تفسير آيات من سورة النازعات
مير ئاكره يي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مير ئاكره يي

نص الآيات : { هل أتاك حديث موسى ( 15 ) إذ نادى ربّه بالواد المقدّس طُوَى ( 16 ) آذهب الى فرعون إنه طغى ( 17 ) فقل ؛ هل لَك الى أنْ تَزَكّى ( 18 ) وأهْدِيَكَ الى رَبِّكَ فتخشى ( 19 ) فأراه الآية الكبرى ( 20 ) فَكَذَّبَ وعصى ( 21 ) ثم أدبر يسعى ( 22 ) فَحَشَرَ فنادى ( 23 ) فقل ؛ أنا ربّكُمُ الأعلى ( 24 ) فأخذه الله ُ نَكَالَ الآخرة والأولى ( 25 ) إنَّ في ذلكَ لَعِبْرَة لمن يخشى ( 26 ) .
التفسير :
تبدأ الآية الخامسة عشر من الآيات الحكيمات المتلوة بتساؤل إستفهامي وخطابي من الله تعالى الى رسوله الصادق الأمين محمد – عليه الصلاة والسلام - ، بحيث ينطوي فيه التشويق والترغيب معا الى سماع موضوع ونبأِ رسول الله موسى الكليم – عليه الصلاة والسلام – وقتما كلّمه الله سبحانه بالواد المبارك والمقدس ، وهو المسمى بطوى في أسفل جبل طور سيناء بمصر ... في هذا التجلّي الرباني الكلامي لله تعالى مع عبده ونبيه موسى كلّفه بمهمة الذهاب الى فرعون ذي الأوتاد الطاغية المتألِّه ، لأنه قد طغى ، أي انه قد بالغ حدود الظلم والجور والاستبداد والاستعباد للناس . وحين المقابلة عليه أن يكون مَرِنا ومُتَلَطِّفا في الكلام والحوار مع فرعون الطاغية ، وأن يقول له : هل لك الاستعداد والرغبة ، أو الميل الى تزكية نفسك وتطهيرها مما علقت بها من السيئات والسلبيات والآثام ، حيث يتم ذلك بالهداية والإنابة والعودة الى الله تعالى لكي تخشاه وتتذكّره لترتدع عمّا أنت عليه من الظلم والاستبداد بالناس .
أما فرعون فبدلا أن ينصاع الى هذا المنطق القويم لموسى طلب منه المعجزة للبرهنة بأنه نبي مرسل ، فاراه موسى { الآية الكبرى } ، وهي عصاه التي آنقلبت بحضور فرعون ، وبإذن الله تعالى ومشيئته الى حيّة تسعى .. كان زمن فرعون معروف بالسحر والسحرة والشعوذة ، وكان هو لديه الكثير من السحرة والمشعوذين يعملون لديه .. لهذا طلب فرعون من موسى الإتيان بمعجزة على صدق دعوته ونبوّته . ولما رأى فرعون وملأه بأمِّ أعينهم الآية والمعجزة الكبرى كذّبها وموسى ، فعصى أمر الله تعالى بعناده وجبروته وإستكباره ، ثم وصف الآية الكبرى بأنها ليست إلاّ سحرا . وسمّاه الله سبحانه ب{ الآية الكبرى } ، لأنها أعظم ، أي العصا من معجزات موسى التسع .
ولما رأى فرعون إنقلاب العصا الى حيّة تسعى خاف فرعون وقام من على عرشه فولّى هاربا في ديوانه ، ثم نادى وصرخ بجمع السحرة والمشعوذين والعساكر والأتباع ، وحينما تم له ذلك قام فيهم خطيبا ، فصدع بمقالته الخبيثة الفاجرة ، وهي آدّعاؤه الألوهية ، أو الربوبية والقيمومية والمطلقية الاستبدادية على مجتمعه . وهذا هو تَصَوُّرُ وديدن كل حاكم مستبد وجائر سواء أعلن ذلك بعلانية ومباشرة كفرعون ، أو لم يعلنها ، قائلا لهم { أنا ربكم الأعلى } . وبهذه المقولة الاستكبارية فقد إستخف فرعون بقومه ومجتمعه ، وبعقولهم وكرامتهم وإنسانيتهم ، لكنهم مع الأسف بدل الإنكار والمعارضة قبلوه ورضخوا لجبروته وإستبداده وفرديته الظالمة وآدعاءاته المزيفة. ثم بعدها أخذه الله تعالى أخذا وبيلا وشديدا على مقالته الأخيرة ، حيث في فرعون وغيره من الحكام المستبدين عبرة وموعظة ودروسا بليغة وبالغة لأقرانهم من الحكام المستبدين وللمجتمعات أيضا .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat