بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{96}
تبين الاية الكريمة ان الله عز وجل ارسل موسى (ع) مصحوبا ومؤيدا بأمرين :
1- ( بِآيَاتِنَا ) : دلائل اثبات الربوبية له جل وعلا .
2- ( وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) : البراهين الباهرة والحجج الظاهرة .
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ{97}
بينت الاية الكريمة السابقة ان الله عز وجل ارسل موسى (ع) , لكنها لم تحدد الجهة التي ارسل اليها , فأتت الاية الكريمة لتبيان تلك الجهة ( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) , لم يؤمن فرعون بما جاء به موسى (ع) , فأمر بالكفر بدعوته (ع) وتبعه الملأ من القوم ( فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ ) , فلم يكن امره بسديد , انما كان امره غي وضلال ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) .
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ{98}
تبين الاية الكريمة ان فرعون يتقدم قومه يوم القيامة , حتى يدخلهم النار , ( وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) , "بئس الورد الذي يردونه النار ، لأن الورد وهو الماء الذي يورد إنما يراد لتسكين العطش ، وتبريد الاكباد ، والنار ضده ." تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني .
وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ{99}
تضيف الاية الكريمة الى موضوع سابقتها الكريمة , انهم اكتسبوا اللعنة في الدنيا والاخرة , في الدنيا الهلاك والغرق , وفي القيامة موردهم النار , بئس ما ترادف عليهم من عذاب في الدارين .
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ{100}
تذّكر الاية الكريمة ان تلك الاخبار عن القرى التي حل عليها العذاب والهلاك , نخبرك بما جرى فيها وعليها , ومنها لا تزال اثاره قائمة ( مِنْهَا قَآئِمٌ ) , ومنها قد محيت وطمست اثارها ( وَحَصِيدٌ ) .
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ{101}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) : لم يقع عليهم الظلم من الله تعالى بدون سبب , بل وقع عليهم الظلم بالشرك والكفر وبسبب ما اقترفوا من معاصي واثام .
2- ( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ ) : لم تنفعهم الهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى , في دفع ودرء العذاب عنهم .
3- ( وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) : بل على العكس من ذلك , ما زادهم ما كانوا يعبدون من دون الله تعالى غير تخسير .
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{102}
تبين الاية الكريمة ان الله عز وجل كما اخذ القرى ( اهلها ) بسبب شركهم وكفرهم وجحودهم , فأنه عز وجل يأخذ غيرهم ان كفروا به جل وعلا وعصوا رسله , ( إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) , شديد الالم , صعب , موجع .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ{103}
تبين الاية الكريمة ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ) , ما جرى على الامم السابقة , ( لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ) , لمن خاف عقابه عز وجل في ذلك اليوم , واوردت الاية الكريمة شأنين ليوم الاخرة :
1- ( ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ ) : يوما يجمع فيه الناس من الاولين والاخرين .
2- ( وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ) : فيه عدة اراء :
أ) يشهده جميع الخلائق ."تفسير الجلالين للسيوطي , تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني" .
ب) يشهد عليه الانبياء والرسل . "القمي" .
ت) وقيل مشهود فيه أهل السموات والارضين . "القمي" .
وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ{104}
تبين الاية الكريمة ( وَمَا نُؤَخِّرُهُ ) يوم القيامة , ( إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ) , إلا لانتهاء مدة معدودة في علمه عز وجل , لا تزيد ولا تنقص عن تقديره لها بحكمته جل وعلا .
يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ{105}
تبين الاية الكريمة خاصتين لذلك اليوم :
1- ( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) : لا يسمح فيه بالكلام من دون اذنه جل وعلا , وتجدر الاشارة الى ان ذلك في موطن من مواطن يوم القيامة وفي اية كريمة اخرى {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً }النبأ38 , اما الايتين الكريمتين ( هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ{35} وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ{36} ) سورة المرسلات , في موطن اخر من مواطن ذلك اليوم .
2- ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ ) , مستحقا للعقوبة والعذاب , ( وَسَعِيدٌ ) , من وجبت له الجنة والثواب الجزيل .
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{106}
تبين الاية الكريمة ان من استوجب العذاب والعقاب ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ ) فمستقرهم النار ( فَفِي النَّارِ ) .
( زفير) صوت شديد (وشهيق) صوت ضعيف ."تفسير الجلالين للسيوطي" , دل بهما على شدة كربهم وغمهم . " تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني".
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107}
تبين الاية الكريمة انهم سيخلدون فيها ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) , هذا النص المبارك مما يؤكد عذاب القبر , ففي يوم الاخرة لا توجد سماوات ولا ارض , ( إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ) , لكن هناك عصاة سيمكثون فيها مدة محددة , فأنهم سيخرجون منها وفقا لمشيئته جل وعلا , ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) .
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ{108}
تنعطف الاية الكريمة الى الجانب الاخر ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ ) , فهؤلاء يكون مستقرهم الجنة ( فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) , ويلاحظ ان هذه الجنة ليست في الاخرة بل في الدنيا , وهي مما تؤكد ثواب البرزخ , فبعد قيام الساعة لن تبقى لا سماوات ولا ارض , ( إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) , بعض الموحدين من اهل المعاصي والذنوب , سوف يتأخر دخولهم في الجنة , حتى يتم استيفاء العقوبات اللازمة لما اقترفوا من الذنوب , وبعد انتهاءها سيدخلون الجنة , ( عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) , غير مقطوع .
فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ{109}
تخاطب الاية الكريمة الرسول الاكرم محمد (ص واله) والمعني بها المسلمين , وفيها شيئا من التسلية له (ص واله) كما ذهب الى ذلك السيوطي في تفسير الجلالين والفيض الكاشاني في تفسير الصافي ج2 , ( فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ ) , شك , ( مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ ) , حالهم في الشرك حال اباءهم , والعذاب واقع بهم كما وقع على اباءهم من قبل , ( وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ) , حظهم من العذاب واقع بهم لا محال كاملا تاما من غير نقيصة فيه .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ{110}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) : كما اختلف الناس في القران الكريم , فقد اختلف قوم موسى بتوراتهم , فمنهم من امن بها , ومنهم من كفر بها .
2- ( وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) : الانظار وتأخير الحساب الى يوم القيامة , ولو لا ذاك لقضي بينهم في الدنيا .
3- ( وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) : ( وَإِنَّهُمْ ) الكفار , ( لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ) من القران , ( مُرِيبٍ ) موقع للريبة .
وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{111}
تبين الاية الكريمة على نحو التأكيد ( وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ) , الجميع وبدون استثناء , كل سينال حسب عمله , ( إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) , لا يفوته شيء في الظاهر والباطن . |