه عز وجل يأخذ غيرهم ان كفروا به جل وعلا وعصوا رسله , ( إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) , شديد الالم , صعب , موجع .     

 

إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ{103} 

تبين الاية الكريمة (  إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ) , ما جرى على الامم السابقة , (  لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ) , لمن خاف عقابه عز وجل في ذلك اليوم , واوردت الاية الكريمة شأنين ليوم الاخرة :       

1- ( ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ ) : يوما يجمع فيه الناس من الاولين والاخرين . 

2- ( وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ) : فيه عدة اراء : 

أ‌) يشهده جميع الخلائق ."تفسير الجلالين للسيوطي , تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني" . 

ب‌) يشهد عليه الانبياء والرسل . "القمي" . 

ت‌) وقيل مشهود فيه أهل السموات والارضين . "القمي" .     

 

وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ{104}

تبين الاية الكريمة ( وَمَا نُؤَخِّرُهُ ) يوم القيامة , ( إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ) , إلا لانتهاء مدة معدودة في علمه عز وجل , لا تزيد ولا تنقص عن تقديره لها بحكمته جل وعلا .  

 

يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ{105}

تبين الاية الكريمة خاصتين لذلك اليوم : 

1- ( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) : لا يسمح فيه بالكلام من دون اذنه جل وعلا , وتجدر الاشارة الى ان ذلك في موطن من مواطن يوم القيامة وفي اية كريمة اخرى {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً }النبأ38 , اما الايتين الكريمتين ( هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ{35} وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ{36} ) سورة المرسلات , في موطن اخر من مواطن ذلك اليوم .  

2- ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ ) , مستحقا للعقوبة والعذاب , ( وَسَعِيدٌ ) , من وجبت له الجنة والثواب الجزيل .       

 

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{106}

تبين الاية الكريمة ان من استوجب العذاب والعقاب (  فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ ) فمستقرهم النار (  فَفِي النَّارِ ) .    

(  زفير) صوت شديد (وشهيق) صوت ضعيف ."تفسير الجلالين للسيوطي" , دل بهما على شدة كربهم وغمهم . " تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني". 

 

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107}

تبين الاية الكريمة انهم سيخلدون فيها ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) , هذا النص المبارك مما يؤكد عذاب القبر , ففي يوم الاخرة لا توجد سماوات ولا ارض , ( إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ) , لكن هناك عصاة سيمكثون فيها مدة محددة , فأنهم سيخرجون منها وفقا لمشيئته جل وعلا , ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) .  

 

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ{108} 

تنعطف الاية الكريمة الى الجانب الاخر ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ ) , فهؤلاء يكون مستقرهم الجنة ( فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) , ويلاحظ ان هذه الجنة ليست في الاخرة بل في الدنيا , وهي مما تؤكد ثواب البرزخ , فبعد قيام الساعة لن تبقى لا سماوات ولا ارض , ( إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) , بعض الموحدين من اهل المعاصي والذنوب , سوف يتأخر دخولهم في الجنة , حتى يتم استيفاء العقوبات اللازمة لما اقترفوا من الذنوب , وبعد انتهاءها سيدخلون الجنة , ( عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) , غير مقطوع .  

 

فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ{109}

تخاطب الاية الكريمة الرسول الاكرم محمد (ص واله) والمعني بها المسلمين , وفيها شيئا من التسلية له (ص واله) كما ذهب الى ذلك السيوطي في تفسير الجلالين والفيض الكاشاني في تفسير الصافي ج2 , ( فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ ) , شك , ( مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ ) , حالهم في الشرك حال اباءهم , والعذاب واقع بهم كما وقع على اباءهم من قبل , ( وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ) , حظهم من العذاب واقع بهم لا محال كاملا تاما من غير نقيصة فيه .   

 

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ{110} 

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) : كما اختلف الناس في القران الكريم , فقد اختلف قوم موسى بتوراتهم , فمنهم من امن بها , ومنهم من كفر بها . 

2- ( وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) : الانظار وتأخير الحساب الى يوم القيامة , ولو لا ذاك لقضي بينهم في الدنيا . 

3- ( وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) : ( وَإِنَّهُمْ ) الكفار , ( لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ) من القران , ( مُرِيبٍ ) موقع للريبة .   

 

وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{111}

تبين الاية الكريمة على نحو التأكيد (  وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ) , الجميع وبدون استثناء , كل سينال حسب عمله , (  إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) , لا يفوته شيء في الظاهر والباطن .   


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/09



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح151 سورة هود الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net