(مذكرات أقدم مدرس تاريخ في كربلاء، الأستاذ عبد الرزاق الحكيم) (الاهتمام بالقضايا الاجتماعية )
اسعد عبد الرزاق هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اسعد عبد الرزاق هاني

اتذكر جملة كان يكررها الاستاذ دائما ، لا يكفي البحث في تراث كربلاء ومحورها الظاهري ، علينا ان نبحث في روح المدينة في عقلها الباطني ، لهذا كان يدور البحث عن العلاقات بين الناس وروحية الكربلائي الاجتماعية ، هو يهتم بمثل هذه القضايا ويعتبرها جزء من تكوينه النفسي والروحي ، حتى ان الشعراء يكثرون في جلساتهم (الاخوانيات)، ومنها الرثاء؛ الذي يتذاكرون من خلاله سمات العلم والورع والتقوى، كذلك تبادل المديح الذي كان يعد أدبا اجتماعيا، واشتهر بين شعرائها التقريض الذي يدل على امكانية وتتبع، كما كثر بينهم (أدب التهئنة)، فاحتوى جميع المناسبات السعيدة؛ كالعودة من الحج او من أي زيارة خارج البلد، والزواج، ونجاح الاولاد، وكذلك ظهر بينهم (أدب الترحيب)، لأن من طبيعة هذه المدينة، استقبال الزائرين، لذلك صار أدب الترحيب يمثل وجه كربلاء، هناك قصائد ترحيب بالملوك والوزراء..
و(أدب المراسلة) الذي هو وجه من اوجه العلاقات الاجتماعية. وتمخـّض الوضع الاجتماعي عن (أدب المجالس) ومنه ما يتخذ طابع السخرية. وثمة عوالم من عتاب وهجاء، ينتقد بهما الشعراء، ومن ذلك الهجاء ما كان سياسيا.. ويبدو ان حديث الاستاذ عن معالم كربلاء، بما تشكله عنده من طابع روحي، مما أضطرني أن اسأل، كي اترك لنفسي فرصة اكتمال الموضوع من جميع جوانبه، قلت: ما دام الحديث يروى عن جوانب معينة من كربلاء، الا وهي حالة ادبها وشعرائها، اريد أن أعرف كيف تعاملوا مع موضوع المرأة؟ فابتسم حينها الاستاذ وقال: هذا الموضوع قد سبب الكثير من المناقشات والمحاضرات والقصائد التي راح البعض منها يطالب برفع الحجاب عن المرأة!! ومما أذكره الان أن احد علماء كربلاء، وهو السيد صدر الدين العاملي، الذي له عدة مؤلفات دينية وديوان شعر، قد رد على الشاعر الزهاوي الذي جاهر في قضية الحجاب، واعتبرها تجاوزا على الانسانية..
ورأى السيد محمد علي هبة الدين الحسيني: أن مثل هذه الامور لا تناقش اطلاقا، الاسلام وهب المرأة ما هو الاصلح لها.. وانقسم الشعراء بين من يتبرّم من الحجاب، وبين مادح له.
ومن مميزات كربلاء أنه لا احد من ادبائها او مثقفيها دعا الى السفور أو الى الاختلاط المباشر، وهذه بعض انعكاسات قيم المدينة المقدسة، فقد رأوا ان السفور سبيل الى الانهيار، وعده الحويزي من الخلاعة، ورأى:
(ان في ضياع الحجاب ضياع النسب). وقد أودعوا مراثيهم لامهاتهم الكثير من الاحترام والتقدير الجاد والصادق؛ فمنهم أبو الطوس، رأى من والدته رفيف المنى، وسلوة العمر. وآخر شبهها بالعمود، الذي يسند البيت. كما تغنى بعض الشعراء، كالسيد مرتضى الوهاب في ولادة ابنته (عطاء)، وكانت المرأة هي المحور الذي تدور حوله أغلب القصص، كونها المنبع الثر للمجتمعات الإنسانية. قلت الملاحظ ان كربلاء لم تشهد أدبا نسويا!!!
قلتُ: كيف وقد كتب مؤرخ كربلاء الاستاذ سلمان هادي آل طعمة، عن سطوع أدب نسوي عراقي، واصدر كتاب (شاعرات العراق المعاصرات) الا يعكس هذا اهتمام الكربلائيين بأدب كان لا يعبأ به المجتمع العراقي. وقد دارت ندوات ومحاورات كثيرة في الجامعات، والمنتديات العراقية، كان محورها المرأة والسياسة، ولكن كانت ثمة خشية ان تزج المرأة في مجالات لا تتلاءم مع طبيعة تكوينها. يبقى هناك اعجاب شعبي عام بنضال المرأة، ومشاركتها في حركات التحرير، كثير من الشعراء تغنى بـ(جميلة بوحيرد الجزائرية) كقصيدة الدكتور صالح جواد ال طعمة: (دخيلك، من عينيك، يزأر الصدى وهران يا باريس أسخى بالردى) وكان هناك حضور كبير للأدب الانساني، فاعتبر الاديب الكربلائي الفقر ضيفا ثقيلا فذموه كقول ابي الطوس: (خضت العلوم لنيلهن، وعندما أصبحتُ شاعر بلدتي المصداقا...
البؤس والفقر المروع والأسى، والنائبات غدت اليّ رفاقا)، كما كتب مظهر اطيمش للعامل: (يسومونك المثرون خسفا وذلة، وأنت جدير في الحياة قمين، تكد وتسعى كل آن، ولم تعق مساعيك اوصاب عدت وشؤون).وانعكست هذه الروح في التعامل العام وعلاقات الناس طغت في كربلاء على الامور المادية ، المدينة كانت صغيرة ناس تعرف ناس ، بيوت تتلاصق مع بعضها لتكون لحمة بيت واحد، جمعهم حب الله والدين وائمة اهل البيت عليهم السلام تحت خيمة الحسين سلام الله عليه خيمة المحبة والمودة والسلام
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat