صفحة الكاتب : د . حميد حسون بجية

الخنس الجوار الكنس: هل هي الثقوب السوداء؟
د . حميد حسون بجية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
 فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم(التكوير|15-19)
تطرقنا في مقالات سابقة إلى أن القرآن الكريم هو كتاب هداية بالأساس وأن ما يرد فيه من تلميحات علمية إنما هو دليل على ما يحتويه من إعجاز، يضاف إلى معجزته الأساسية المتمثلة بإعجازه اللغوي.                                                                                       
    و لنبدأ بعمر الكون لأنه ذو علاقة كبيرة بالموضوع: فقد كانت هنالك عدة نظريات في السابق تقدر عمر الكون بين 15 مليار سنة و10 مليارات و11 مليار و13 مليار ونصف. إلى أن حسم الأمر تلسكوب هابل من أن عمر الكون 12 مليار سنة             (الموسوعة الكونية الكبرى، 2008: 382). وقد يتغير التقدير بعد ابتكار نوع آخر من التلسكوبات.                                                                              
ومن حيث اللغة ورد في معجم مقاييس اللغة لابن فارس أن معنى (خنسَ)استخفى وتستر. و(الجوار) أي الجارية في أفلاكها، والجري هو المر السريع. أما (الكنس) فتعني (سفر شيء عن وجه شيء وإزالته) وكذلك المتسترة (في مغارة) مثلا.                                                                 
  فما هو الثقب الأسود؟ ورد في موسوعة ويكيبيديا ما يلي: الثقب  الأسود  
    "هو منطقة في الفضاء تحوي كتلة كبيرة في حجم صغير يسمى بالحجم الحرج لهذه الكتلة، والذي عند الوصول إليه تبدأ المادة بالانضغاط تحت تأثير جاذبيتها الخاصة، ويحدث فيها انهيار من نوع خاص بفعل الجاذبية ينتج عن القوة العكسية للانفجار، حيث أن هذه القوة تضغط النجم وتجعله صغيرًا جدًا وذا جاذبية قوية خارقة. وتزداد كثافة الجسم (نتيجة تداخل جسيمات ذراته وانعدام الفراغ البيني بين الجزيئات)".
  كما ورد في موسوعة القرن(لاروس) الجزء الأول(2006: 312) أن الثقوب السوداء (أشياء) سماوية افتراضية تنبأت النظرية النسبية بوجودها، وهي ربما تكون (كواكب) تعاني من انهيار جاذبي. ولها من قوة الجاذبية ما لا يدع مجالا لأي شيء للإفلات منها، بما في ذلك الضوء. وهي عظيمة الكتلة، إذ أن كتلة بعضها تبلغ 3 أو 4 مرات كتلة الشمس. والثقب الأسود عصي على الرؤية، لكن له تأثيرات جاذبية وكهرومغناطيسية في المادة التي تحيط به، ما يجعل من استكشافها ممكنا. وفي عام 1971، توصل العلماء إلى مراقبة أحد الثقوب السوداء باستخدام أشعة أكس أو الأشعة السينية،  في كوكبة الدجاجة(س-ا). وكانت كتلته بقدر كتلة الشمس 10 مرات. ويظن الآن أن هنالك ثقوبا سوداء تساوي كتلتها عدة ملايين مرة كتلة الشمس. وهي تتوزع في مراكز أغلب المجرات. وهي نشطة جدا في المجرات حديثة التكوين أي الشابة. فهي تتكون عندما تنهار النجوم. وتبدأ بالنمو كلما ابتلعت مزيدا من المادة. ثم أنها تكون أكثر هدوءا فيما بعد، فيصعب اكتشافها في المجرات المسنة. ومن النوع الأخير مجرتنا التي يوجد فيها ثقب أسود يتستر في أرجائها.                                 
 وكان لذلك حكاية طريفة(راجع دليل السماء والنجوم، د. عبد الرحيم بدر، 1981: 95-96). فقد لاحظ العلماء ظاهرة غريبة جدا في السماء. وهي عبارة عن انبعاث أشعة سينية هائلة القوة تصل إلينا من بعد آلاف من السنين الضوئية. كما وجدوا أن الأشعة تنطلق من نجوم ضخمة، ومن جانب واحد منها فقط. ثم أتهم وجدوا أن هذه النجوم ثنائية، لكن مكونها الآخر لا يمكن رؤيته. كما وجدوا أن الأشعة تنطلق من مكان بين المكونين. وتوقعوا أن النجم غير المرئي صغير جدا. وكثافته عالية، وهو يسحب مادة المكون الآخر الضخم بقوة تؤدي إلى إطلاق الأشعة السينية. وحقيقة هذا الجرم أن نويات ذراته قد التحمت بحيث أصبح الجرم كله نواة واحدة. وربما حدث نتيجة انفجار سوبرنوفا(النجوم شديدة التوهج). والثقب الأسود يسير بسرعة هائلة تقترب من 90% من سرعة الضوء. ويختفي الزمان                                                           
 والمكان من الأجرام التي يبتلعها(العاملي، 2010: 533).                                
ولو افترضنا أن شمسنا تحولت إلى ثقب أسود، فستتحول إلى جرم قطره 6 كيلومترات فقط، ولكنه يحتفظ بنفس وزن الشمس وله نفس جاذبيتها. وبهذه الكثافة الهائلة، سيبدأ الجرم بجذب كل شيء إليه، ولا يسمح حتى للضوء أن يفلت منه. وهو لذلك لا يُرى. وهذا هو السبب في تسميته بالثقب الأسود.
   والثقب الأسود هو نجم في حال انهيار، لأن النجوم تمر بمراحل هي الولادة والشباب ثم الانهيار. " ولو طلبنا من علماء الفلك أن يعرفوا لنا هذه المخلوقات العجيبة تعريفا علميا مطابقا لأحدث ما وصلوا إليه، فإنهم سيقولون: الثقوب السوداء تجذب وتبتلع وتكنس كل ما تجده في طريقها كنسا." أسامة نعيم(2008: 34-35)                         
 ونرى أن وصف القرآن الكريم للثقوب السوداء على قدر كبير جدا من الدقة: فهي تخنس أي لا ترى، لذلك سمي الشيطان ب(الخناس) لأنه لا يُرى؛ وهي جوار لأنها تجري وتسير بسرعة؛ وهي كنس لأنها تجذب إليها كل شيء قريب منها وتضمه إليها بشدة. والتسمية القرآنية أكثر دقة من تسمية العلماء(الثقوب السوداء) فكلمة (ثقب) تعني فراغا، وهي نجوم ذات أوزان ثقيلة جدا وليست فراغا؛ كما أن كلمة (سوداء) غير دقيقة علميا فهي لا لون لها لأنها لا تصدر أشعة مرئية.  
ولم يمر علماء الفلك بظاهرة الثقوب السوداء مرور الكرام، بل أنهم وضعوا تساؤلات عديدة تخص ماهية الكون وبدايته ونهايته(أنظر عظيموف، 1976: 253). وأول تلك الأسئلة: هل ينتهي الكون كله على هيئة ثقوب سوداء؟ ولو صح ذلك، فكيف كانت بداية الكون؟ هل كانت المادة التي انفجرت على هيئة ما يسمى (الانفجار الكبير أو الانفجار المدوي) مجرد ثقب أسود؟ وكيف انفجرت؟ هل يشكل الكون الحالي ثقبا أسود؟ وما الذي يحدث للمادة عندما يبتلعها ثقب أسود؟ هل تتحول إلى انفجار كبير في الجانب الآخر؟ وهل يمكن أن يتحول كل ثقب أسود إلى (ثقب أبيض) يولّد أكوانا أخرى في أماكن أخرى من الكون؟ وهل أن الكوازارات هي  في حقيقتها ثقوب بيضاء؟
ومما لاشك فيه أن معرفة ما يحدث للثقوب السوداء سيساعد في فهم نشأة الكون وتطوره ومستقبله. فسبحان الخلاق العظيم!!!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد حسون بجية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/30



كتابة تعليق لموضوع : الخنس الجوار الكنس: هل هي الثقوب السوداء؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net