بإشراف الاستاذ ا. د/ كمال احمد شريف
الاستاذ ا. م. د/وائل محمد عنان
بعنوان : سيميولوجية دلالة الاشياء على المتلقي ونظم الاتصال
والدلالة في الدراما والافلام الكردية.
1- المقدمة
2- مفهوم السيمولوجيا:
3- التعريف الاصطلاحي للسيميولوجيا :
4- السيمولوجيا semiology
5- تعريف المصطلح كلغة
6- تعريف المصطلح عند الباحثين الغربيين :
7- تعريف دي سوسير :للسيمولوجيا:
8- تعريف بيرس للسيمولوجيا:
9- تعريف رولان بارت للسيميولوجيا :
10- تعريف المصطلح عند العرب:
11- تعريف الدلالة لغة:
12- تعريف الدلالة اصطلاحاً:
13- ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه:
14- كل أمر يفهم منه أمر سواه حيث الامر الاول الدال و الأمر الثاني المدلول:
15- اقسام الدلالات:
16- دلالة شي ء على شيء اخر لابد أن تكون واحدة من الدلالات الثلاث التالية:
- اولا: فهي إما أن تكون دلالة عقلية بحتة:
- ثانيا: و إما أن تكون دلالة طبيعية :
- ثالثا: وإما ان تكون دلالة وضعية:
17- الدلالة في الفلم السينمائي :
18- السينما كلغة فيلميه و كلغة التعامل
19- السيمولوجيا و الدلالات و الفن السينمائي
20- الصورة كعلامات تعبيرية في الفلم السينمائي و الدراما التليفزيونية
21- اللقطة كدلالة على التعبير و التفسير على المشاهد
22- اللون كدلالات في السينما و التليفزيون
23- دراسة اللون وخصائص علاقته بالإضاءة والديكور
24- استخدام الاضاءة كدلالات رمزية و تعبيرية
25- التكوين كدلالة معينة ضمن اطار اللقطة
26- المضمون كدلالات في الافلام و تاثيره على المشاهد
27- المكان كدلالات رمزية في الصورة السينمائية و تاثيره على المشاهد
28- الحوارات و الاصوات و المؤثرات الصوتية كدلالات و تاثيره على المشاهد
29- التمثيل و الشخصيات كدلالة في الافلام السينمائية و تاثيرهم على المشاهد
30- الدلالات في الافلام الكردية و تاثيرهم على المشاهد بصورة عامة
31- ((السلاحف أيضاً تطير))*
32- مقتطف صغير عن الفيلم
33- ((بيريتان))*
34- مقتطف صغير عن الفيلم
المقدمة-SUBMITTED :
لا أحد يستطيع أن ينكر الإنجاز الكبير الّذي حقّقته السيميولوجيا (SEMIOLOGIE) في حقل الدراسات اللغوية والأدبية وفي الآونة الاخيرة في مجالات السينمائية، بما امتلكته من إجراءات وآليات حداثوية، قادرة على استيعاب الفضاءات الجمالية للنص الأدبي و الفيلم السينمائي. لقد تمكنت هذه المدرسة من لمس مناطق الإثارة الحساسة للإبداع الإنساني، وهذا في محاولة منها لتأسيس منهج علمي قادر على فضح الاستغواءات والميكانيزمات الجمالية للعملية الإبداعية، في شتى المجالات رغبة منها في تحقيق الوجود الكينوني للنص الأدبي والفيلم السينمائي بل و حتى الدراما التليفزيونية.
مفهوم: السيمولوجياTHE TERMINOLOGICAL SIMEOLOGIA DEFINITION:
إن كلمة سيميولوجيا Semiologyمن أصل اليوناني Sémion أو Sémaine والمتولدة هي الأخرى من الكلمة Sémo وتعني العلامة (الدليل) Signe وهي بالأساس الصفة المنسوبة إلى الكلمة الأصل (Sens) أي المعنى أما عن لفضه "لوجيا" Logie فتعني العلم، وبالتالي فإن كلمة السيميولوجيا أو السيميوطيقا من الناحية اللغوية تعني علم العلامات( 1).
تكوينيا الكلمة آتية من الأصل اليوناني Sémeion الذي يعني العلامة وLogos الذي يعني الخطاب الذي نجده مستعملا في كلمات من Sociologie مثل علم الاجتماع، Théologie علم الأديان (اللاهوت)، Biologie علم الأحياء Zoologie علم الحيوان، ....الخ وبامتداد أكبر كلمة Logos تعني علم هكذا يصبح تعريف السيميولوجيا على النحو التالي : "علم العلامات" إنه هكذا على الأقل يعرفها "ف. دوسوسور"(2 ).
التعريف الاصطلاحي للسيميولوجيا - Concept Alsimologia :
إن السيميولوجيا أو السيموطيقا أو السيمياء، لدى داريسيها تعني علم دراسة العلامات دراسة منظمة و منتظمة ، فهي تدري مسيرة العلامات في كنف الحياة الاجتماعية و قوانينها التي تحكمها مثل أساليب التحية عند مختلف الشعوب و عادات الأكل و الشرب عندهم ... الخ . إلا أن الأوروبيون يفضلون مصطلح السيميولوجيا إلتزاما منهم بالتسمية السوسرية نسبة إلى " دي سوير " . أما الأمريكيون فيفضلون مصطلح السيميوطيقا التي جاء بها المفكر و الفيلسوف الأمريكي " تشارلز سندرس بيري " أما العرب خاصة أهل المغرب العربي فقد دعوا إلى ترجمتها بالسيمياء محاولة منهم في تعريب المصطلح
و كما يقول معجب الزهراني: إن السيمياء ترتبط بحقل دلالي لغوي ، ثقافي يحضر معها فيه كلمات مثل السمة و التسمية و الوسام و الوسم و الميسم والسيماء و السيمياء (بالقصر و المد) و التي تعني علم العلامة( 3).
السيمولوجيا SEMIOLOGY
هي علم العلامات أو الإشارات أو الدوال اللغوية أو الرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية .
تعريف المصطلح كلغة: Definition of the term
يدل مصطلح السيميولوجيا على علم الطب وموضوع دراسته العلامات الدالة علي المرض وكذلك في التراث الإغريقي تعد السيميوطيقا جزء لايتجزأ من علم الطب .
تعريف المصطلح عند الباحثين الغربيين : Definition of the term when Western scholars
يعتبر كلا من بيرس ودي سوسير مؤسس لعلم نقدي شامل هو علم السيميائيات وكلاهما أسس ذلك العلم من خلال الحديث عن علم العلامة وتصنيفاتها وميادين تنظيرها وكلاهما أسهم في إنعاش الحركة النقدية والمعرفية
تعريف دي سوسير للسيمولوجيا: The definition of de Saussure for Simologia
أطلق عليه اسم السيميولوجيا وهو علم موضوعه أنواع الدلالات والمعاني ويدرس حياة الرموز والدلالات المتداولة في الوسط المجتمعي ويوضح في كتابه ( دورس في اللغة العام ) أن اللغة نظام من العلامات التي تعبر عن الأفكار والعلامة اللغوية عنده هي كيان ثنائي المبني مكون من الدال والمدلول فالدال هو الصورة الحسية الصوتية والمدلول هو المفهوم او فكرة الصورة الصوتية الحسية والعلامة اللغوية ذات طبيعة اعتباطية أي لا ترتبط بدافع ولكنه ميز بين ثلاث علامات هي العلامة الرمزية والعلامة السمعية والعلامة البصرية( 4).
تعريف بيرس للسيمولوجيا:
Definition Pearce Simologia:
أطلق علي هذا العلم السيميولوجيا وهي تعني نظرية عامة للعلامات في الفكر الإنساني فهي صفة لنظرية عامة للعلامات والأنساق الدلالية في كافة أشكالها فهي بذلك تطابق علم المنطق لأنها نظرية جمعية تقوم خارج علم اللغة وهي كيان ثلاثي المبني ( المصورة ويقابلها الدال والمفسرة هي المدلول أم الموضوع فلا يوجد له مقابل ووضح أن هناك أنواع للعلامات هي العلامة الايقونية أو الصورية والعلامة المؤشرية أو الاشارية والعلامة الرمزية(5 ).
تعريف رولان بارت للسيميولوجيا : Roland Bathes definition for Simeologia:
ما هي إلا نسخة من المعرفة اللسانية وهو بذلك فسح المجال دراسة الأساطير واهتم بدراسة أنظمة من العلامات التي سقطت من سيميولوجية سوسير كالاطمعة والأزياء والخطابات ................الخ (6 ).
تعريف المصطلح عند العرب: Definition of the term when the Arabs
يبحث في التراث العربي دالة علي الكلمات المناظرة التي يمكن ان تؤدي بشكل تقريبي الدلالة اللغوية ويقع مصطلح السيميائية في الأدب العربي القديم وعلي الكهانة والسحر والسيمياء بالمفهوم القرسطي واقتفاء والأثر وغير ذلك من الإيماءات التي تبعده عن الإطار المعرفي الحديث( 7).
ومن هذا يتضح أن :مفهوم السيميولوجيا :علم العلامات أو الإشارات أو الدوال اللغوية والرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية وهذا يعني أنها تدرس كل ماهو لغوي وغير لغوي يتضح بشكل واضح بان السيمولوجيا هي علم الدلالات و مختص في تفسير الدلالات الحياتية المستخدمة في شتى المجالات كاللغة و الايقونات الحايتية و بما ان السينما و التليفيزيون ايضا معتمدا كليا على انها لغة منطقية ابجديتها صورة و دلالتها صورة و مدلولها صورة اخرى موضحة للصورة الدالة بمدلول معين لذا اقتضى دخول هذا العلم في مجال التفسير السينمائي للشرح و تفسير المدلولات السينمائية او بالاحرى الصورية
إن السيميولوجيا علم من العلوم، يخضع لضوابط ونواميسَ معينة كما هو الشأن بالنسبة إلى العلوم الأخرى. وهذا ما تنص عليه الكثير من التعاريف (سوسير –– بارت...). ولكن ثمة تعريفات وآراء أخرى تنظر إلى السيميولوجيا باعتبارها منهجا من المناهج، أو وسيلة من وسائل البحث. بحيث يشير مونان في موضع آخر إلى أن السيميولوجيا "وسيلة عمل" (INSTRUMENT DE TRAVAIL]؛ أي منهج من مناهج البحث. ومن هنا، نقف على شيء من الخلط في كلام مونان؛ فهو تارة يذكر السيميولوجيا على أنها علم عام يدرس العلامات المختلفة، وتارة يذكرها بوصفها منهجا بحْثيا. ونجد هذا الخلط بارزا عند بعض الدارسين العرب الذين يعرّفون السيميولوجيا بأنها علم أو دراسة (أي منهج) في الآن نفسه. يقول صاحبا (دليل الناقد الأدبي) مثلا : "السيميولوجيا (السيميوطيقا)، لدى دارسيها، تعني علم أو دراسة العلامات (الإشارات) دراسة منظمة منتظمة". والسيميوطيقا عند شارلز ساندرس بيرس (CHARLES SANDERS PEIRCE) "نظرية شبه ضرورية أو شكلية للعلامات"( 8).
إذاً، فنحن أمام ثلاثة آراء؛ رأي يعتبر السيميائيات علما، وثان يجعلها منهاجا، وثالث يتخذها نظرية عامة.ويبدو أن الدارسين العرب المعاصرين يتعاملون مع السيميائيات باعتبارها منهجا يساعد على فهم النصوص والأنساق العلامية وتأويلها. وهكذا، فإننا نقرأ بين الحين والآخر دراسات وأبحاثا يتوسل أصحابها بالسيميائيات بصفتها منهجا في المقاربة والدراسة
إن السيميولوجيا تدرس العلامات وأنساقها، سواء كانت هذه العلامات لسانية أم غير لسانية. يقول لويس برييطو (LUIS J. PRIETO) إن السيميولوجيا هي "العلم الذي يبحث في أنظمة العلامات أيّاً كان مصدرها لغويا أم سَنَنيا أم مؤشريا"( 9). إن للعلامات أهمية كبرى، تتجلى في كونها تحقق التواصل بين الناس في المجتمع. يقول كولن شيرّي (COLIN CHERRY) : "لا يوجد تواصل بدون نسق مكوَّن من دلائل"، ذلك بأن التواصل الإنساني –في جوهره- إنما هو "تبادل الدلائل (أو العلامات) بين بني البشر"). ونظرا إلى أهمية التواصل هذه، فقد نشأ في مجال السيميائيات اتجاه يعنى بالتواصل والإبلاغ( 10).
تعريف الدلالة لغة:
بفتح الدال أو كسرها اللفظان صحيحان . جمع دلائل دلالات ،و المصدر دل بمعنى ارشد.
تعريف الدلالة اصطلاحاً: Definition of significance idiomatically:
ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه:
مثال قوله تعالى "ولا تقل لهما اف" كلمة اف لفظ فهي دلالة لا بد و ان تدخل على مدلول و هو عدم الملل أو الضرب أو الشتم أو التافف.
كل أمر يفهم منه أمر سواه حيث الامر الاول الدال و الأمر الثاني المدلول:
ومعنى التعريف : ان الشيء اذا كان على حاله بحيث أذا علم ،علم منه شيء أخر سمي دالا .مثال: إشارة المرور الحمراء فالدال الإشارة الحمراء ، و المدلول هو المعنى المفهوم منها و هو أن الطريق خطر فلا تمر أو توقف.
اقسام الدلالات:
دلالة شي ء على شيء اخر لابد أن تكون واحدة من الدلالات الثلاث التالية:
أولا: فهي إما أن تكون دلالة عقلية بحتة: كدلالة الأثر على المؤثر ،و كذلك الحركة بالارادة على وجود الحياة ، و كدلالة حركة اليد على حركة الخاتم الموجود إصبع من اصابعها ،و كدلالة مسير السفينة في البحر على تحرك رُكابها وفق حركتها،و هكذا كل ملزوم إذ لازمه العقلي البحت(11 ).
ثانيا: وإما أن تكون دلالة طبيعية :
وهي الدلالة التي ليس بين الملزوم و اللازم فيها ارتباط عقلي، إلا أن النظام الذي وضعه الله في الطبيعة قد أوجد هذا الترابط فإذا سألنا العقل المجرد عن ملاحظة النظام الموجود في الطبيعة لم يجد تعليلا عقليا له ،غير ان الاختبار المتكرر للاحداث الطبيعية قد نبه إلى وجود هذا الترابط في الواقع ،و لكن ليس لدى العقل المجرد مانع من انفكاكه لو ثبت ذلك في الواقع و لو نادرا.
مثال ذلك: دلالة ارتفاع درجة حرارة الجسم الإنسان على حالة من حالات المرض، ودلالة التقيؤ و الإسهال الشديدين على الاصابة بمرض معدي، و دلالة حمرة الوجه على حالة الخجل في النفس، و دلالة صفرة الوجه على حالة الوجل في النفس، و دلالة الكلام على حياة الإنسان الذي يصدر عنه، و دلالة كثرة الامطار على السنة المخصبة ، و دلالة شحُها على السنة المجدبة . فهذه و أشباهها دلالات طبيعية ، لا يمنع العقل المجرد عن ملاحظة الواقع من تخلفها و عدم صدقها.
ثالثا: وإما ان تكون دلالة وضعية:
و هي دلالة شيء ما تواضع الناس في اصطلاحهم على أن يكون دالا على معنى معين و قد يكون هذا الشيء غير لفظي أو أن يكون لفظيا ،فأما كونه غير لفظي فهو الدلالة الوضعية غير اللفظية و هي الدلالة على المعاني دونما الفاظ( 12).
الدلالة في الفيلم السينمائي : Significance in the film
هو علم قائم بذاته يعرف " على انه دراسة المعنى ( 13)"، أي المعنى غير الظاهر اوالمبطن للموضوع، والدلالة أما ان تكون اعتباطية او ان تكون الدلالة مسببة، عندما تكون مبررة يكون الرابط بين الدال والمدلول طبيعي، وعندما تكون اعتباطية يكون الرابط بين الدال والمدلول اصطلاحي، الدلالة تخضع للحقيقة والمجاز اذ ان ممارسة اللغة تكثر الاستخدام العادي للدال والمدلول(14 )، ولابد ان ترتبط الدلالة بعلاقة اتفاقية أو اصطلاحية إذ لا وجود للعلاقة الاعتباطية في الفن السينمائي او غيره من الفنون، ويمكن تأويل الدلالة على أنها "الجمع بين الدال والمدلول اللذين، يشكلان وجهي العملة، أي تلك العلاقة المتبادلة التي تحدد العلامة المتكونة( 15)"و انا كدارس و من خلال بحثي عن معنى الدلالة اجد ان الدلالة هي إضفاء أبعاد تعبيرية ودرامية جديدة على المادة المصورة، وذلك بعقد علاقات متداخل جديدة بين مكونات اللقطة أو المشهد تكشف لنا عن المعنى او الدلالة المطلوبة. فإن تجربتنا مع السينما توحي بأن التعقيد الكبير للمعنى يمكن التعبير عنه من خلال الصورة. بالتالي، لأخذ مثال واضح، نلاحظ أن أكثر الكتب عاديةً وتفاهة وابتذالاً يمكن أن يتحول إلى فيلم مشوق جداً، مثير للاهتمام، ويحمل مغزى ودلالة. إن قراءة السيناريو هي عادةً تجربة غير ممتعة وغير مثمرة فكرياً.. وعاطفياً أيضاً. المعنى الضمني لهذا، أنه ليس فقط النظم التي كلياً "معتمدة على اعتباطية العلامة" تكون معبّرة وحافلة بالمعنى). العلامات الطبيعية لا يمكن أن تكون مرفوضة كما تصوّر سوسير. إنه هذا المطلب، بإعادة دمج العلامة الطبيعية في السيميولوجيا، الذي قاد كريستيان ميتز لأن يعلن بأن السينما هي بالفعل لغة، لكن لغة بلا نظام شفري. إنها لغة لأنها تملك نصوصاً. ثمة خطاب ذو معنى. لكن بخلاف اللغة اللفظية ، لا يمكن إحالة هذه اللغة إلى شفرة كائنة( 16).
السينما كلغة فيلميه و كلغة التعامل: As film footage and as a deal
اللغة اللفظية من اهم وسائل التواصل استخداما وشيوعا في الحياة اليومية، ويعود ذلك الى سهولة استخدامها وتداولها، وسرعة الاعتياد عليها، وتعلمها منذ الطفولة، وقد ثار جدل كبير بين تيارين من علماء والدين من بينهم اللغويات(سوزان لانجر) وتطلق عليها بانها اللغة الحقيقية ..ويرى هولاء ان اطلاق تسمية لغة على وسائل التعبير غير اللفظية مثل الصور والحركات.. وغيرها ، بانها تسمية غير دقيقة(17 ). وانا كدارس لا اتفق مع هذا الري ، وخاصة اننا نعلم جيدا ان الوظيفة الاساسية للغة هي القدرة على التواصل، والتعبير عن الافكار والمشاعر، والامر يمكن تحقيه عبر العديد من الوسائل التي يمكن للإنسان ان يعبر عن افكاره ومشاعره سواء كانت صورة او إشارة او حركة او فعل ، ولا يذكر فيه اللغة اللفظية، وكيف انها الاسهل والاوضح والاكثر انتشارا، بل انه يؤكد ما لها من قدسية وخصوصية. الا ان هذا لا يعني الانتقاص من اللغات الاخرى ، خاصة حين نرجع الى الوراء ، الى العصور السحيقة، لنرى كيف ان القدماء ومنهم قدماء المصرين، قد استخدموا طريقة التعبير بالصورة كلغة التواصل و نقل الحقائق والواقع.
يقول جاردنر: ان المصرين ابتكروا في زمن سحيق، يسبق مرحلة الاسرات طريقة للتعبير بالصورة فقط، حيث يتم استغلال الرسم او الصورة كناية عن المعنى، وشاعت هذه الطريقة للتعبير عن الحكمة او اللغز.. بحيث تنقش او تصور مجموعة من الصور، تحكي قصة ايحائية او تعبر عن المعنى ويعود جاردنر ليؤكد بان الكتابة المصرية القديمة هي احد الفروع الاصلية لفن التصوير ، وان روابطها العضوية انما تتبع فقط من قواعد فن الرسم والتصوير وليست من قواعد اللغة اللفظية او الملفوظة. ويرى ارنست فيشر : ان وسيلة التعبير (الايماءة او الصوت او الكلمة)هي اداءة شأنها شأن الفأس أو السكين، ما هي إلا وسيلة اخرى لبسط سيطرة الانسان على الطبيعة( 18).
ولعل ما تركته لنا الحظارة المصرية والصينية ايضا، يعطينا صورة واضحة عن كيفية استخدام الصور في نقل رسائل تعبيرية، ظلت خالدة الى يومن هذا كما هو الحال في اقدم لوحات العصر الفرعوني القديمة، والمعروفة باسم لوحة الملك نعرمر، والتي تمثل بالصورة انتصارات الملك(نعرمر)، وغيرها. ومهما كان من قول او اختلاف حول وسائل التعبير وانواع اللغات، الا اننا لا يمكننا ان ننكر ان الصورة هي وسيلة من وسائل التعبير، بل هي لغة لها قواعدها و اصولها وهذا ما لا يمكن ان نتغاضى عنه، خاصة بعد ان بدانا نلمس اهميتها واثرها في حياتنا المعاصرة. فمنذ اختراع السينما والصورة تفرض سطوتها وتثير الرهبة والخوف والدهشة، فحين وصل (قطار لومير) ( 19). الى تلك المحطة عام1895 متجه مباشرا نحو الكاميرة, صرخ المتفرجون وقفزوا من امكنهم خشية ان يدهسهم القطار. الشيء ذاته حدث مرة اخرى عندما شطر (بونويل) ( 20). عين امراة الى نصفين بموس حلاقة. لقد اصيب الجمهور بالدور والاغماء, اثناء مشاهدة افلام تصور العمليات الجراحية, وتقيئ اثناء مشاهدة الولادة, ونهض ثائرا في حماسة عفوية لدى رؤيته افلام دعائية, وذرف الدموع على البطله المصابة باللوكيميه (سرطان الدم) في مشهد مطول, كما شعر بنوع من القلق ازاء وباء الكوليره المعروض على الشاشة نتيجة احساسه الداخلي بأنه مكشوف, ومعرض للعدوة(21 ).
السيمولوجيا و الدلالات والفن السينمائي : Alsimologia and connotations and Film Art
ينظر المهتمون للصورة بشكل عمومي على أنها الموازن البصريي للواقع، وذهب آخرون بوصفها اقتطاع لجزء من الواقع بادق تفاصيله، ووضعه أمام المتفرج او المشاهد او المتلفي، بحيث تجعل العالم مرئياً يمكن استحضاره والإمساك به حتى في أدق تفاصيله. وضمن مالوفية الصورة للانسان وعدم الخلاص منها بشكل كلي، وصار العالم كله محكوماً بالصورة وثقافتها من الاعلانات، والملصقات، السينمائية، والتلفزيونية من حيث اعتماد الانسان على الصورة بشكل يتفاعل مع حياته الاعتيادية والخصوصية من امور تجري ضمن ملتصقات الحياة كالسياسة والدين وما الى ذلك من امور اخرى. اذن ضمن امكانية تفكير المرء و الحاجة أن تعرّف فكرة السينماتوغراف لحظة ولادتها عام 1894 في براءة الاختراع التي سجلها ويليام بول وج. ويلز على أنها "سرد القصص عن طريق عرض صور متحركة"، فالسينما بطبيعتها وجوهرها تركيب لاتجاهين سرديين: الأول صوري (وهو الرسم المتحرك)، والثاني كلامي (وهو الحوار) ( 22). والكلمة هنا مكون إلزامي للقص السينمائي وليست بأي حال من الأحوال سمة خيارية إضافية، ومن هنا اتضح لنا بان السينما اعتمد وفي بدايات الظهور فكرة ان تكون لغة مستقلة و لها دلالتها حتى و ان كانت في بدايات الظهور صامتة الا في ذلك الوقت ايضا اعتمد من خلال الصورة من غير الكلام تقديم سيميولوجيات كثيرة و دلالات تعبر بواسطة حركات واداء الممثلين الذين كانوا روادا في مجال ماهية التعبير بواسطة البدن الى خلق رؤية جليلة لدى المتفرج والذي حينها لم تطرق الى انها سيميولوجيا ولكن ضمن تعاريف لاحقة درجت ضمن مضمار هذا العلم القيم بل إن وجود أفلام صامتة خالية من اللوحات المكتوبة لا ينفي هذه الحقيقة بل على العكس يأتي ليؤكدها طالما أن هنالك شعوراً مستمراً لدى المشاهد بغياب النص المنطوق. المشاهد او المتلقي وهكذا يمكن الإعتقاد بوجود لغة سينمائية تختلف في نوع العلاقة بين مضمون الرسالة وآليتها عن الأنظمة الاتصالية الأخرى كاللغة اللسانية مثلاً التي تركز على كيفية القول، بينما تغدو اللغة السينمائية مضموناً وتتحول أحياناً لتصبح موضوع الرسالة. انطلاقاً من أنها وجدت لغايات فنية واجتماعية محددة، تدل بواسطة الصورة الى اشياء و حالات اجتماعية مقبولة او مرفوضة، لتضيف سمة التحسين الى مسيرة البشرية وهي تخدم تلك الغايات وتتحدد بها( 23). الصورة السينمائية واللغة الكلامية وقد تشبه الصورة السينمائية اللغة الكلامية أحياناً أخرى، إلا أنها في ذات الوقت ليست مثلها، فاللغة الكلامية لها قواعدها التي تحكمها، أما السينما فلا يوجد بها مثل هذه القواعد التي يمكن أن تتحكم في صياغة وتكوين الصورة الفيليمية، أي ليس هناك قاعدة نحوية سينمائية تمكننا من القول بأن وضع تلك اللقطة هنا وفي هذا المكان يعد خطأً، كما لا يوجد أي قاعدة تحدد لنا كيف نبدء بالمشهد الفيلمي وكيف ننتهي منه أو حتى كيف نختار أحجام اللقطات، أو مستوى ارتفاعها، أو حركة الممثلين ونوعية حركة الكاميرا المصاحبة لهم. فلا توجد في السينما مثل تلك القواعد الصارمة والحاضرة بقوة في اللغة الكلامية، كما لا توجد أي قواعد تلزمنا بكيفية استخدام وسائل الانتقال البصري المغاير للقطع أو مكانها مثل المزج والاختفاء والظهور التدريجيين، وأماكن وضع المؤثرات والموسيقى بالفيلم، فمثل هذه الاستخدامات تخضع لرؤية كلاً من كاتب السيناريو ومخرج النص الفيليمي وتصورهما عن العالم الفيلمي الذي يقومان بتشكيله( 24). وإذا كان هناك نوع من الاتفاق (العرفي) في فهم دلالات وسائل الانتقال البصري فيما بين صانعي الأفلام ومتلقيها، فإن الفهم يرتبط بسياق الأحداث الفيلمية، فمن الممكن أحياناً أن يتم الاستغناء عن بعضها أو استخدامها خارج هذه الأعراف المتفق عليها، دون أن يرفض المتلقي أو يشعر بأن هناك خطأ ما قد حدث بالسرد الفيلمي. الدلالة في الاضاءة والديكور وزوايا التصوير( 25). وعند النظر إلى السينما من زاوية أخرى فهي عالم من الصور المتتالية المحملة بالدلالات، فإذا لم يكن الفيلم قادراً على تجريد الأشياء فهو على الأقل قادر على أن يعطي بواسطتها إشارة دالة، فانقباض النفس والقلق أو أي شيء آخر يراود الإنسان، سواء كان مأساوياً أو لم يكن، يمكن أن يتولد من المناخ العام للمنظر أو يوحى به عن طريق تصوير المظهر المخالف المألوف لبعض الأشكال والذي يضفي معنى معيناً على الديكور وإضاءته أو حتى في حجم لقطاته وزوايا تصويره، بحيث يمكن للصورة ذاتها أن تحوي عدداً من الدلالات الإضافية و أحياناً اللامتوقعة. فبمقدور الإضاءة والمونتاج وتبديل اللقطات والتلاعب بالسرعة.. إلخ، أن تمنح الأشياء المعروضة على الشاشة دلالات إضافية رمزية أو مجازية أو كنائية، انطلاقاً من أن الصورة شكل من أشكال التعبير المجازي على الرغم من ارتباطها بالعالم الواقعي. كما أن العلاقة التي تربط بين أجزاء الصورة علاقة تعبير غير حرفي، أي أن حاصل جمع المفهومين على الشاشة هو علامة أيقونية لمفهوم ثالث لا تساوي المفهومين الأصليين، وبالتالي فإن دلالتها يعبر عنها بوسائل اللغة السينمائية التي يستحيل وجودها خارج نطاق هذه اللغة، ذلك لأن إحساسنا البصري بالعالم المحيط بنا هو الذي يشكل أساس هذه اللغة، لكن رؤيتنا البصرية هي ذاتها التي تشتمل ضمناً على فكرة التمييز بين شكل العالم في الواقع، وشكله كما تصنعه وسائل الفنون المرئية. السينما أداة للتعبير أكثر منها وسيلة اتصال وإذا كانت اللغة اللسانية تعتمد على الدال الملفوظ أو المكتوب والذي يؤدي إلى توليد المدلول، إلا أن الاتفاق الجمعي على الربط بين الإثنين هو الذي أدى إلى وجود اللغة كمنظومة اتصال اجتماعية، وبالتالي فإن الأمر يختلف في السينما عنه في لغة اللسان، فكما يقول "ميتز" إن الدال صورة والمدلول هو ما تمثله هذه الصور، أي أن الدال السينمائي هو في ذات الوقت المدلول السينمائي، وبذلك تختلف السينما عن اللغة اللسانية التي عرفها أغلب اللغويين بأنها نظام من العلامات يخدم الاتصال بين الناس فيما يتعلق بالاتصال الشفاهي، أما السينما فهي اتصال باتجاه واحد مثل بقية الفنون، وبكلام أدق هي أداة تعبير أكثر منها وسيلة اتصال( 26). فالصورة تعبير واضح، مدرك، وسهل من حيث سرعة الاستيعاب الإنساني له، في مقابل العلامات الكتابية التي تعتمد على الصورة الذهنية المتولدة في ذهن المتلقي من الدال الذي يختلف عن المدلول، ولا يرتبط به إلا نتيجة الأعراف المتفق عليها، والذي يفترض منذ البداية قدرة المتلقي على قراءتها.من جهة ثانية فإن الصورة السينمائية على مستوى اللقطة الواحدة تحمل في طياتها ما هو أبعد من كونها مفردة (كلمة) ذات مدلول واحد، وهذا الأمر ينتج عن الطبيعة التركيبية التي تعمل داخلها اللقطة، إضافة إلى الإيحاءات الشعورية القرينة التي يمكن أن تنتج عن علاقة مصاغة الشكل داخلها (ديكور، إضاءة، اكسسوار..إلخ)، بدلاً من أن تكون مترتبة على التعاقب لقطة إثر لقطة أخرى أو مشهد تلو مشهد.وبعبارة أخرى فإن الدلالة في السينما تكون نتيجة مجموعة من العلاقات المرتبة في المكان أكثر من ترتيبها في الزمان، فالمعنى لا ينتج فقط من التتابع – التعاقب- الزمني للقطات، وإنما من داخل كل لقطة أيضاً، فهي تحمل الكثير من العلاقات بين العلامات الموجودة باللقطة، والتي لا تكون قاصرة على معنى واحد، نتيجة وجود أكثر من دال في ذات اللحظة وبنفس المكان، وعلى أكثر من مستوى زمني، وهو مغاير للمعنى الذي ينتج في اللغة اللسانية من تتابع الكلمات مفردة تلي مفردة. اللقطة والمونتاج كعناصر للتعبير السينمائي أما بالنسبة للتعبير عن دلالات الزمن وتأثيراتها المتعددة فإن السينما استطاعت استيعاب اللقطة كأصغر وحداتها الفاعلة تعبيراً بل وأهمها، وهذا الاستيعاب استدعى تكشف قدرات المونتاج كضرورة حتمية لابد لها من الوجود لتفعيل دور اللقطة في السياق الفيلمي كوحدة دلالية، فمع ظهور اللقطة والمونتاج كعنصرين أساسيين من عناصر التعبير الفلمي ولدت علاقة الفيلم بالزمان والمكان حيث أن كل ما هو مصور في الشكل الفني من مواد وظواهر وشخصيات والمظهر الخارجي المتنوع لمشاعر الناس وأحاسيسهم وإرادتهم إنما يحيا في المكان والزمان الفني( 27). وعلى الرغم من الشبه الظاهري بين الفيلم والواقع في جانبي الزمان والمكان، فإن الاختلاف بينهما قائم ومتسع، حيث يعتمد الفيلم على مبدأ الاختيار من ذلك الواقع المتسع، الذي يستتبعه التنظيم لهذه العناصر المختارة، وهذا كله مرتبط بمدى تأثير ذلك الاختيار على السياق العام للفيلم، وكذلك التأثير النهائي على المتلقي من حيث الدلالة حيث أن المحددات الأساسية والتشكيلات الجوهرية لدلالة السينما تقع في كل من المونتاج وحركات الكاميرا وأحجام اللقطات وكذلك العلاقة ما بين الصورة والكلام إضافة إلى التتابع. فالمونتاج أحد العناصر الهامة والأساسية في تكوين البنية الدلالية للفيلم، إضافة إلى أنه يمثل علامة من أهم العلامات الدالة على فاعلية ومرور الزمن الفيلمي، سواء في انسيابه أو تجاوره – توازنه- أو حتى تداخله واختلاطه. الصوت والصورة سينمائياً أخيراً لابد من الإشارة إلى أن العلاقة بين الصورة والصوت سينمائياً علاقة تفاعلية، ولا يمكن فصل التأثير والدلالة الناجمة عن هذه العلاقة، أوعزوها إلى أحدهما دون الآخر فمن الواضح أن العمل السينمائي ما هو إلا نتاج تركيب عدد من العناصر السينمائية المختلفة، لكن هذا التركيب حتى عندما يبلغ درجة عالية من الحيوية فإن اللغة الصورية (لغة الصورة) تظل هي الغالبة، وإن إحساسنا البصري بالعالم المحيط بنا هو الذي يشكل أساس هذه اللغة السينمائية( 28).
1-الصورة كعلامات تعبيرية في الفيلم السينمائي و الدراما التليفزيونية
إن الصور فى جوهرها عبارة عن أجزاء وأقسام من الخبرة البصرية والتي أسماها وولترليبرمان "الصور الموجودة فى رؤوسنا"- تجري معالجتها والتنسيق بينها من خلال سلسلة من العمليات الإدراكية، وبما أن تطور الإبصار سبق تطور اللغة اللفظية، فإن هذه الصور أشبه بالجزء الطبيعي من حاسة الوجود الأساسية الخاصة بنا، والإرتدادات الأكثر عمقاً داخل أنفسنا، والتي تمتد من المستوى الذي تقدمه الخبرات العملية إلى آفاق الأساطير الرمزية وتجلياتها. وإذا كانت الصور كذلك، فإن الفيلم السينمائي بمجمله جزءاً لا يتجزأ من الصراع الأيديولوجي القائم في عصره، حيث ينتمي لهذا الصراع مثلما ينتمي إلى ثقافة ذلك العصر وفنه، نظراً لارتباطه بجوانب حياتية عدة وجوانب قائمة خارج حدود النصّ الفيلمي بحد ذاته، وهذا بدوره، يولد سلسلة متكاملة من الدلالات، تعتبر أحياناً بالنسبة للمؤرخ والإنسان المعاصر أكثر أهمية من المسائل الجمالية الصرفة. وعليه فإننا نستطيع اعتبار الدلالة السينمائية على أنها دلالة يعبّرعنها بوسائل اللغة السينمائية، ويستحيل وجودها خارج نطاق هذه اللغة، وهي نتاج ذلك الترابط الخاصّ الذي يقوم بين العناصر السينمائية، ترابط خاصّ بالسينما، والسينما وحدها.
يقول ((ايروين بانوفسكي))مؤلف الفنون و الاستاذ بجامعة برنستون الامريكية، ان السينما سواء احببنا ام لم نحب، هي القوة التي تصوغ اكثر مما تصوغ اية قوة اخرى (اراء ،الاذواق ،اللغة ، الزي ، السلوك ، بل حتى المظهر البدني لجمهور يضم اكثرمن ستين في المائة من سكان الارض.) (29 ).
إن تعريف الصورة السينمائية سهل ومعقد في آن، سهل إذا ما تعاملنا معها من وجهة نظر تقنية محضة، أي كوحدة بسيطة تتكون منها اللقطة.. أو إذا ما علمنا بأنها تتكون من 24وحدة "frime" في التلفزيون و 25وحدة في السينما( 30). لكن إذا نظرنا إليها من حيث إنها مركز للتواصل فهنا يكمن الإشكال: هناك الصورة التي نكونها عن أنفسنا حيث من شأنها أن تطلق أو تلحم دوران الكلام الإبداعي فينا، ثم هناك الصورة التي يكونها الآخر عنا: صورة الآخر، وهي صورة مبتكرة من أجل التعبير، أن تقول وتقول، العالم، أي الصورة، الخطاب من أجل أن نكون الأحسن. ففي مجال الفن مثلاً، الصورة تصدم، وهذه الصدمة توقظ شعور كل واحد وتمجده.. إن التواصل عبر الصورة وبها، يتيح لنا الاقتراب من وحدتها الأصلية واعتبارها مصدر إبداع ووسيلة تواصل فنية كما إنها صيرورة اجتماعية تتيح الارتباط بالآخر والاندماج داخل المجتمع والتاريخ. لأنها ستصبح وثيقة تاريخية مع مرور الزمن. عندما اقرا مشهدا، اضع كلماتي على افكار شخصيات الكاميرا و على افكار المبدع، اعطى صوتا الى تلك الافكار، رغم ان كل ما استرشدت به هي وجهات النظر المؤطرة من قبل الكاميرا وجهات نظر حيث المبدع غائب وحيث اشخاص الكاميرا حاضرة فقط، كما لو كانت، من الخارج، تطالب تأكيداتي بالتحقق – و تطالب بان الفلم قادر على الانجاز – شيا ما يعتبره الشكي مستحيلا(31 ).
اذا من هنا بالامكان ان تكون الصورة في السينما اكثر عامل دلالي لتعبير عن ما مراد ايصاله من قبل العاملين على الفلم من توصيل اشياء مبطنة الى جمهور قد تكون غائبة عنها هذه الافكار او قد تكون غير قادرة على البوح بها بصورة علنية .هنا تاتي الصورة على تعبير بشكل افضل في ديمومة التواصل و ايصال الفكر المعين.
خطيرة هي السينما وكلما تعمق الانسان في فهمها ودراستها، حتى اذا كان هاويا، استطاع ان يتذوق الجيد من الافلام، وازداد فهمه لها وادراكه لفنون التصوير والاخراج والمونتاج وغيرها(32).
لقد تطورت البرامج المعلوماتية وواكبت المخيل البشري إلى ابعد حد.. لان في الوقت الحاضر تدخل التكنلوجيا في تبسيط توصيل الحلقات التعبيرية والدلالية والسيميولوجية، لتكن هذه الصورة هي المنبر الناطق من غير كلام ومعبر عن حالات معينة بمجرد النضر اليها أو مشاهدتها في لقطات متتابعة في السينما والتي تعتبر هي مهد التعبير الدلالي . فالإطار الفني الذي يتوفر على تكوين تقني وفني رفيع، يضيف الشيء الكثير إلى المادة البصرية( 33). إن مقومات الصورة الناجحة الآن هي التي تتوفر على بنية تحتية قوية على مستوى العتاد والراسمال... إضافة إلى أصالة وعمق الرؤية الفنية.. فكما لا يخفى علينا، الصور المستوردة تكون محملة بالأفكار المبطنة والرؤى الإيديولوجية والسميولوجية ايضا لان لكل منطقة او رقعة جغرافية دلالاتها وقوة تعبيرها التي تعبر عنها الصورة المنتجة في تلك الرقعة.. لذلك فأهمية نشر الوعي البصري عملية ضرورية جداً إذا ما علمنا بأن المجتمعات تخترقها الصور القادمة عبر الأقمار الاصطناعية في عقر دارها. وانه يمثل مجتمعا جديدا معقدا متشابك العلاقات و في نفس الوقت سلعة منزلية ظرورية( 34).
الصورة أبلغ من الكلام وأسرع في الوصول إلى المتلقي وأكثر تأثيراً فيه. ان المتفرج يبدو كما لو انه الة اورغن عملاقة تقوم انت و انا بالعزف عليها ،اننا نعزف في لحظة ما تلك النغمة لنحصل على رد فعل محدد و في لحظة اخرى نعزف نغمات اخرى لنحصل على رد فعل اخر( 35).
هذاهذا الموضوع مثير للجدل، خاصة وأنني كدارس من الذين يركزون على قراءة الصورة في إطارها التاريخي والموضوعي الذي خلقت فيه، والتي تعتبر كصفة على العبير المبطن عن ما هو ملتقط..
فسبب الثورة التكنولوجية المدهشة راى الرسماليون انفسهم في وضع جديد فبامكان الفنان مثلا ان يتصور كاميرا في منتهى خفة الوزن و منتهى الصغر بحيث يقترب وزنها و حجمها من النظارة اللاصقة لا سيما ان نقل الالات السينمائية كان يعيق المبدع عن قيام باشياء كثيرة( 36).
.. إن الصورة السينمائية قد أصبحت صناعة تتطلب أموالا ضخمة.. جل المعدات التقنية يستوردها الشرق من الغرب، وعندما نستورد جهازاً معيناً فإننا نستورد معه قيماً ثقافية معينة لا يمكننا الاشتغال خارجها. يعتمد التعبير السينمائي على الاداة التقنية لوسيلة الاتصال السينمائية وتشمل هذه الاداة اربعة عوامل اساسية:الكاميرا، والميكرافون، والشاشة، والمونتاج يغطي المونتاج عملية قطع اشرطة الفلم و مسار الصوت و يلعب جهاز العرض دوره فيما يتعلق بالشاشة( 37). ودراستها تتيح الإطلاع على مدى غنى وتعدد دلالات خطابها، حيث نستطيع كشف دلالاته المتعددة ومحاذاة قوته عوض أن يصبح مسيطراً علينا.. إننا نوجد في عالم طافح بالصور السينمائية والتلفزيونية والاشهارية.. حيث يصعب على المتلقي اتخاذ موقف تراجعي أمام تلك الصور التي تحاول الانغراس في دائرة تفكيرنا والإيقاع بنا.. في الحقيقة لا يمكن في هذا المقام سرد كافة التفاصيل التي من شأنها تمكين القارئ من تحليل وقراءة الخطاب الفيلمي(38 ). لكنني أركز كدارس على أن المفتاح الأول هو المعرفة التقنية بعالم الصورة، خاصة وانه يستعصي فهمها وتحليلها على مستويات عدة دون الإلمام بالجانب التقني وما يكتسيه الرمز بصفة عامة داخل مجال الصورة، كالرمز الفوتوغرافي مثلاً، ثم دلالة الألوان ورمزيتها وأهمية الحركات في تشكيل الخطاب الفيلمي، دون أن نغفل الخطاب اللغوي والسرد الفيلمي.. إضافة إلى معرفة مسار بعض صناع الصورة واهتماماتهم، كالمخرج نظراً لأهميته الحاسمة في الإشراف على صناعة الصورة السينمائية وذلك من خلال رؤيته للأشياء والوجود ومدى أهميتها في إعطاء نظرة أو مقاربة سوسيولوجية شاملة أو تقريبية لمجتمع ما، حيث تصبح الوثيقة المصورة مصدراً من مصادر التحليل السوسيولوجي.. فغالباً ما تسبق شهرة المخرج أو النجوم الذين يتقمصون الأدوار الرئيسية في الفيلم، سمعة المنتوج و هذا مما دعى هتشكوك باستخدام كل من الكاميرا والمونتاج لكي يخدع المتفرج. عندما يقوده بشكل سينمائي الى العديد من الطرق الفرعية المسدودة و مل الشاشة بمناظر بصرية تصرف نظرةه عن الموضوع الاصلي(39 ).
خلاصة القول ان الفيلم هو وثيقة مفتوحة على عدة تأويلات وقراءات ممكنة، كل حسب مستوى معارفه.. وإن كانت المعرفة التقنية أساسية.. لأن الصورة يتداخل في تشكيلها: الأدبي (القصة، الحوار...)، المرئي (الضوء، اللون..)، الفيلمي (المونتاج، المؤثرات البصرية)، المسموع (ضجيج، موسيقى..)، السمعي، البصري (المزاوجة المنطقية بين الصور والأصوات(. الدلالة الصورية في السينما امر يتعلق بتعبير قياسي مشابه ما دامت السينما تعد نظاما ينقل للمشاهد رسالة.
في بحثه عن (دلالة السينما) استنتج ميتز ان النظام السينمائي يفتقر الى شئ يمكن مقارنته مع مستوى وظائف الاصوات في لغة. وليس للسينما نظام الفونيم (وحدة صوتية) ولا كلمات. فالصورة تعد (كلمة) والمقطع او المشهد (جملة) وتكون الصور جملا عديدة او المشهد (جملة) وتكون الصور جملا عديدة او مقطعا معقدا (للخطاب). ندرك لغة السينما من خلال سيميائية (التضمين) اي اقتران معان بلفظ ما. والسيميائية (التعينية) تتاطر في اطار الفريم (تركيب الصورة). هكذا بدات اذن السيميائية في ارساء قواعد منطقية في تنسيق وحداتها( 40).
2- اللقطة كدلالة على التعبير و التفسير على المشاهد
the snapshot as a sign of expression and interpretation on the viewer
يتحد شكل اللقطة بالزاوية والحجم والحركة وهذه الأخيرة بقدر علاقاتها بشكل تتأسس على ركنين أساسيين هما:
المضمون المادي للقطة، وحركة الكاميرا.. هذا فضلاً عن وجود عناصر عديدة مشتركة تسهم في بناء صياغة اللقطة وتحديد المعاني والمضامين التي تفصح عنها..الأمر الذي يضفي على أدائها كصورة خاصية تعبيرية ترتقي بها إلى مقام اللغة وتؤهلها للتخاطب والاتصال.. وتُظهر هذه العناصر ميلاً شديداً للارتباط داخلياً بعلاقات جدلية قادرة على إطلاق تشكيلات بصرية مختلفة تفصح عن معانٍ ومضامين مختلفة تبعاً لانتظامها.. وتسيقها. ولعل الكادر وما يحتويه من اشياء وافكار مرتبطة بالموقف والمكان والزمان. له دخل كبير في توجيه حواس المشاهد الى اهم المرتكزات الفكرية.. فالكادر له القدرة الفائقة على ارشاد وتوجيه نظر المشاهد الى بؤرة الانتباه. فعن طريق الكادر وما يحتويه من مكونات المشهد ،يعيد الكاتب تشكيل الحقيقة والواقع( 41).
والمضامين هنا هي مجموعة العناصر المجتمعة في اللقطة أو في اللقطات باتجاه تشكيل بنية المشهد المكونة لبنيتها وشكلها والمتآصرة مع بعضها بحيث يبدو كل ما في داخلها مرتبطاً عضوياً ببقية الأجزاء ولا قيمة لها إلا في إطار العلاقات القائمة.. بمعنى ان اللقطة باعتبارها هي بنية كلية، فهي "ظاهرة غير منعزلة بل مجرد حلقة ضمن سلسلة ظواهر"( 42)، كذلك شأن الصورة وكل عنصر فيها حيث لا يمثل إلا ذاته ولا يعطي مضموناً كلياً إلا بتوحده مع بقية العناصر لتشكيل حلقة لمنظومة جامعة من الوحدات (إشارات ورموز) والتي يمكن ان تفهم في إطار مضامين محددة حسب "مبدأ الارتباط"( 43).
وإذا كان الحجم يتحدد حسب المضمون المادي للقطة وان لا ضرورة لتحديده الا على أساس الموضوع وظاهرة المعنى القائم على نظام تسييق الوحدات، لأن الحجم والمعنى يقومان على علاقة اعتباطية بل على جدلية عمادها علاقة موجبة لأن الحركة لا تظهر الا في إطار اللقطات المحققة و"يتم التفكير بها عادة ضمن مجمل مادة الموضوع"(44 ). وعند النظر إلى السينما من زاوية أخرى فهي عالم من الصور المتتالية المحملة بالدلالات، فإذا لم يكن الفيلم قادراً على تجريد الأشياء فهو على الأقل قادر على أن يعطي بواسطتها إشارة دالة، فانقباض النفس والقلق أو أي شيء آخر يراود الإنسان، سواء كان مأساوياً أو لم يكن، يمكن أن يتولد من المناخ العام للمنظر أو يوحى به عن طريق تصوير المظهر المخالف المألوف لبعض الأشكال والذي يضفي معنى معيناً على الديكور وإضاءته أو حتى في حجم لقطاته وزوايا تصويره، بحيث يمكن للصورة ذاتها أن تحوي عدداً من الدلالات الإضافية وأحياناً اللا متوقعة.
إذا كانت اللغة اللسانية تعتمد على الدال الملفوظ أو المكتوب والذي يؤدي إلى توليد المدلول، إلا أن الاتفاق الجمعي على الربط بين الإثنين هو الذي أدى إلى وجود اللغة كمنظومة اتصال اجتماعية، وبالتالي فإن الأمر يختلف في السينما عنه في لغة اللسان، فكما يقول ميتز إن الدال صورة والمدلول هو ما تمثله هذه الصور، أي أن الدال السينمائي هو في ذات الوقت المدلول السينمائي، وبذلك تختلف السينما عن اللغة اللسانية التي عرفها أغلب اللغويين بأنها نظام من العلامات يخدم الاتصال بين الناس فيما يتعلق بالاتصال الشفاهي، أما السينما فهي اتصال باتجاه واحد مثل بقية الفنون، وبكلام أدق هي أداة تعبير أكثر منها وسيلة اتصال. فالصورة تعبير واضح، مدرك، وسهل من حيث سرعة الاستيعاب الإنساني له، في مقابل العلامات الكتابية التي تعتمد على الصورة الذهنية المتولدة في ذهن المتلقي من الدال الذي يختلف عن المدلول، ولا يرتبط به إلا نتيجة الأعراف المتفق عليها، والذي يفترض منذ البداية قدرة المتلقي على قراءتها. أما بالنسبة للتعبير عن دلالات الزمن وتأثيراتها المتعددة فإن السينما استطاعت استيعاب اللقطة كأصغر وحداتها الفاعلة تعبيراً بل وأهمها، وهذا الاستيعاب استدعى تكشف قدرات المونتاج كضرورة حتمية لابد لها من الوجود لتفعيل دور اللقطة في السياق الفيلمي كوحدة دلالية، فمع ظهور اللقطة والمونتاج كعنصرين أساسيين من عناصر التعبير الفلمي ولدت علاقة الفيلم بالزمان والمكان حيث أن كل ما هو مصور في الشكل الفني من مواد وظواهر وشخصيات والمظهر الخارجي المتنوع لمشاعر الناس وأحاسيسهم وإرادتهم إنما يحيا في المكان والزمان الفني.
3- اللون كدلالات في السينما و التليفزيون
اللون يعتبر من عناصر التعبير المهمة في الصورة التلفزيونية والسينمائية، وهو في نفس الوقت يمتلك سلطة التأثير على شعور الناظر، كما أن له القدرة على وصف الأشياء أو تجسيد ظاهرة طبيعية الحافز الى استخدام اللون في الفلم قوي بنفس الدرجة للصوت فالفيلم الناطق يصيح طلبا للون مثلما كان الفيلم الصامت يصيح طلبا للصوت(45 ). الألوان تبدو وكأنها وسائل تعويضية أو ترفيهية، تلعب دوراً هاماً في تضميد جراج البشرية وتخفيف آلامها. ففي العصور الوسطى كان عشاق الألوان يعتبرون الخداع اللوني برهاناً على قدسية الخلق وإبداع الخالق، بينما كان الكارهون للألوان ينظرون إليها على أنها نتاج لتلاعب الشيطان( 46). اللون هو أحد العناصر المرئية التي يستخدمها الفنان في تكوين مجموعة من العلاقات تحمل مضامين تعبر عن أفكاره. الألوان بصفتها خبرة مرئية تظل ثابتة في عقولنا عن أي خبرات أكتسبناها عن طريق الحواس الأخرى ولذلك فأن اللون له خاصية التأثير النفسي المباشر وله دلالاته عند الإنسان، فمثلا اللون الأزرق يشير الى السماء بمعنى أنه مقدس . ومثله الأخضر يشير الى الطبيعة . أو الألوان التي تم الاتفاق عليها دون أتفاق مثل الأحمر وهو رمز الثورة والدم والحب . والأصفر لون الغيرة . والأبيض لون الطهارة والعفة.
وهكذا دواليك باقي الألوان ومن خلال هذه الألوان يمكن التمييز بين الشخصيات، على أن ترتبط الألوان بعلاقات سببية . فان الدلالة النفسية للألوان ناشئة عن تناغمات سببية وليست مكنونة في الألوان بذاتها ونسبة الأحمر الى الغضب والأزرق الى الحنان والأصفر الى الخيانة آت من رمزية بدائية ان لم تكن طفيلية وكما أن رنة العلامة الموسيقية لا معنى لها إلا بتناسب الأصوات الموسيقية بين بعضها البعض، اللون كعنصر منصهر في الإضاءة يمتلك التعبير في حد ذاته كما يمكن أن تكون أداة تعبير، لكونه يمتلك مدلولات نفسية واجتماعية بحد ذاته فلبس الأسود يدل على الحزن والمصيبة ومثله الأبيض يدل على الفرح فعلى اللون بكل الأحوال أن يكون له علاقة مع مضمون ـ شأنه شأن كل العناصر الدالة في الفيلم ـ يجب أن لا يكون له استقلاله الذاتي غير المعلل ماديا بالنسبة للمشاهد في الوقت نفسه تعمل على إيصال الفكرة من خلال ملامسة الواقع، واللون هو عنصر من تلك العناصر التي تم تطويرها من خلال تلك الآلات والمرشحات والعاكسات وغيرها من الأدوات التي تساعده على ابراز علاقته بالعناصر الأخرى وبالنسبة للشق الأول يقول (أيزنشتاين) عندما نتناول مشكلة اللون في الفيلم نفكر قبل كل شيء في المعنى المرتبط باللون المستخدم، لأن للون معنيين الأول يرتبط بنا سيكولوجيا يؤدي الى الارتياح أو العكس والثاني هو المعنى الذي ينطوي عليه عندما يتلبس الشيء ويؤدي الى انفعال جمالي نتيجة توظيفه التوظيف الصحيح في العمل الدرامي( 47).
4- استخدام الاضاءة كدلالات رمزية وتعبيرية
وقد استخدم المخرجون الإضاءة بشكل عام واللون بشكل خاص كمكون تعبيري بحد ذاته حيث أستخدم جريفيث الإنارة استخداما عضويا كجزء من الفيلم للتعبير عن الحالة النفسية وللدلالة على مرور الوقت. وكان دخول الإنارة تدريجيا لتمزق ظلام حجرة البطل عندما تبدأ الشمس بالعودة تنعكس على الجدران، أما المخرج الايطالي مايكل أنجلو أنطونيوني فهو أشهر من أعتمد على اللون إذ يقول أن الألوان أضحت بالنسبة لي ذات أهمية كالممثلين أنفسهم ...وأصبحت مقتنعا تماما أن كل تأثير درامي يمكن احداثه عن طريق استخدام اللون، فقد أصبح بوسعي أن أضع ممثلا في موقف معين...ليعرف المشاهد ماذا يدور في نفس هذا الممثل وعقله دون أن ينطق بكلمة حوار واحدة"( 48). وهذا يدل ليس فقط على امكانية المخرج العالية في توظيف تلك العناصر، وإنما قدرة تلك العناصر وما تحويه من قدرة تعبيرية كبيرة تبيح للمخرج التصرف بها فلاستخدام اللون بصورة خاصة أهمية تعادل أهمية الممثل أو أي عنصر من عناصر الإنتاج السينمائي في السنين المعاصرة بصفته وسيلة تطوير التعبير لهذا استأثر باهتمام المخرجين المبدعين، ولذلك صار المخرج بحاجة الى مدير تصوير له حس الرسام وثقافة المبدع، لأنه بتوزيع الضوء يخلق لوحة مرسومة باللون من خلال الضوء ليحقق هارموني مرئيا متحركاً.
إضافة الى ما يخلقه اللون من تأثير سيكولوجي على المشاهد بقيمته التعبيرية فقد غدا اللون لغة للتعبير في حد ذاته ويمكن القول ان اللون في الأعمال الدرامية يعمل على كشف لون الطبيعة والأشياء كما تراه العين وكما تكشف حقيقتها الإضاءة الصناعية وإضاءة الشمس لذلك نرى تلك الأعمال تعج بالألوان والتي تضفي جمالية ودرامية على العمل مثلما تضفي عليها نوعاً من الحلم لأن حقيقة أي عمل فني لا تكمن فيما يراه الناس من وقائع. وإنما هي تكمن بالأحرى في الطريقة التي يروي لنا بها تلك الوقائع. وعودا على بدء فأن اللون هو وظيفة الإضاءة يعمل على أعطاء قيم تعبيرية للمشهد من خلال علاقاته اللونية بمفردات المكان والممثل وكل ما تقع عليه الإضاءة حيث تساعد الاستخدامات المتاحة للضوء واللون أيضا في جذب العين الى الشيء الأهم فالمساحات المتباينة جدا للنور والظلمة تخلق مراكز طبيعية للاهتمام البؤري وفي العموم هناك أساليب مستخدمة في الإضاءة وهي تختلف من مخرج ومدير تصوير الى مخرج ومدير تصوير آخ، كما وترتبط بنوع وجو الفيلم نظرا الى أن العمل الفني ليس نتاجا آليا، فلا سبيل الى تقييده بقاعدة لذلك فهناك عدة أساليب يتم فيها كشف دور الإضاءة ودورها حتى أصبحت ميزة لهذا الفيلم عن غيره،
5- التكوين كدلالة معينة ضمن اطار اللقطة Composition
يتعلق التكوين بترتيب و تنظيم العناصر المرئية داخل الكادر والذي بالتالي هو حلقة الوصل ما بين المشاهد والقائمين على توصيل الفكرة الاساسية. ويعمل التكوين الجيد على مستويين أولاَ : يسمح بأن يتفاعل الموضوع الذى يتم تصويره، مع البيئة المحيطة به، في إطار السرد القصصي والذي يعتبر بالأساس القيمة التوصيلية في تركيز الواقع. ثانيا: يستطيع توصيل رسالة، بصورة مستقلة دون الحاجة الى ادراك او شرح معنوي كما موجود في حالة الكتابة عن الفعل في القصة، وذلك من طريقة وضع الموضوع الذى يتم تصويره داخل الكادر وبيان كل الحركات بصور واضحة مثلما ذكرنا دون الحاجة الى حالة وصفية. وهذا المستوى الأخير يعمل من خلال امكانياته المرئية البحتة و التي تكون الصورة دلالة كافية الى التوصيل المباشر ما بين المتفرج والقصة او الحدث الغامض, مؤثرا بطريقة غير ملحوظة فى المتفرج. ومن خلال هذا المستوى تظهر القدرة الفنية الحقيقية، التي تتطاول امور عدة منها التوضيح الكلي، وليس من الضروري ان يكون ذلك ممكنا في كل لقطة . وقد يعبر ذلك المستوى عن فكرة مستقلة بالأساس ، ولكن يجب طرحها من داخل سياق القصة المصورة لتكملة الدلالات التي هي مفتاح حل اللغز ان كان موجودا ضمن سياق السرد القصصي. وله مكانة مهمة ويمكن تضمينه دلالات تساعد في استخدامها كحل اخراجي لكونه ترتيب الموجودات داخل اطار الشاشة وجعلها وحدة مترابطة ضمن سياق ذي ابعاد جمالية وفكرية او فلسفية او الكل مجتمعة . وهذه الموجودات تقدم صورة مشحونة بالمعاني تخلق استجابة لدى المتفرج ومن اهم ما يحققه التكوين هو توجيه مشاعر المتلقي والتأثير في رايه وحكمه ان التكوين بعناصره ووسائله يمكنه ان يشكل عوامل مساعدة لتحقيق حلولا اخراجية تنبض بالمعاني والدلالات التي تؤدي بالنتيجة الى المساعدة على تحقيق وحدة الموضوع . ولعل اهم مايميز السينما والتلفزيون عن سواهما من الفنون انهما يعولان على التكوين لانه يمتلك في تلكم الوسيلتين خصوصية لاتتوافر في بقية الفنون حتى في اكثر الفنون تجاورا لها الا وهو المسرح. ذلك لان التكوين في السينما والتلفزيون هو تكون ديناميكي يتغير تبعا لتغير اللقطة، وهنا تكمن خصوصية التكوين فيهما وخطورتهما فالتكوين الثابت قد يتحول الى فوضى بصرية في حالة الحركة وهذا يتطلب اذن تحديد الحركة أو ترتيبها فالتكوين يعني ترتيب المناظر وتحديد الحركة داخلها واعداد الاضاءة المناسبة والتصوير والتوليف. وقد يعتبر هذا الامر من التحديات التي تواجه المخرج التلفزيوني لكنه بذات الوقت يمنحه افقا واسعا من التعبير والدلالات على اعتبار ان التكوين أو الميزانسن المسرحي يمتاز بالثبوت بينما في في السينما والتلفزيون فانه متحرك . ولاتقل عناصر التكوين اهمية في امكانية اسهامها - اذا ما استخدمها المخرج بشكل واع وٍممتلأ المعاني - في الحلول الاخراجية فالخطوط تقوم بدور فاعل في الربط بين الموضوع والمحتوى الذي تريد الوصول اليه في الصورة ولهذا فأن نجاح أيصورة يرتبط ارتباطا وثيقا باستخدام الخطوط الاساسية التي تكون معبرة عن المحتوى وطبيعة الموضوع . وترجع اهمية الخطوط الى ماتحمله من دلالات ترتبط بمرجعية المتلقي والتي يمكن استثمارها لحل اخراجي معين ، والخطوط تقع في نوعين
1- الخطوط الوهمية.
2- الخطوط الواقعية .
6- المضمون كدلالات في الافلام و تاثيره على المشاهد:
تعمل المضامين في اغلب الأحيان على تحديد صيغ دقيقة للتصاميم الحركية.. لما لها من دلالات وقوى تأثير قادرة على ان تسهم في ترسيخ المعاني وبعث حيوية ديناميكية في مجمل اللقطة.. وكما هو شأن المضامين كذلك شأن الزاوية والحجم فيما يختص بعلاقتيهما بالمضامين أو بالحركة على حد سواء.. إذ يؤثران كثيراً على طبيعة الحركة.. ويحتاج العاملون في هذه المجال إلى فهم وإدراك طبيعة هذه العلاقة المحكومة باشتراطات عديدة.. إذ يمكن لإجراء معين باستخدام لقطة ما ان يعطي نتائج بالغة التأثير من حيث الشدة والقوة الحركية، حيث يمكن لقطة الكبيرة على سبيل المثال ان تعبر عن حركة ذات طاقة ديناميكية بالغة التأثير تعادل في قوتها أقوى واشد الامتدادات سرعة في اللقطات البعيدة (49).
ففي الأفلام ذات الموضوعات التاريخية والملحمية المصورة في فضاءات واسعة اغلبها بلقطات عامة رغم الحركة الواسعة التي تنطوي تحتها ومن هنا الحركة بطيئة وساكنة، ولذلك يميل الكثير من المخرجين إلى استخدام وسائل مختلفة لتدعيم الحدث... وفي أفلام مثل (الرسالة، عمر المختار، شرقي عدن، قلعة ساغان( حيث الفضاءات واسعة وممتدة تُظهر هذه الأعمال ميلاً واضحاً في استخدامها للقطات البعيدة.. بغية الحصول على التأثيرات المناسبة تماشياً مع طبيعة السعة التي يقررها المضمون والجغرافية المكانية.ولذلك فهي أفلام يمكن ان تبعث فينا شيئاً ولو بسيطاً من الإحساس بالرتابة والملل في أجزاء منها رغم جودتها ومهارة صنعتها.. وذلك بسبب حركة المضمون المادية للقطة حيث يتناسب عكسياً مع كمية الفراغ ضمن الإطار وعليه فإن المضامين ستجد أمامها فضاءات أرحب للحركة التي سيظهر عليها البطء، والتردد وضعف الاندفاع بفعل الامتداد والسعة التي تُظهر المسافات البعيدة في كل الاتجاهات مما يعمق حالة الضعف والافتقار إلى العلاقات الحميمة بين الشخوص والبيئة المحيطة.. وعلى العكس من ذلك فإن الحركة تبدو مهيمنة ومتوترة كلما كانت اللقطة قريبة وكلما ظهرت حركة الشخصيات سريعة ومندفعة.. وتأسيساً على ذلك يقوم عدد غير قليل من المخرجين "باستخدام هذه المديات للمشاهد الساكنة نسبياً"(50 )، والتي تستطيع ان تضفي عليها شيئاً من الحركة والدينامية بفعل ما نحصل عليه من عمق ودقة حين نصور حركة لوجه معبر في لقطة كبيرة.. ومن هنا تتأتى أهميتها أيضاً كونها أفضل حجم للامساك بالعمق والتفاصيل.. وان كانت اللقطة العامة تبدي اهتماماً كبيراً في الأحداث ذات الحركة الانتشارية فأننا نجد في الحجم الآخر كمية كبيرة من التركيز على تعميق معاني ومدلولات الحركة والأحداث.. وعليه فإن الاعتقاد السائد بان مرجعيات الحركة في مقطع الصورة إنما مرده فقط إلى فيزيائية الفعل هو اعتقاد نقيصة الفهم الواعي لمدركات طبيعة الفن السابع "لان الحركة في الفيلم أكثر دقة من ذلك اذ هي تعتمد بالضرورة على نوع اللقطة المستخدمة"( 51). وعليه فان للحجم دوراً بالغ الأهمية في تحديد الحركة ودلالاتها كذلك شان العمق في الصورة.فان اللقطة التي يظهر فيها الشيء أو الشخص بعيداً في العمق تمنح الكرة معنى ينطوي على الإحساس بالخيبة والعبث واللاجدوى بفعل الحركة البطيئة المملة المتثاقلة إضافة إلى ذلك فإن هذا النوع من اللقطات بمدد طويلة.. ولتجنب هكذا إشكالية عادة ما يقوم المخرجون بتلافي استخدام هذا النمط في الحركة بتصويره من عدة مواقع من اجل تكثيف زمن ومكان الحركة من البدء حتى النهاية تجنباً لما قد يحدث لو صورت الحركة بلقطة طويلة واحدة..
ولهذا تتجنب "أفلام الاكشن" مثل هذه الانسجام وتتفرد بتصوير الحركة المنطلقة من احد جوانب الكادر إلى الجانب الآخر منه لأنها ستكون حركة موجزة "وتؤكد السرعة والحزم والإثارة"(52). وتأسيساً على ذلك فإن استخدام هذه الطريقة أو تلك في تصوير الحركة هو الذي يقرر مضمونها السايكولوجي.. فقد تبدو عاجزة ومحبطة وهي قادمة من بعيد بلقطة طوية باتجاه آلة التصوير، بينما قد تبو مصممة وواثقة من نفسها ومقتدرة حين تصور الحركة من الجانب.. لأنها تميل في هذه الحالة إلى تعميق السرعة والكفاءة.ان حركة الشخوص باتجاهنا أو بعيداً عنا (لأننا نقرن أنفسنا بعدسة آلة التصوير) ينطوي على معانٍ كثيرة لأنه يرتبط بالمسافة الحميمة الفاصلة بيننا والشخصية.. بمعنى آخر انه يغزو فراغنا أو مساحتنا الشخصية فإذا كانت الشخصية شريرة فان الحركة تبعث القلق فينا لشعورنا بعدوانيتها وتهديدها، وان ابتعادها عنا (أي عن آلة التصوير) يزيد من شعورنا بالأمان لان عدوانيتها في هذه الحالة تتحرك خارج مساحتنا أو حيزنا الشخصي، وعلى العكس أيضاً يمكن للحركة ان تمنحنا إحساساً جميلاً بالود والانجذاب، فلو كانت الشخصية طيبة وتحركه باتجاه آلة التصوير فان الحركة ستستحيل إلى قوة جذب واستقطاب موحية بالثقة، حينئذ ستخترق فراغنا بود. وفي أفلام الإثارة الحسية قد تصل إلى حد الغواية. ان الكثير من العاني ترتبط بشكل الحركة فلو كانت الأخيرة "حركة راسية إلى الأعلى فستوحي بالتحرر من الوزن"( 53)، كما ستدل على الانطلاق والتحرر والتسامي، وإذا كانت الحركات الهابطة حيث توحي بالانسحاق والانهيار تحت الضغط والضعف.. وان اندفاع الشخصيات المتحركة باتجاه أسفل الكادر، إنما يدل على الضعف والانصياع والخطر وازدياد التوتر والقلق.. ففي فيلم معبد الهلاك لستيفن سبيلبرغ يدخل الدكتور جونز في كهف، فيغلق باب الكهف ويبدأ سطحه بالملء بالحراب بالنزول تدريجياً.. ومما يدفعنا للإحساس بتفاقم الخطر وعدم جدوى المقاومة أمام السقف الآخذ بالنزول لسحق دكتور جونز (هاريسون فورد) كما ان الحركة الواثبة من خارج اطار الكادر إلى وسط تكوين الصورة بإمكانها ان تثور إحساساً مضاعفاً بالصدمة، نتيجة المفاجأة الصاعقة. أما الحركات المتجهة من مركز الصورة إلى الخارج فهي حركة انتشارية تقترن دلالتها عادة بالابتهاج والنشوة والانتصار ولذلك فهي حركات توسعية باحثة عن مديات وامتدادات ابعد من مركز الصورة.
7- المكان كدلالات رمزية في الصورة السينمائية و تاثيره على المشاهد
للمكان دور بارز في السينما لما له من أهمية في الكشف عن الزمان والبيئة للموقع، الذي تدور فيه الأحداث فلقد ظهر المكان في السينما بعدة أزمنة منها الماضي والحاضر والمستقبل ولقد تمكنت السينما في خلق مكان جديد ليس له صلة بهذه الأمكنة، وهو المكان الافتراضي الذي يلعب الخيال الدور المهم في نسجه كما في أفلام الخيال العلمي والأفلام الغرائبية وللمكان وظيفتين:- الأولى: الوظيفة التفسيرية للمكان حيث يجري تجسيد مظاهر الحياة الخارجية من مدن ومنازل وأثاث وأدوات لكشف عن الحياة الشخصية النفسية والاجتماعية والثقافية.
الثانية: الوظيفة التعبيرية للمكان بالاعتماد على وقع الأشياء والإحساس بها وما تثيره من إحساس لدى المتلقي وذلك من خلال الإيحاء والرمز والدلالة والتي يتم في ضوءها بناء المكان من خلال تحديد خصائصه وميزاته وإيجاد الحلول الجمالية في ضوء ذلك. المكان في الصورة هو الحيز الذي تجري فيه الأحداث عبر الصور المتحركة ويشكل المكان عنصراً مهماً من عناصر اللغة السينمائية، كما أن الزمان والمكان يلعبان دوراً مهماً في الفيلم السينمائي والمكان ذو أبعاد مادية واجتماعية ونفسية، أما الزمان فهو ذو بعدين هما الليل والنهار، لذلك فان المكان الذي لا يمت أي صلة بالزمن هو مكان افتراضي ألا المكان التجريبي الذي يعطي انزياحاً من ذاته للتوضيح الفيلم التجريبي وأمكانية انزياح مكانه الطبيعي إلى مكان ثانوي من نفس الجنس ولكنه ينزاح إلى مكان أخر افتراضي تصوري في خيال المتلقي، لذلك يحمل رمز قد يتكرر بالمكان التجريبي إلى عدة معاني وإيضاحات حيث يوظف المكان في السينما إلى عدة مستويات منها الدرامي والأيدلوجي والتشكيلي، فعلى المستوى الدرامي يقوم المخرج بالبحث عن المكان الذي يمكن أن يشارك في خلق التأثيرات الدرامية، من تشويق ومفارقة ومفاجئة وانقلاب درامي وتمويه أما على المستوى الأيدلوجي فان المكان يتحول إلى رسائل شفرية بين الإشارات والعلامات الدالة على المعنى الكامن داخلها، من الناحية الفكرية والمستوى الأخر هو المستوى التشكيلي وتغير الفنون التصويرية والمعمارية أساساً لاشكال فنية مكانية حيث وجود الكتلة والألوان والفراغات.بما أن الانزياح يخرق قانون الشيء فانه يخرق قانون المكان، وبما انه يقدم وظيفة تفسيرية وتعبيرية للمكان، فان المكان يحمل العديد من العلامات والتي لاتكون قاصرة على المعنى الواحد، أنما على العديد من الدوال في ذات اللحظة. لا ترتبط بالمكان ألغرائبي الذي يستمد من الخيال إنما المكان التجريبي فهو يستمد من مكان موجود يحال إلى مكان أخر بعد أن يزاح عنه واقعه الحقيقي كما لا يعد افتراضاً كما في فيلم (آفاتار) الذي أخرجه جيمس كاميرون، ووضع فيه مكان من خياله لواقع افتراضي ليس له وجود على عكس مكان المسرح الذي تدور عليه أحداث الفيلم التجريبي (دوق فيل)الذي خطط على انه مكان مدينة صغيرة لها.
8- الحوارات والاصوات والمؤثرات الصوتية كدلالات وتاثيره على المشاهد
على الرغم من أن الفيلم في أبسط تعاريفه هو وسط مرئي ، إلا أن أهمية الصوت لا يجب أبدا أن يتم إهماله حتى في سنوات القرن الماضي الأولى التي شهدت موجة الأفلام الصامتة التي كانت عبارة عن صور مترادفة هي الأخرى كانت مدعومة بموسيقى تصويرية بسيطة عبارة عن مقطوعة بيانو غير متكلفة ، أو معزوفة بسيطة أو أوركسترا . إلا أن الصورة الناطقة أسست عدة أجواء كانت تموج في تلك الأفلام البسيطة بل ربما وصل الأمر بها إلى أن تقود الجو العام للفيلم قائدةً سرده.
ان الحوار ليس مجرد حديث بين مجموعة من الشخصيات ، ولكنه واسطة لتوضيح سماتها ، موقعها الاجتماعي مكانتها الثقافية ، بعدها النفسي، علاقاتها فيما بينها فالحوار اذن ليس حديثا عاديا لان الشروط التي ينبغي توافرها في الحوار تخرجه عن نطاق الحديث العادي فهو ينبغي ان يكون عفويا وعلى توافق مع الشخصية ومع الموقف الدرامي وان يستثير حاسة الشوق والاهتمام والتلهف الى معرفة المزيد ، والحوار لا ياتي عاملا منفصلا عن الصورة بل هو عامل قدرة إقناعيه مضاف اليها سواء كانت القدرة مادية أو جمالية والحوار في التلفزيون و السينما لا بدأن يكون تعبيريا وليس تفسيريا لان الصورة كفيلة بإظهار الاحداث وتدل عليها وتنقلها صورة تشاهد لا تحتاج الى تفسير . ويستخدم الحوار في تجسيد فكرة أو هدف، فبجملة واحدة يمكن ان يعطي الحوار إنطباعا وتصورا كاملا عن فكرة الدراما ، ومن الاستخدامات التعبيرية الاخرى هي استخدام الحوار غير المتزامن أو المعزول لخلق حالة التناقض المضطرب وذلك بالانتقال من مجالات الحوار الى الصورة المرئية لابراز حالة التناقض والتآلف . والتناقض أو التضاد في مضمون لقطة او مشهد أخيرة وأولى من مشهد لاحق من شأنه أن يسهم في خلق تنويع بصري فمثلا تكون اللقطة الاولى ساكنة وتعقبها لقطة متحركة في المشهد التالي أو العكس ايضا . واذا كان الحوار يعتبر من مرجعيات النص ذاته فأن عمل المخرج في تجسيد الحل الاخراجي يتم من خلال قيادة الممثل وتوجيه ادائه نحو المعاني التي يريد المخرج ايصالها .,
إنّ وجود الموسيقى في السينما يُثير تساؤلا مثيرا . لقد تنقلت الموسيقى التصويرية بين الضرورة التجارية والإبداع التركيبي ، والذي يترك لنا مجالا للتفكير: ما هو دور الموسيقى في الفيلم ؟ اعتمادا على المُخرج والمؤلف الموسيقي، فإن الموسيقى التصويرية يختلف دورها بشكل جذري من فيلم لآخر .إذا كان العمل بين الُمخرج والمؤلف الموسيقي قد بدأ منذ أول خطوات العملية الإنتاجية نفسها فإننا نتوقع أن يكون التفاعل كبير بين الصوت والصورة .
9- التمثيل و الشخصيات كدلالة في الافلام السينمائية و تاثيرهم على المشاهد
يقول المخرج في فيلم إنجمار بيرجمان "بعد البروفة": "أعشق الممثلين. أحبهم بوصفهم ظاهرة، أشخاصاً استثنائيين. أحب مهنتهم. أحب شجاعتهم. أحب بغضهم للموت. أفهم نوازعهم الهروبية. أيضاً صدقهم القاتم الموجع. أهيم بهم حين يحاولون التلاعب بي. أحسدهم على سذاجتهم وذكائهم الحاد. ولأني أعشق الممثلين، فإنني أبداً لا أستطيع أن أجرحهم وأسئ إليهم"( 54).
النص شيء مادي، دلالته لا تقررها شفرة من خارجها، على نحو آلي، ولا عضوياً كوحدة كاملة رمزية، لكن من خلال استنطاقه لشفرته الخاصة. فقط من خلال هكذا استنطاق، هكذا حوار داخلي بين الإشارة والشفرة، ينتج النص فضاءات داخل المعنى. ينتج معنى من نوع جديد يتولد ضمن النص نفسه(55 ).
فصانعوا الأفلام قادرون ايضا على خلق نوع خاص من الحقيقة أو الصدق يستطيعون ببراعتهم الفنية , ومهارتهم التكنيكية , ومؤثراتهم الخاصة – ان يخلقوا عالما خياليا لا يصدق على الشاشة , ولكنه يبدو طوال عرض الفيلم قابلا للتصديق تمامًا(56 ). اللغة الكلامية في شقيها الشفهي والمكتوب، لديها القدرة على التعبير عن الإنسان بل وعن مكونات النفس البشرية بدقه ووضوح, إلا ان السينما هى الآخرى لديها نفس القدرة التعبيرية فيما يتعلق بمختلف جوانب حياه الإنسان .
وتجمع الدراما الأدبية بين إمكانيات النص الأدبي المنطوق والمكتوب لأنها معده كنص مكتوب , والهدف منه الإلقاء التمثيلي بواسطة الممثل المؤدى , سواء بصوت عال أو منخفض مستعينا بوسـائل مسموعة ومرئية ( موسيقى , مؤثرات صوتيه , ديكور , أثاث , اكسوار , ... ) حتى يحدث تأثير ما لدى المشاهدين والمستمعين . سواء بالمسرح أو السـينما أو التليفزيون وأيضا في الدراما الإذاعية .
وتبدو براعة الممثل في استخدامه لإطار المميزات الفوق لغوية , والفوق صوتيه لتصل الشحنة التعبيرية بتكثيف درامي فني عال القوه والتأثير للآخرين . إن الفنون بما فيها الفيلم دائما " قصديه " فيما تريد إيصاله , سواء أكان يتعلق بالمشاعر أو بالأفكار , إذ ان الفنون دائما تدل على شئ ما ملح , يرغب الفنان في إخبار الأخرين عنه ( 57).
10- الدلالات في الافلام الكردية و تأثيرهم على المشاهد بصورة عامة
مما لا شك فيه أن الواقع السينما الكردية لا يختلف عن واقع الشعب الكرديّ المشتّت بين الدول التي تقاسمته ، فهي ليست استثناءً بل ابنة واقعها التي طالما كانت محط الانظار من كل دول العالم و بالأخص منقاده ومحكومة بكثير من الأمور المفروضة عليها. لم تتَمَأسَس بعد، ولم تقف على أرضيّة صلبة تضمن لها الديمومة والتجدّد، بل حتى استمرارية الدخول في واقع جديد بالنسبة للأكراد الا وهي الدولة لأنّها لا تزال تبحث عن ذاتها وسط ذواتٍ تناهبتها. لذلك، يصعب عليها أن تتجاوز المعاناة والمأساة اللتين يعيشهما الكُرد حيث هم، لذا نجد هذه العلامات بشكل جلي في كل الاعمال الفنية الذي تعدو ان تخرج من صيرورة التعبير بواسطة مرموزات تظهر للعيان شيء ولكن مبطن بأشياء اخرى. أو مفاهيم اخرى. وكان للسينما الكردية بجانب الفنون الاخرى حصة الاسد في ذلك، ويصعب عليها كذلك أن تبتدع عوالم خياليّة، لذا توجب على معظم المخرجين الكرد أن يخاطبوا جمهورهم بلغة التعبير المبطن قديما و حديثا في الدول الاخرى المجاورة للعراق. في حين أن مَن تتوجّه إليهم وتحكي عنهم يبحثون عن مأوىً لهم يقيهم الحرّ والقرّ، ولا يعنيهم شيء من تلك الموضوعات التي لا تتطرّق إلى واقعهم، أو التي تتعالى عليهم بحجج الإبداع أو الخيال أو الثورة التكنولوجيّة، لأنّ الثورات السياسيّة والاجتماعيّة الكرديّة لم تحقّق مبتغاها بعد، ولم يتمتّع الإنسان الكرديّ بالحرّيّة، كي يبدع في جغرافيّته أفلاماً تروي روحه وطموحه، بل كل الدلالات تشير الى صور مبتغاه غير التي تشاهد من على الشاشة. ولم يكتفِ أعداء الكُرد بالتعتيمِ عليهم وإفنائهم، و لو في يومنا هذا الرمز و المرموز باتت ان تكون لغة مفهومة في كل بلدان العالم وخاصة التي تناضل من اجل توثيق الحرية، هنا نجد الدول الاخرى، وفي الجانب الاخر وضعوا عوارض وقيود من اجل توصيل المبتغى الفني من خلال التعبير والسيميولوجيا والدلالات المطروحة بل لاحقوا كلّ إبداعٍ كرديّ أينما كان، كتلك الزوبعة التي أثارتها تركيا لتمنع عرض فيلم «دافيد تولهيلدان»( 58). للمخرج الكرديّ، السوريّ مانو خليل في دولة الإمارات(59). مطالبة بشكل رسميّ وقف عرضه لأنّ العرض يُسيء إلى علاقات البلدين، بحجّة أنّ الفيلم يدعم الإرهاب. اي صحيح أن المخرج لم يتناول الموضوع التركي مباشرة بل اكتفى بالاشارات و الرموز السيميولوجية للتعبير عن واقع حياتي سيسيولوجي على رقعة جغرافية وتحت قيود دولة التي تمنع النطق باللغة الكردية. بالتزامن مع ذلك، تمّ تحقيق أضخم إنتاج سينمائيّ في تاريخ السينما التركيّة بعنوان «وادي الذئاب، العراق»(60 ). الذي شوّه صورة الكرديّ، بينما قُدِّم التركيّ الحامي الأوّل والأخير للشرق كلّه، وللإسلام بداية ونهاية، مدّعياً امتلاك الحقيقة والأحقّيّة. علما ان غالبية الأفلام المُنتجة كرديّاً التي تتحدث عن الواقع أو إنها تحاول ذلك على الأقلّ. ابتداءً بأفلام المخرج الكرديّ، التركيّ يلمــاز كوناي، الذي ركّز على تصوير واقع المناطق الكرديّة في تركيا، مروراً بالمخرج الكرديّ، العراقيّ هونر سليم، وصولاً إلى المخرج الكرديّ الإيرانيّ بهمن قوبادي، الذي لم يُردْ أن يخرج عن إطار الواقع، بل طوّر آليات عرضه. أكتفي هنا بمثالين يشكّلان نموذجين سينمائّيين كرديّين، ليس من باب الموازنة بينهما بل للتعريف بعيّناتٍ من عالم السينما الكرديّة، المجهولة بالنسبة إلى كثيرين كأهلها: «السلاحف أيضاً تطير» لبهمن قوبادي تأليفاً وإخراجاً و«بيريتان» لخليل أيْسال إخراجاً ومشاركاً جيندا باران وديرسيم زيرافان في تأليفه.
((السلاحف أيضاً تطير))
بوستر عرض (السلاحف نستطيع الطيران)
مقتطف صغير عن الفيلم
في العام 2002 حيث الاجتماعات و اللقاءات الساخنة تعقد علنا و خلف الكواليس و الحديث يجري على قدم وساق عن الحرب الامريكية المحتملة في العراق. وفي معسكر اللاجئين بالقرب من حدود كردستان ( التركية ) جمع كاك ساتلايت (سوران ابراهيم ) مجموعة من اليافعين و الشبان الكرد حوله في المعسكر لقيادتهم. الاطفال الكرد يقتلعون الالغام من الارض لبيعها بعد ان عجز رجال الامم المتحدة عن القيام بمهمتهم هذه نتيجة الخوف، فآسندوا المهمة هذه الى اكراد المنطقة. وفي معسكر اللاجئين يود الجميع التآكد عن طريق اخبار السي ان ان (CNN) فيما اذا كانت القوات الامريكية جادة في قيامها بالهجوم على قوات نظام صدام ام لا. ولذلك ينتظر الجميع كاكا ساتلايت ليترجم لهم الاخبار، لأنه احد المعجبين بأمريكا ويعرف بعض الكلمات الانكليزية. في هذه الاثناء تبدآ قصة حب كاك ساتليت للفتاة الكردية آگرين التي تعرضت للاغتصاب من قبل جنود صدام قبل سنوات وقد انجبت طفلا تفكر في قتله وفيلم السلاحف ايضا بامكانها ان تطير يتابع تفا صيل قصة عشق استثنائي بين ساتلايت وآگرين من جهة، كما انه يتابع مرحلة حرب ساخنة تجري رحاها في كردستان ولا تزال الآثار قائمة حتى الآن. في نهاية الفيلم يآتي الامريكيون الى كردستان ولكن ساتليت المعجب بهم يفقد احدى رجليه بلغم امريكي شارك الفيلم في مهرجانات عالميّة عدّة، ونال جوائز عديدة، محاولاً أن يختطّ لنفسه خطّاً سينمائيّاً خاصّاً به، إذ أنّه يعتمد في تجسيد أدواره على غير المحترفين. تكمن صعوبته في أنّه تصدَّى لتصوير الواقع من خلال شخصيّات واقعيّة،...
لقطة من فيلم السلاحف تسطيع الطيران والفتاة تحمل مجموعة من الالغام في سلة و تذهب بها للسوق للبيع
فالأطفال المفترَض بهم أن يكونوا معاقين في الفيلم، هم معاقون في الحقيقة، لذا فلم يظهر أداؤهم على أنّه تمثيل أو تكلُّف بقدر ما ظهر مقنعاً، وهذا بدوره اعتمد على حسن استخدام وإقناع المخرج، وقدرته على استخراج ما يريد من أولئك البسطاء البعيدين عن عالم السينما، من خلال توكيله أدوارهم الحقيقيّة لهم في الفيلم، حتَّى لَيختلط الواقع بالتمثيل، فيكون التمييز بينهما صعباً، وهذا ما ينقل انطباعاً إلى المشاهد على أنّه يشاهد فيلماً مرتجلاً أو تصويراً واقعيّاً لبشر مهمَّشين، في جغرافيّة كانت مهمَّشة وتسلَّطت عليها الأضواء، لأنّ هناك ما أوجب ذلك.. يلاحَظ في الفيلم تغييب متعمّد مدروس لجيل الشباب، لأنّ هذا الجيل كان يُستخدَم وقوداً للحروب التي بقيت رحاها دائرة في المنطقة، مما اضطرّ الكبار أن يُكبّروا الصغار ويحمّلوهم المسؤوليّات قبل أوانهم، لأنّهم الأمل، ولأنّهم مدفوعون إلى ذلك، والحاجة تفترض التضحية بالطفولة لصالح الاستمرار في الحياة. كما أنّه يقصّ سيَراً للحياة في عالم الموت والخراب، ويتصدّى لمرحلة حرجة من تاريخ العراق والمنطقة كلّها، وهي مرحلة ما قبل الحرب بأيّام قليلة، ويقدّم واقع المناطق المنكوبة التي لا يختلف زمن الحرب فيها عن زمن اللاحرب، لأنّها دائماً في حرب مع الموت الذي يربض فيها، مستخدماً كلّ الوسائل المشروعة وغير المشروعةيبدأ الفيلم بلقطة للطفلة آكرين وهي تهمّ بتحقيق رغبتها في الانتحار، ويختم بتحقيقها تلك الرغبة التي ظلّت مرافقة لها على مدار الفيلم. وذلك لأنّها اغتُصبت في حلبجة على أيدي أزلام النظام السابق، الذي أباد أبناء المدينة المقصوفة بالأسلحة الكيماويّة، فشوّه الناجين وشرّدهم، لتكون هذه الفتاة ضحيّة، قبل أن تصبح قاتلة لابنها الأعمى، ابن الزنا الذي حبلت به بعد اغتصابها.
صورة لمجموعة من الاطفال وهم يلعبون بالاسلحة الثقبلة
لم تنسَ كونها طفلة اغتُصبت بعد قتل أهلها، وأنها شرّدت مع أخيها المبتور اليدين، الذي يتنبّأ بما سيجري، وابنها الأعمى الذي يعكس الجور الذي يتوارثه الضحايا، والعاهات التي تولَد معهم. عمى الطفل يعكس عمى البصيرة عند آبائه المغتصبين، كما أنّ الأيدي المبتورة لخاله تعكس عُدم الحيلة وقوّة الإرادة معاً، وتعكس قوّة الحياة في مواجهة أعداء الحياة. أمّا آكرين، الطفلة أمّ الطفل، فهي الأرض التي تغتصَب وتغتصَب، وتنجب ممّن لا يستحقّون أمومتها التي تقصف الطفولة فيها، وتجترح لها الكوارث المتتالية، من طفلة تفقد ذويها إلى أمّ تحاول التخلُّص من عارها، الذي هو عارُ مَن جنى عليها. في طرحه هذا، يطرح المخرج إشــكاليّات لا تزال تنتظر الحلول المستعصية، ومنـها مشـروعيّة التخلُّص من ابن غير شرعيّ، ومَن يأبه بضحايا الحروب، ومَن يحاول تعويضهم عمّا لحق بهم من أضرار وعاهات، و مدى الصفاقة في الاستهانة بالقانون، هذا الذي يُخترَق في المثلَّث الحدوديّ «البرموديّ» الذي من دون حدود، إذ أنّه لا وجود لما يُصطَلَح عليه بالقانون هناك، لأنّه سيرى أنّ كلَّ ما هو محظور في القوانين والأعراف الدوليّة، معمول به ومطبَّق من دون أن يسأل أحدٌ عن السبب. فالأطفال المعاقون ومشوّهو الحروب وضحايا الاعتداءات يعملون، لكن ليس أيّ عمل، بل في أعمال مختارة بدقّة، ومنها العمل في تجميع الألغام وبيعها، إذ يحصدون بذلك الموت ليحيوا به. هذه من المفارقات والإشكاليّات التي يطرحها الفيلم، عبر شخصيّة ساتلايت، الفتى الطموح الذي يتزعّم جماعة من الأطفال، باعتباره أكبر منهم قليلاً ويلمّ إلماماً مغلوطاً ببعض الكلمات الإنكليزيّة التي يردّدها ويتباهى بها، ويدّعي أنّها تكفيه للتفاهم مع الأميركيين، وتفتح له بوّابة المستقبل. يتّخذ من مدفعيّة معطَّلة بيتاً له، لأنّه فقد كلّ ذويه في الحروب السابقة، كأنّي بالمخرج يقول إنّ السلاح يمكن أن يُستخدَم للحياة والإيواء بدلَ القتل والتشريد.
صورة لفتاة العمية والتي انجبتها فتاة صغيرة اخرى نتيجة الاغتصاب والتي دل على اغتصاب الارض
لكنّ ساتلايت يكتشف أنّه لا شيء أمام قسوة الزمن الذي لا يرحمه، عندما يفقد أحد قدميه في محاولة إنقاذ ابن آكرين من بين الألغام، فيقع صريع جرأته وحبيس مأساته، ويدير ظهره للدبّابات الأميركيّة القادمة، ولا ينبس بكلماته الإنكليزيّة، لأنّ الخير في اللغة الأمّ. هذا ما يقتنع به في النهاية، وإن لم يصرّح بذلك، لأنّ اللقطة الأخيرة له تعبّر أيّما تعبيرٍ عن حالته، ونظرته الصامتة الحائرة اليائسة أبلغ من كلّ كلامٍ يمكن أن يقال. لم يعصمْ مخرجُ الفيلمِ الكرديَّ من الخطأ، إذ لم يكتفِ بتصويره على أنّه الضحيّة فقط، باكياً ومستبكياً لحاله، بل عرض صورةً للكرديّ الانتهازيّ الذي لا يتوانى عن المتاجرة بأبناء شعبه في سبيل المال، وذلك من خلال شخصيّة مشتري الألغام الذي لا يريد أن يعرف أحدٌ أنّه كرديّ، كي يبقوا على حذرٍ منه، ويبقى هو في مأمنٍ منهم، متلاعباً بهم وبحيواتهم، بتجييرهم وتسخيرهم لجشعه الذي لا يرتوي.
بوستر اخر للفيلم (السلاحف تستطيع الطيران)
يصوّر الفيلم صمود الإنسان وقوّة إرادته وصلابته أمام ظلم أخيه الإنسان، ولا يحاول أن يفرض حكماً مسبقاً، لأنّه يحرص على إيصال رسائل عديدة مشفَّرة وواضحة، منها أنّ بشر هذه المنطقة، على الرغم من أنّهم يصبحون بفعل الحروب من راجلين على قدمين إلى متّكئين على عكّازات يدبّون عليها، أو إلى زواحف تزحف على الأرض، إلاّ أنّهم، مهما تبطَّأت حركتُهم وتبتَرت أعضاؤهم وتوقّف زمنُهم، فانهم يبدأون الطيران والتحليق في عوالم أرحب، ويقتحمون صلب اهتمام الإعلام العالميّ، يستقطبونه على الرغم منه، ويجبرونه على عرض مآسيهم، بل يوقظ في المعنيّين روح التندّم ومحاسبة الذات، لإهمالهم المُمنهج عالماً متجدّدَ الانتكاب تاريخيّاً، والهناء بغفواتٍ مسترقة من حيوات مُستلَبَة. يبقى أن أذكّر أنّه بالإضافة إلى أبطال الفيلم، كانت الطبيعة الرائعة البطلة الرئيسة. طوال الفيلم، أراد المخرج أن يبديها على حقيقتها، عصيّة على الاندثار والتغيّر، على الرغم مما مرّ عليها من عدوان وطغيان. فالجبال بقيت شمّاء، والسهول بقيت محتفظة بألقها وخضرتها، والأنهار لم تتوقّف عن الجريان، لتكون شاهدة حيّة تبثّ روح المقاومة، تتجدّد بالحرّيّة وتجدّد الحياة، مؤكّداً مقولة أنّ كلّ ذرّة تراب سقيت بدم شهيد، مجبر زائر المنطقة على الالتزام بنصيحة المعرّي: سر إن استطعت في الهواء رويداً/لا اختيالاً على رفات العباد. كما كان الانسجام بين البدايات والنهايات ملحوظاً، وكلّ ذلك على أنغام موسيقى يحار المرء من أين تستلب روحه، أو كيف تستأثر بحواسّه، عبر مخاطبتها أحسن وأرقّ ما فيه، من إنسانيّة متسامية حقيقيّة. خلال متابعة الفيلم، يتذكّر المُشاهد ويسترجع في ذاكرته أغنية البداية لمسلسل الأطفال الكرتونيّ «سنان»، التي تقول بصوت جوقة أطفال: «ما أحلى أن نعيش في خيرٍ وسلام/ما أحلى أن نكون في حبٍّ ووئِام/لا شرّ يؤذينا/لا ظلمَ يؤذينا/والدنيا تبقى تبقى آمال للجميع»، أيّ أنّه يعرض القبح الفاضح للشرّ عبر الجمال المنشود للخير والداعي إليه، وهذه أبلغ رسالة يمكن أن توصَل، وكفى بالجمال بشيراً، بعدما ظلّ دهراً شهيداً.
صورة للبطل الفيلم ستلايت بعد ما يبتر ساق
بيريتان *
بوستر فيلم بريتان
مقتطف صغير عن الفيلم :
فكرة الفيلم، مستمدَّة من قصة حقيقة لمقاتلة كردية في صفوف حزب العمال، اسمها بيريتان، وهذه الفتاة هي من منطقة ديرسم الكردية التي يقطنها الأكراد العلويون. ولهذه المنطقة تاريخ في التمرد والعصيان على النظام الأتاتوركي سنة 1937 إلى 1938، بزعامة الثائر الكردي المعروف "سيد رضا". وبيريتان هي ديرسمية/نسبة إلى مدينة ديرسم/ الأصل، لكنها اسطنبولية المنشأ والثقافة، تأثَّرت بأفكار أوجلان، وانضمَّت لحركته بحثاً عن الحرية والعدالة، فالتحقت بالمقاتلين في الجبال، أسوة بالشباب والصبايا الكرد الذين يشاطرونها الرؤى والطموح آنئذ. وبدأت معمعة الحرب وشروطها وظروفها تأخذ بيريتان إلى أحد معسكرات المقاتلين في كردستان العراق، في منطقة "خواكورك"، لتستلم قيادة مجموعة مقاتلين، بالرغم من أنه لم يدم التحاقها بالجبال أكثر من سنة. وفي خريف 1992، تجتاح عشرات الألوف من القوات التركية كردستان العراق. وبمساعدة بعض الأحزاب الكردية العراقية، تشن هذه القوات حرباً ضارية واسعة النطاق على مقاتلي حزب العمال، نتيجتها، تضطرُّ بيريتان لقيادة مجموعتها، لشن هجوم على أحد مقرَّات الجيش التركي، فتفقد أحد عناصر مجموعتها "فَدَكار"، وتستولي على الموقع. ومع ازدياد ضراوة المعركة، تفقد عنصرين آخرين هما "بيريفان" و"حسن"، من ثم تقع بيريتان في الحصار، وتبقى وحيدة، وتنفذ ذخيرتها على مقربة قمة تل، لها فيه ذكريات خاصة، فتقبِّل البندقية التي كانت تقاتل بها، من ثمَّ تكسرها، وترفض دعوة الـ"بيشمركه" للاستسلام، بعد أن ترى من قمة التل، أن أحد قياديي حزبها يستسلم، فتلقي بنفسها من تلك القمَّة الشاهقة، وهي تزغرد، رافضة منطق الاستسلام والهزيمة، فتفقد حياتها إثر ذلك.
بريتان إنه عنوان الفيلم، واسم الشخصيّة الرئيسة فيه أيضاً: فتاة متعلّمة مدنيّة «إسطنبوليّة»، التحقت بالثورة لأنّها رأت أنّ من واجبها الدفاع عن حبّها الكبير وعن كرامة أمّتها التي تُمتَهَن على أيدي الأتراك. إنها تقوم بأكثر من واجب: تعلّم وتقاتل وتحارب الخرافة المستوطنة في بعض الأذهان وتثور على العادات والتقاليد البالية البليدة، وتعكس قيمة وعظَمة ما يمكن أن تؤدّيه المرأة، وهي عظَمة لا تقلّ عن الأمومة أو الأخوّة أو البنوّة، كما أنها لا تريد أن تكون إمّعة أو ظلاًّ للرجال، لأنّها تبحث عن المجد من دون أن تُوصَف أو تُمتدَح على أنّها أخت الرجال، أو أن تكون راقدة مكتفية بأنّها وراء عظَمة أحدهم، ولا أن تشبَّه على أنّها كالرجال جسارة وبطولة، لأنّها سليلة الجبال، محتازة المجد ببطولتها، لا يمنعها عنه مانع، ولا يحرفها عن سبيل تحقيق ذلك أيّ سبب. هذا العنوان، وإن كان مأخوذاً من قصّة استشهاد حقيقيّة، لا يجسّد البطولة الفرديّة أو يكتفي بالإشارة إليها فقط، بل هو مثال وإشارة على أنّ بيريتان هي كلّ فتاة كرديّة حرّة، هي المرأة التي تغيّر المستقبل، هي عنوان للآتي أكثر منه لما تقدّم. كان يمكن اختيار عنوان آخر للفيلم، لكن لم يكن ذلك العنوان ليُنقص من قيمة شهادة بيريتان أبداً، بل كان يمكن أن يكون أشمل مدلولاً. ظلّ الفيلم وفيّاً لفكرة العرض الأحاديّ، الذي اعتمد على تصوير حياة الثوّار في الجبال بشفافيّة وواقعيّة. ومن دون التهويل في التعظيم، قدّم صورة سعَت إلى أن تحيط بأكثر من بعدٍ، فيها الحبّ الأسمى والتضحية العظمى والشرف والنبل والجبن والتخاذل
صورة بريتان الحقيقية (الشهيدة)
. وقدّم أيضاً صورة للخيانة، من خلال القائد الذي باع عناصره وقبض الثمن، الذي هو بقاؤه خائناً طيلة عمره، منبوذاً بين مَن اشتروه بدريهمات لا تغني، لأنّ مَن يخون أهله، لن يتورّع عن خيانة الآخرين، أي أنّه يكون معروضاً للبيع بضاعة رخيصة، لا أحد يتنازل على إلقاء نظرة عليها، لأنّها وباء يجب محوه. أما الجبن وانعدام الحيلة، فقد عرضهما الفيلم من خلال أكثر من نموذج، أحدها نموذج الثائر الذي يرتجف ويقعده الخوف ممّا سيلاقيه من القتال والدفاع عن رفاقه، وحتّى عن نفسه، فيبقى أسير جبنه، قتيل تخاذله، وأيضاً من خلال نموذج الثائرة التي أقعدها الخوف عن إطلاق رصاصة على الأعداء، مكتفية بالارتجاف والذهول الذي خلّفهما الهلع المتعاظم عندها، لتسقط ضحيّة جبنها وفقدان ثقتها بنفسها. وهؤلاء، بلا شكّ، قد حملوا بذرة الهزيمة في دواخلهم حتّى قبل أن يلتحقوا بالثورة، لأنّهم تقهقروا وركعوا أمام أوّل مواجهة حقيقيّة لهم مع الأعداء، فشلّهم الخوف وجمّدهم مكانهم، ليصبحوا عالّة على غيرهم. وقد لوحِظ أنّ شحذ الهمم من قبل الثوّار لهؤلاء لم تجدِ نفعاً، لأنّهم لم يحرّكوا ساكناً، ولم يطلقوا إلاّ رصاصة في الهواء، أي أحدثوا جعجعة، ثمّ سارعوا ليخفوا رؤوسهم في الرماد، ويدّعوا في قرارة أنفسهم وعلانيّة أن يكون ما يحيونه حلماً أو كابوساً. يُظهر الفيلم، بالطبع، أنّ هذه حالات واردة، ولا ترفُّع أو تساميَ أبداً في غضّ النظر عنها، بل الأصدق أن يُتحدَّث عنها وتُظهَر، كي يُقضَى عليها، لأنّ الإنسان يكون عرضة للكثير من العوامل والدوافع النفسيّة التي تتحكّم بسلوكه، كما أن هذا لا ينفي عنهم صفة الثوريّة التي لولاها لما التحقوا بالثورة، ولا وُجدوا حيث هم، ولكن لأنّ إظهار الصورة من مختلف الأبعاد يحتّم تصوير مثل هذه الحالات، للتوقّف عند هذه الآفة واستئصالها من الجسد الذي تنخره، فسلوكات كتلك قد تشوّش أو تغبّش صفاء الصورة في محاولة التثبيط من الهمم. يؤخذ على الفيلم أنّه لم يتغلغل في عمق المعسكر التركيّ ليصوّر الحالات النفسية للجنود الأتراك، وهم مقبلون على مواجهة الثوّار. لم يظهر بطريقة سينمائيّة اليأسَ الذي ينتاب العدوّ بعد كلّ عمليّة ناجحة من قبل الثوّار،
الممثلة بريتان و هي تلبس زي المقاتل و تحمل السلاح
فلو أنّه صوّر مثلاً بعض الأحاديث الدائرة بين العساكر الأتراك، أو بين بعض ضبّاطهم، قبل أن يقدموا على فعل معيّن، وليكن ذاك الفعل الهروب مثلاً، وكيف أنّ الواحد منهم يقنع الآخر بلا جدوى القتال، وبوجوب حلّ القضيّة حلاًّ سلميّاً يضمن حقوق الطرفين، من دون استهتار أو تضييع أو تزييف لحقوق الكُرد، وبعيداً عن اجترار الأوهام المدوّدة عن الهيبة الإمبراطوريّة أو العظمة السلطانيّة. أي إظهار العدوّ مُبلبَلاً مضعضَعاً من الداخل، معدوم الحيلة والوسيلة، أجوف لا يحمل ما يستميت في الدفاع عنه. اكتفى الفيلم بتصوير لقطات عدّة تذكّر باقتتال الإخوة، ولم يفصّل ولو جزئيّاً في أيّ من الأحداث المرافقة والمساندة، كي يلمّ المشاهد بالظروف التي دفعت أو تدفع إلى ذلك. لا يخفَى على المشاهد بعض التطويل الحاصل في الزمن، أو التمطيط في الأحداث: من ذلك مثلاً، في المشهد الأوّل من الفيلم، عندما يهمّ عدد من الغريلاّ باقتحام معسكر للجيش التركيّ، وتجري في خلال ذلك محادثة بين حسن (قائد المجموعة والمشرف الميدانيّ) والقائد الذي يترأسه، هذه المحادثة تُمَطّ، وكان يمكن الاكتفاء بالقسم الأوّل منها، مع تكثيف الحوار وإضافة جُمَلٍ معيّنة إليه (استغرق المشهد من الدقيقة السابعة حتّى الدقيقة العشرين). حدث ذلك في مواضع أخرى، ولو أنّ زمن الفيلم كان أقصر من ذلك، لكان التركيز والتكثيف مجديين أكثر، ولَما شاب وضوح رسالته شائبة، مع الملاحظة أنّه يتحوّل في بعض اللقطات إلى ما يُشبه تقريراً سياسيّاً أو إخباريّاً جرّاء مباشرته. يبدو من خلال الفيلم وكأنّ صنّاعه قد توجّهوا به إلى مشاهدٍ بعينه، إذ مرّت من خلال الفيلم الكثير من الجمل التركيّة التي لم تُترجم إلى الكرديّة، كأنّ الفيلم قد صُوِّر للكُرد الذين يلمّون بالتركيّة فقط، أي أنّه تجاهل التعدّد اللغويّ أو ثنائيّة اللغة بالنسبة إلى الكرديّ. كان ضروريّاً أن ترفق الترجمة المتعدّدة له، كي يتمكّن المشاهد الآخر من متابعته، والاستمتاع به. عند الانتهاء من متابعته، يكون هناك خيط بسيط فاصل واصل، حيث تتداخل الخيوط بين الواقع والتمثيل، وهذا يعكس الصدق في الأداء الذي خرج عن حدود التمثيل، خاصّة عندما نعرف أنّ مَن قاموا بأداء الأدوار هم ثوّار وليسوا ممثّلين.
الممثلة بريتان في لقطة مصارحة حبها لـ (حسن)
يخرج المشاهد بانطباعات مختلفة، كالحبّ والحقد والسعادة والاندهاش، ذلك كلّه مختلط بعضه ببعض. يغلب عليه البِشْر والأمل، طالما يوجَد هناك من يضحّون في سبيل القيم النبيلة، ليقدّموا براهين على أنّ الشعب الكرديّ شعبٌ حيّ لا تمحوه الكوارث، وإن هي تساهم في تأخيره، لكنّها تنمحي أمام عناده المحمود في دفاعه عن وجوده. يُعتبر «بيريتان»، بإمكاناته المتواضعة، إنجازاً في هذا الميدان الذي يحتاج إلى تكاتف اختصاصات متعدّدة لإنجاز سينمائي معيّن. وهو، على الرغم من اعتماده على جهود ذاتيّة، من دون خبرات عالميّة، استطاع أن يوصل إلى الجمهور رسائله التي كان موكولاً بحملها، وذلك من خلال تمثُّل المؤدَّى تماماً والصدق في الأداء، هذا الذي أظهر العمل وكأنّه يصوّر حقيقة رحى حربٍ قائمة بالفعل، حيث الرصاص الحيّ يئزّ ويلعلع، ليشعر المشاهد أنّه يشارك في كلّ تلقيمٍ للسلاح، وفي كلّ إطلاق للرصاصــات، ثمّ يتنفّس الصعداء بعد كلّ عملية منجَزةٍ، ويرتاح أو يغنّي مع الممثّلين وهم يغنّون أو يمرحون، يضحك لضحكهم، ويأسى لحزنهم، ويتأسّف لانتكاسةٍ غادرة مفاجئة، ويتلهّف ويسعد ويهتف لنجاح متحقّقٍ على أيدي مَن يساندهم ويتعاطف معهم، من ثوّارٍ يشعلون رؤوس الجبال نيراناً وآمالاً: النيران لتكون هناك فرصة لتبديد العتمة والظــلام، والآمال ليكون هناك ما ينبغي أن يعاش من أجله. كلاهما مرفوقان معاً، وكلاهما يحيلان على بعضهما البعض، يلتقيان ليكملا الدرب معاً إلى نقطة معيّنة، ترتاح عندها النيران أو تغيّر مسارها، ثمّ يكمل الأمل دربه إلى اللانهاية، في سلسلة استيلاد آمال، بعد أن كان الاستيلاد على أيدي الأعداء للآلام وحدها، ليصبح ذو الأمل، جديراً بأمله الذي لا يبخل عليه بالروح في سبيل تحقيقه. وبعدُ، حيث الدموع الصامتة والابتسامات المُدمعة لا تزال تُؤفلِمُ حياة الكرديّ، هل تبقى السينما الكرديّة مُنغواةً بالواقع تحاكيه سينمائيّاً، أم أنّها ستغيّر واقعها تمهيداً لتغيير إيجابيّ مأمولٍ يطال بُنى هذا الواقع المُحاكَى، لتــبني عليه، أو لتقلب المعادلة أملاً في أن يحاكيها الواقع وينغوي بها، وذلك بعد أن تتحدّد هويّتها، المبنيّة على حرّيّة وهويّة مَن تتحدّث عنهم؟
المصادر و الهوامش
1. من كتاب مدخل إلى السيميولوجيا لعبيد صبطي و بخوش نجيب ، دار الخلدونية للنشر و التوزيع الجزائر، الطبعة الأولى 1430هـ /2009 م
2. أنظر كتاب ما هي السيميولوجيا .برنار توسان ترجمة محمد نظيف ، إفريقيا الشرق 2000 ، الطبعة الثانية
3. أنظر كتاب مدخل إلى السيميولوجيا لعبيدة صبطي و نجيب بخوش ، دار الخلدونية للنشر و التوزيع ،الطبعة الأولى /2009 م
4. فرديناند دى سوسير / فصول فى علم اللغة العام / ترجمه إلى العربية د/ أحمد نعيم الكراعين/ نشرة دار المعرفة الجامعية – الاسكندرية
5. عواد علي، معرفة الأخر ( مدخل إلي المناهج النقدية الحديثة ) ؛ المركز الثقافي العربي ط1 1990
6. رولان بارت -- مبادئ في علم الدلالة - ترجمة محمد البكري ؛ بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ص 160
7. صلاح فضل - مناهج النقد المعاصر ؛ دار أفريقيا الشرق ط1 ص 96
8. د. ميجان الرويلي ود. سعد البازعي : دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي (بيروت)، ط 2 ،سنة(2000)، ص 106.
9. جيرار دولودال: السيميائيات أو نظرية العلامات، ترجمة: د. عبد الرحمن بوعلي، مطبعة النجاح الجديدة (البيضاء)، ط 1 (2000)، ص 21.
10. نفس المصدر السابق،ص22
11. ظوابط المعرفة و اصول الاستدلال و المناظرة، تاليف: عبدالرحمن حسن حنبكة، دار القلم دمشق بيروت،سنة1981،ط2،ص19
12. ظوابط المعرفة و اصول الاستدلال و المناظرة،تاليف: عبدالرحمن حسن حنبكة، دار القلم دمشق بيروت،سنة1981،ط2،ص19
13. كلود جيرمن، و ا ريمون لويلان، علم الدلالة، ترجمة نور الهدى لوشن، دمشق: دار الفاضل . للتأليف والترجمة والنشر،سنة 1994 ، ص 23
14. نور الهدى لوشن، علم الدلالة ، ليبيا: جامعة قان يونس، 1995 ، ص 27
15. عبد العزيز بن عرفة، مدخل الى نظرية السرد عند غريماس، مجلة الفكر العربي المعاصر ،العددان(44-45. بيرو، باريس: مركز الانماء القومي، 1987، ص 32 –
16. السيميولوجي الجوهري لمنطق لاحق و لعلم بلاغة التصنيف، ترجمة أمين صالح، موقع ،فنون الخليجwww.artsgulf.com
17. السرد السينمائي ، فاضل الاسود،ص60
18. ارنست فيشر، ضرورة الفن ،ترجمة اسعد حليم ،مكتبة الاسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1998،القاهرة، ص48
19. اشارة الى فلم لوي لومير "وصول القطار عام 1929".
20. اشارة الى فلم بونويل ,كلب اندلسي عام 1929.
21. السينما التدميرية , ا. فوغل,ص 9- ص10
22. دانيال تشاندلر، ترجمة طلال وهبة: أسس السيميائية, ط 1، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2008.
23. يوري لوتمان، ترجمة نبيل الدبس: مدخل إلى سيميائية الفيلم، (دمشق: منشورات وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما، 2001).
24. نهلة عيسى: أثر استخدام تكنولوجيا التعبير المرئي على محتوى الصورة التلفزيونيّة، رسالة دكتوراه، غير منشورة، (جامعة القاهرة: كلية الإعلام، 2006).
25. فادي أحمد: دلالات الصورة في الأفلام التسجيلية، بحث غير منشور،(جامعة الجنان: كلية الإعلام، طرابلس،2008.
26. عقيل مهدي يوسف: جاذبية الصورة السينمائية، دراسة في جماليات السينما، ط1،( بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، 200
27. نسمة أحمد البطريق: الدلالة في السينما والتلفزيون في عصر العولمة،( دار غريب للطباعة والنشر،القاهرة، 2004).
28. علاء عبد العزيز السيد: الفيلم بين اللغة والنص،(دمشق: منشورات وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما،2008.
29. البرت فولتون ، السينما الة و فن، ترجمة صلاح عزالدين و فؤاد كامل، مراجعة عبدالحليم البشلاوي، المركز العربي للثقافة و الفنون، ص7
30. دافيد ا. كوك، تاريخ السينما الروائية، ترجمة احمد يوسف، الجزء الاول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1999، ص17
31. وليم روثمان – عين الكاميرا مقالات في تاريخ السينما و نقدها و جماليتها – ترجمة و تقديم محسن ويفي – المركز القومي للترجمة –ط الاولى – سنة 2010 – ص18
32. البرت فولتون- السينما الة و فن- ترجمة صلاح عزالدين و فؤاد كامل – مراجعة عبدالحليم البشلاوي – المركز العربي للثقافة و الفنون – ص7
33. رايمود سبوستزوود – الفيلم و اصوله الفنية –ترجمة محمد علي ناصف – مراجعة منيرة ناصف – الهيئة المصرية العامة للكتاب –سنة 1966
34. محمد حيدر مشيخ-صناعة التليفزيون في القرن العشرين- الهيئة المصرية العامة للكتاب-سنة1994- ص44
35. دافيد ا. كوك – تاريخ السينما الروائية – ترجمة احمد يوسف – الجزء الاول – الهيئة المصرية العامة للكتاب – سنة 1999 – ص440
36. هربرت شيلر،الاتصال و الهيمنة الثقافية، ترجمة: د.وجيه حمدان، الهيئة المصري، لبنان سنة 1993، ص86/93
37. جون هوارد لوسون ، السينما العملية الابداعية، ترجمة علي ضياءالدين، بغداد دار الشؤن الثقافية، طبعة الاولى، سنة 2001، ص 335
38. طاهر عبد مسلم، الخطاب السينمائي من الكلمة الى الصورة، بغداد، دار الشؤن الثقافية العامة، سنة 2005، ص24.
39. دافيد ا. كوك – تاريخ السينما الروائية – ترجمة احمد يوسف – الجزء الاول – الهيئة المصرية العامة للكتاب – سنة 1999 – ص441
40. جوزيف م. بوجز، فن الفرجة.
41. د: نسمة احمد البطريق، نصوص السينما والتليفزيون والمنهج الاجتماعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1999- ص132
42. ميخائيل روم - أحاديث حول الإخراج السينمائي- ترجمة- عدنان مدانات- بيروت- دار الفارابي- سنة 1981- ص 60.
43. لوي دي جانتي- فهم السينما ترجمة- جعفر علي، بغداد: دار الرشيد، 1981، ص 584.
44. لوي دي جانتي، - المصدر نفسه- ص 133.
45. سيرجي ايزنشتاين – مذكرات مخرج سينمائي – ترجمة انور المشري- مراجعة كامل يوسف – المؤسسة المصرية العامة للتاليف و الترجمة والطباعة و النشر سنة 1963- ص193
46. هيرمان بلاي – الوان شيطانية و مقدسة ..اللون و المعنى في العصور الوسطى و ما بعدها – ترجمة د.صديق محمد جوهر- مشروع الكلمة التابع لهيئة ابو ظبي للثقافة و التراث سنة 2012
47. نفس المصدر، ص194.
48. روي ارمز – لغة الصورة في السينما المعاصرة- ترجمة سعيد عبدالمحسن – الهيئة المصرية العامة للكتاب –سنة 19( )
49. لوي دي جانتي- فهم السينما – ترجمة جعفر علي – دار الرشيد – بغداد – سنة 1981 – ص14492 – ص76
50. نفس المصدر السابق – ص147
51. نفس المصدر السابق – ص144
52. نفس المصدر السابق – ص141
53. جوزيف ماشيلي – التكوين في الصورة السينمائية – ترجمة هاشم النحاس – الهيئة المصرية العامة للكتاب –سنة 1983 – ص64
54. تأملات في التمثيل السينمائي.. الهوية والرصد المتبادل- كتابة: ستيج بيوركمان- ترجمة: أمين صالح – عين على السينما – الاربعاء 25 يوليو 2012-
55. بيتر والين - السيميولوجيا والسينما في لغة الفيلم (الجزء الأخير)- - ترجمة: أمين صالح-- الخميس، 26 أغسطس، 2010 - حياة في السينما
56. جوزيف .م. بوجز ,فن الفرجه على الافلام , ترجمة وداد عبد الله , دار الهيئة المصرية العامه للكتاب , القاهرة , 1995 , ص 34
57. مصطفى يحيى، التذوق الفنى والسينما، دار الغريب للطباعة، القاهرة،1991،ص 62
58. الفيلم الذي عرض في المهرجان الدولي الرابع للفيلم الشرقي في جنيف فهو فيلم " دافيد تولهيلدان" ومن المعروف ان هذا الفيلم شارك في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية ولا يزال يتلقى العروض منمهرجانات اخرى، على الرغم من الاحتجاجات التي يقوم بها النظام التركي كلما عرض في مهرجان ما، حيث يطالبون تلك المهرجانات من خلال سفاراتهم بوقف عرض الفيلم تحت حجة انه فيلم "إرهابي".
59. فيلم " دافيد تولهيلدان" يتحدث للمرة الاولى بشكل حقيقي ومن خلال اناس ليسوا اكرادًا عن قضية الشعب الكردي في كردستان تركيا، حيث يتحدث الفيلم عن حياة الشاب السويسري دافيد رويللر، ابن رئيس المحكمة الفدرالية السويسرية السابق الذي ومنذ ما يقارب السبع سنوات ترك خلفه وطنه سويسرا واتجه صوب جبال كردستان، حيث إلتحق بالمقاتلين الكرد. من خلال قصة هذا الشاب السويسري يتعرف المشاهد عن قرب على حياة المقاتلين الكرد في جبال كردستان، والاسباب التي دعته إلى ترك وطنه الجميل ليعيش العذاب في جبال كردستان. الفيلم يظهر بالتناوب حياة العائلة الكردية وحياة العائلة السويسرية.
60. وتدور أحداث "وادي الذئاب.. العراق" - وهو إنتاج تركي كندي مشترك، ومن إخراج التركي سردار أكار، وتأليف كل من بهادير أوزدمر وراجي شاماس، وتمثيل عدد من الممثلين الأمريكيين والأتراك والعرب- حول الحرب الأمريكية في العراق. ويسرد الفيلم الأحداث الواقعية عندما اعتقل جنود أمريكيون في 4 يوليو 2003 نحو 11 ضابطا تركيا في السليمانية في شمال العراق - للاشتباه في محاولتهم اغتيال محافظ كركوك - ويغطون رؤوسهم بأكياس من "الخيش" على نمط مشاهد سجن أبو غريب، وهو ما أدى في حينها إلى غضب واسع النطاق في تركيا، وأثار أزمة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن. تركيا التي رأت التصرف الأمريكي آنذاك بأنه محاولة لإهانة الذات التركية بعد رفض أنقرة السماح للقوات الأمريكية باستخدام قواعدها الجوية كجبهة مدعمة في الحرب على صدام حسين، وهذا ما خلق شعورا بجرح الكرامة لدى الشعب التركي. فالعلاقة بين أمريكا وتركيا هي من النوع الجيد نسبيا مقارنة بمثيلاتها في دول أخرى في العالم الإسلامي، ولكن التصرف الأمريكي تجاه الجنود الأتراك كان بالنسبة للكثيرين من الأتراك بمثابة إهانة، فقد تمت مقارنتهم بالإرهابيين؛ ولذا كان يجب تحقيق الانتقام، ولكن على شاشات السينما. ومن هذه الحادثة الواقعية تنطلق أحداث الفيلم الرئيسة حيث يخطر الضابط سليمان أصلان قبل انتحاره وتقبيله للعلم التركي ضابط المخابرات القناص "بولات أليمدار" الذي يشخصه الممثل التركي "نجاتي شاشماز" - وهو بطل مسلسل تلفزيوني تركي شهير من 90 حلقة يحمل عنوان الفيلم نفسه، وتدور أحداثه حول مكافحة البطل لعالم المافيا في تركيا - الذي يطارد خلال الفيلم الضابط الأمريكي الذي يحمل اسم "سام" - في إشارة إلى الكل الأمريكي - ويتمكن من قتله في النهاية انتقاما لكرامة الأتراك المجروحة.
61. *السلاحف تستطيع الطيران :تصوير: شهريار أسدي/ مونتاج : هايدة صافي ياري ، مصطفى خرغبوش، تأليف وإخراج : بهمان قوبادي /موسيقى: حسين علي زادة / إنتاج: أيراني- كردستان عراق- فرنسي /عام 2004 بطولة : سوزان إبراهيم، أفاز لطيف، صدام حسين فيصل، هيريش فيصل رحمن، عبد الرحمن كريم، عجيل زيباري. طول الفيلم: 90 دقيقة. بهمان غوبادي مخرج ايراني من أصل كردي ولد في 1 فبراير 1969 في بانيه بأيران . أتقلت أسرته الي سانانداج في عام1981 . نال قوبادي على ليسانس في الإخراج السينمائي من كلية الأذاعة الأيرانية بعد حياة مهنية قصيرة في التصوير الصناعي ، وبدأ بصنع أفلام قصيرة 8 مم. عمل بهمان غوبادي مساعد لعباس كياروستامي .إشترك الفيلم في 79مهرجان سينمائي دولي وحاز على أربعين جائزة منها؛ جائزة السلام من مهرجان برلين 2005 ، أفضل فيلم من مهرجان سان سيباستيان 2004 ، جائزة ل جنة التحكيم من مهرجان شيكاغو 2004 ، جائزة السلام من مهرجان مكسيكو 2005 ، جائزة الجمهور من مهرجان روتردام الدولي 2005 ، أفضل فيلم من مهرجان تبليسي عام 2005 ، جائزة من مهرجان ترومسو 2005 ، الفراشة الذهبية من مهرجان أصفهان 2004 ، الدولفين الذهبي من مهرجان فستوريا 2005 ، الجمجمة الذهبية من مهرجان مونلايت 2007 ، إختيارات مهرجان سندنس 2005 ، أسس بهمان غوبادي شركة للإنتاج السينمائي في عام 2000 وذلك بهدف إنتاج الأفلام في إيران حول المجموعات العرقية المختلفة . فيلمه الروائي الأول وكان من وقت للخيول المخمورة 2000
62. (*) قيلم (بريتان) إخراج: خليل اويسال وجندا باران ودرسين ورافانار / بطولة: بريتان جودي، جندا باران، روبار قامطو، مير جران، بريتان بوران/ إنتاج: كردستان العراق 2006/ يعد أول فيلم سينمائي لقوات كريلا يعرض في عالم السينما . يروي الفيلم قصة فتاة كردية قاومت وحاربت حتى الرمق الأخير في حربها مع الدولة التركية ولم تستسلم للعدو، كانت مثقفة مستقلة لا تعرف القوالب والعادات البالية، ورفضت الخنوع للذهنيات القديمة وإختارت لنفسها طريق الحرية والإستقلالية في قمم الجبال الشامخة، بريتان المحببة الرقيقة المليئة بالإنسانية أصبحت اليوم شعلة مضيئة في دروب الحرية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat