السياسة: من المنظور الإسلامي
السيد يوسف البيومي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كثرت النظريات والتعريفات والآراء حول السياسة، كل حاول التنظير فيها من منظوره وحسب أهواءه، فمنهم من يرى أن مبادئ السياسية تبنى على: "الغاية تبرر الوسيلة".
وفي الاصطلاح السياسي هي رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية. وهي أيضاً دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة. أما من منظور الشيوعية فإنها دراسة العلاقات بين الطبقات، وبالنسبة لأصحاب المدرسة الواقعية السياسة هي: "فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعياً". وقد فهم البعض مقولة "السياسة فن الممكن" أنه الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة".
أما المنظور الإسلامي الشرعي للسياسة حسب ما عبر عنه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) حيث قال: "هي أن تراعي حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات. فأما حقوق الله، فأداء ما طلب، والاجتناب عما نهى. وأما حقوق الإحياء، فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخر عن خدمة أمتك، وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السوي. وأما حقوق الأموات، فهي أن تذكر خيراتهم، وتتغاضى عن مساوئهم، فإن لهم رباً يحاسبهم"(1).
وقد انتهج هذا النهج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث تضمن عهده (عليه السلام) الخطوط العريضة للسياسة العامة التي يجب أن ينتهجها الحكام في كل عصر على أساس المنطلقات الإنسانية الإسلامية التي تهدف إلى تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تنظيماً دقيقاً وبناء العلاقات الداخلية في المجتمع الإسلامي على أساس العدل والحرية والمساواة سواءاً كان تعامل الحاكم مع الشعب أو مع رجال السلطة وفق سياسة تكفل للجميع الاستقرار والتقدم، وكما يوضح أسس العلاقات الخارجية مع العدو والصديق بشكل يحفظ للأمة كرامتها وعزتها واستقلالها التام. والذي يمكن ملاحظته في الدولة التي تشكلت في عهد الإمام علي(عليه السلام) هي دولة قائمة على النظام المركزي وهو خضوع المرؤوس للرئيس وتلقي تعليماته وتنفيذها من جهة أخرى.
من هنا فإن السياسة الإسلامية وضعت المبادئ العامة التي وقع فيها الآخرون، ولكن للآسف فإن الكثيرون من الذين حكموا بأسم الإسلام قديماً وحديثاً لم يفلحوا في تطبيق تلك المبادئ التي وضعتها هذه الديانة السمحة، بل على العكس من هذا فقد طبقوا سياسة التعسف والإقصاء والظلم كل هذا بأسم الدين الإسلامي والذي هو منهم براء.
ولكي نرى ما فعله أمير المؤمنين من حين توليه السلطة فقد قام على تغيير البناء السياسي والتشكيلة الوزارية التي كانت قبله. فاعتمد على عزل العناصر الفاسدة واستبدل مكانها العناصر المؤمنة واصحاب السمعة الجيدة في الوسط الاجتماعي والسياسي والذين كان لهم بعد ذلك دور كبير في دولته وحكومته أمثال مالك الاشتر وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس وغيرهم من الوجوه المعروفة بالورع والإيمان. ثم انه من الركائز الأخرى التي انتهجها هو عدم انحجابه عن الناس والمؤمنين والجلوس لسماع مشاكلهم مع السلطة والموظفين مما يكون ذلك سبباً للمتابعة فضلاً عن وضع شرطه سرية ترصد حركات الموظفين والعمال الحكوميين مما يساعد الإمام على سياسة العزل والتنصيب وأيضا التأمين الاجتماعي للعاطلين والعاجزين عن العمل بحيث يصرف لهم من بيت المال راتباً شهرياً وانعاش الاقتصاد عبر نظام اقتصادي يتيح للفرد التملك ضمن سياسة إحياء الأراضي فكان الإمام علي(عليه السلام) يشجع على التنمية الاقتصادية والزراعية فضلاً عن إلغاء المحسوبية والرشوة والطرق الملتوية في نظام الحكم الجديد واعتماده على المساواة وإلغاء الحواجز العنصرية في سبيل مجتمع متكامل.
فالسياسة والحكومة الإسلامية يجب أن تكون انعكاس عن الشريعة وهي (أي الشريعة) انعكاس عن الله عز وجل. فالله سبحانه وتعالى متمثل في حكم الدولة، والدولة تمثل الله هكذا كانت رؤية الإمام علي (عليه السلام) في الحكم وانه لا يتخذ قراراً أو حكماً إلا ويقدم أمر الدين على كل حساب. فإن السياسة ليست بالأمر دنيوي مبني على الدهاء والمكر بعيداً عن المرؤة والصدق وعلى المقلب الآخر وفي المعسكر المغاير للإمام علي (عليه السلام) رجالاً دنيويين لا يبالون امراً ولا نهياً من أوامر الدين ونواهيه.
وفي الخلاصة فهناك تباين بين الرؤى السياسية:
حيث أن السياسة الإسلامية تباين السياسة العالمية ـ اليوم ـ في آصولها وفروعها، فالسياسة الإسلامية هي غير السياسة المعاصرة التي تمارسها معظم الدول تماماً.
ذلك: لأن الإسلام يسير في سياسته مزيجاً من الادارة والعدل، والحب الشامل، وحفظ كرامة الانسان، وتقييم دم الإنسان، فهو يحاول أن لا تراق قطره دم دون حق، أو تهان كرامة شخص واحد جوراً، أو يظلم إنسان واحد بل وحتى حيوان واحد.
أما السياسة في المفاهيم الوضعية ـ كما أسلفنا ـ فهي القدرة على ادارة دفة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلفت هذه الأمور من: تهدير كرامات، وإراقة دماء، وكبت حريات، وابتزاز أموال وظلم وأجحاف ونحو ذلك. فما دام الحكم له والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة وانها لتبرر الواسطة، وان كانت الواسطة إراقة دماء الألوف والملايين جوراً وظلماً. وهذا هو منطق السياسة الممارسة في أغلب بلاد العالم اليوم.
ولكي يظهر لنا مفهوم السياسة في الإسلام ومفهوم السياسة المعاصرة في أغلب البلاد في العالم ولكي ينجلي لنا البون الشاسع بين السياستين، نضع أمامنا أمثلة وممارسات واقعية لكل واحد من السياستين.
أما السياسة الإسلامية كما أوضحنا فإنها بنيت على أسس العدل الكامل والكرامة الانسانية والعفو بجنب الصمود والقوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حياة الحسن «عليه السلام» للقرشي: ج1 ص142 و 143 عن مجلة العرفان: ج4 جزء 3 نقلاً عن التذكرة المعلوفية: ج9 والإمام الحسن بن علي، لمحمد علي دخيل ص52 و 53، وسيرة الأئمة الأثني عشر ج1 ص525.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
السيد يوسف البيومي

كثرت النظريات والتعريفات والآراء حول السياسة، كل حاول التنظير فيها من منظوره وحسب أهواءه، فمنهم من يرى أن مبادئ السياسية تبنى على: "الغاية تبرر الوسيلة".
وفي الاصطلاح السياسي هي رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية. وهي أيضاً دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة. أما من منظور الشيوعية فإنها دراسة العلاقات بين الطبقات، وبالنسبة لأصحاب المدرسة الواقعية السياسة هي: "فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعياً". وقد فهم البعض مقولة "السياسة فن الممكن" أنه الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة".
أما المنظور الإسلامي الشرعي للسياسة حسب ما عبر عنه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) حيث قال: "هي أن تراعي حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات. فأما حقوق الله، فأداء ما طلب، والاجتناب عما نهى. وأما حقوق الإحياء، فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخر عن خدمة أمتك، وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السوي. وأما حقوق الأموات، فهي أن تذكر خيراتهم، وتتغاضى عن مساوئهم، فإن لهم رباً يحاسبهم"(1).
وقد انتهج هذا النهج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث تضمن عهده (عليه السلام) الخطوط العريضة للسياسة العامة التي يجب أن ينتهجها الحكام في كل عصر على أساس المنطلقات الإنسانية الإسلامية التي تهدف إلى تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تنظيماً دقيقاً وبناء العلاقات الداخلية في المجتمع الإسلامي على أساس العدل والحرية والمساواة سواءاً كان تعامل الحاكم مع الشعب أو مع رجال السلطة وفق سياسة تكفل للجميع الاستقرار والتقدم، وكما يوضح أسس العلاقات الخارجية مع العدو والصديق بشكل يحفظ للأمة كرامتها وعزتها واستقلالها التام. والذي يمكن ملاحظته في الدولة التي تشكلت في عهد الإمام علي(عليه السلام) هي دولة قائمة على النظام المركزي وهو خضوع المرؤوس للرئيس وتلقي تعليماته وتنفيذها من جهة أخرى.
من هنا فإن السياسة الإسلامية وضعت المبادئ العامة التي وقع فيها الآخرون، ولكن للآسف فإن الكثيرون من الذين حكموا بأسم الإسلام قديماً وحديثاً لم يفلحوا في تطبيق تلك المبادئ التي وضعتها هذه الديانة السمحة، بل على العكس من هذا فقد طبقوا سياسة التعسف والإقصاء والظلم كل هذا بأسم الدين الإسلامي والذي هو منهم براء.
ولكي نرى ما فعله أمير المؤمنين من حين توليه السلطة فقد قام على تغيير البناء السياسي والتشكيلة الوزارية التي كانت قبله. فاعتمد على عزل العناصر الفاسدة واستبدل مكانها العناصر المؤمنة واصحاب السمعة الجيدة في الوسط الاجتماعي والسياسي والذين كان لهم بعد ذلك دور كبير في دولته وحكومته أمثال مالك الاشتر وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس وغيرهم من الوجوه المعروفة بالورع والإيمان. ثم انه من الركائز الأخرى التي انتهجها هو عدم انحجابه عن الناس والمؤمنين والجلوس لسماع مشاكلهم مع السلطة والموظفين مما يكون ذلك سبباً للمتابعة فضلاً عن وضع شرطه سرية ترصد حركات الموظفين والعمال الحكوميين مما يساعد الإمام على سياسة العزل والتنصيب وأيضا التأمين الاجتماعي للعاطلين والعاجزين عن العمل بحيث يصرف لهم من بيت المال راتباً شهرياً وانعاش الاقتصاد عبر نظام اقتصادي يتيح للفرد التملك ضمن سياسة إحياء الأراضي فكان الإمام علي(عليه السلام) يشجع على التنمية الاقتصادية والزراعية فضلاً عن إلغاء المحسوبية والرشوة والطرق الملتوية في نظام الحكم الجديد واعتماده على المساواة وإلغاء الحواجز العنصرية في سبيل مجتمع متكامل.
فالسياسة والحكومة الإسلامية يجب أن تكون انعكاس عن الشريعة وهي (أي الشريعة) انعكاس عن الله عز وجل. فالله سبحانه وتعالى متمثل في حكم الدولة، والدولة تمثل الله هكذا كانت رؤية الإمام علي (عليه السلام) في الحكم وانه لا يتخذ قراراً أو حكماً إلا ويقدم أمر الدين على كل حساب. فإن السياسة ليست بالأمر دنيوي مبني على الدهاء والمكر بعيداً عن المرؤة والصدق وعلى المقلب الآخر وفي المعسكر المغاير للإمام علي (عليه السلام) رجالاً دنيويين لا يبالون امراً ولا نهياً من أوامر الدين ونواهيه.
وفي الخلاصة فهناك تباين بين الرؤى السياسية:
حيث أن السياسة الإسلامية تباين السياسة العالمية ـ اليوم ـ في آصولها وفروعها، فالسياسة الإسلامية هي غير السياسة المعاصرة التي تمارسها معظم الدول تماماً.
ذلك: لأن الإسلام يسير في سياسته مزيجاً من الادارة والعدل، والحب الشامل، وحفظ كرامة الانسان، وتقييم دم الإنسان، فهو يحاول أن لا تراق قطره دم دون حق، أو تهان كرامة شخص واحد جوراً، أو يظلم إنسان واحد بل وحتى حيوان واحد.
أما السياسة في المفاهيم الوضعية ـ كما أسلفنا ـ فهي القدرة على ادارة دفة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلفت هذه الأمور من: تهدير كرامات، وإراقة دماء، وكبت حريات، وابتزاز أموال وظلم وأجحاف ونحو ذلك. فما دام الحكم له والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة وانها لتبرر الواسطة، وان كانت الواسطة إراقة دماء الألوف والملايين جوراً وظلماً. وهذا هو منطق السياسة الممارسة في أغلب بلاد العالم اليوم.
ولكي يظهر لنا مفهوم السياسة في الإسلام ومفهوم السياسة المعاصرة في أغلب البلاد في العالم ولكي ينجلي لنا البون الشاسع بين السياستين، نضع أمامنا أمثلة وممارسات واقعية لكل واحد من السياستين.
أما السياسة الإسلامية كما أوضحنا فإنها بنيت على أسس العدل الكامل والكرامة الانسانية والعفو بجنب الصمود والقوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حياة الحسن «عليه السلام» للقرشي: ج1 ص142 و 143 عن مجلة العرفان: ج4 جزء 3 نقلاً عن التذكرة المعلوفية: ج9 والإمام الحسن بن علي، لمحمد علي دخيل ص52 و 53، وسيرة الأئمة الأثني عشر ج1 ص525.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat