رداً على تقرير مغلوط لهيومن رايس ووتش بخصوص المدونة الجعفرية!
السيد نصير شبر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد نصير شبر

الحديث عن “المدوّنة الجعفرية” يحتاج إلى فهم علمي وقانوني وديني لا إلى إثارة عناوين دعائية تتجاهل جوهر الحقيقة.
فالقانون الجعفري ليس تشريعًا طارئاً أو غريباً على البيئة العراقية، بل هو جزء أصيل من الموروث الفقهي الذي استندت إليه مرجعياتنا لعقودٍ طويلة قبل صدور قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959.
أولاً: القول إنّ المدوّنة “تمييز ضد المرأة” هو مغالطة واضحة، لأنّ الفقه الجعفري منح المرأة مكانة حقوقية راقية منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، قبل أن تعرف أوروبا مفهوم المساواة والوصاية القانونية. للمرأة في الفقه الجعفري ذمّة مالية مستقلة، وحق التملك والإرث، وحرمة التعدّي على إرادتها في الزواج. أما تفاصيل الميراث فهي أحكام شرعية نصّ عليها القرآن الكريم نفسه، لا يمكن لأي تشريع وضعي أن يلغيها أو يعيد تأويلها تحت ضغط الإعلام أو منظمات الخارج.
ثانيًا: الادعاء بأن المدوّنة “تخالف المادة 14 من الدستور” مردود، لأنّ المادة نفسها تكفل حرية المعتقد، وحرية كل مكوّن ديني في تنظيم شؤونه الشخصية وفقًا لمذهبه الفقهي. فكما أنّ للمسيحيين والصابئة أحكامًا خاصة في الزواج والمواريث، من حق أتباع المذهب الجعفري أن يحتكموا إلى فقههم. هذه ليست تفرقة، بل احترام للتنوّع الديني الذي أقرّه الدستور نفسه.
ثالثًا: الحديث عن “تبعية القضاء للمرجعية” هو توصيف سياسي أكثر منه قانوني. المرجعية لا تتدخل في القضاء، بل هي مرجع فكري وفقهي يبيّن الأحكام الشرعية، كما يرجع القاضي في القوانين الوضعية إلى مواد الدستور والنصوص القانونية لتفسير الأحكام.
الاستقلال القضائي لا يعني الانفصال عن مصادر التشريع، بل يعني أنّ القاضي يصدر أحكامه بحرية ووفق القانون الذي اختاره المشرّع، سواء كان وضعيًا أو شرعيًا.
رابعًا: من المؤسف أن تُصدر منظمة أجنبية تقاريرها اعتمادًا على تصريحات مبتورة دون الرجوع إلى الفقهاء أو المختصين في القانون العراقي. العراق ليس ولاية تابعة لمنظمة هيومن رايتس ووتش، ولا يمكن أن يُلغى تراث فقهي وحقوقي عميق لأن جهة خارجية لا تفهم بيئتنا الدينية والاجتماعية ترى فيه “تمييزًا” وفق مقاييسها الغربية.
أخيرًا: العدالة لا تتحقق بتذويب الهويّات الدينية، بل بتحقيق الإنصاف لكل مذهبٍ وفق معتقداته. والمدوّنة الجعفرية ليست قانونًا ضد المرأة، بل هي قانونٌ يحفظ كرامتها وحقوقها ضمن منظومة إيمانية متكاملة.
ومن أراد أن يناقشها فليدخل من باب العلم والفقه، لا من باب الشعارات السياسية والتأجيج الإعلامي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat