صفحة الكاتب : د . محمد خضير الانباري

غَزَّة لَم تَهزِم ولم تَنكسِر- بل صَنعَت التَّاريخ
د . محمد خضير الانباري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

     تتناقلَ الأخبارُ أنَ مفاوضاتِ وقفِ إطلاقِ النارِ بينَ قيادةِ حركةِ حماسَ والكيانِ الصهيونيِ المحتلِ تجري حاليا وفقَ المقترحِ الأمريكي، وبرعايةِ وسطاءَ منْ مصرَ وقطرَ وعدد منْ الدولِ الأخرى . بعد أن وافقتْ الحركةُ على مسودةِ الاتفاق، إدراكا منها لأهميةِ الحفاظِ على حياةِ أبناءِ الشعبِ في غزة، الذينَ صمدوا في وجهِ العدوانِ بكلِ بطولة، وعلى الرغمِ منْ هذهِ الخطوةِ المهمة، فإنَ الحقيقةَ التي لا يمكنُ إنكارها هيَ أنَ حماسَ لمْ تهزم، وأنَ غزةَ خرجتْ منْ هذهِ المعركةِ مرفوعة الرأس، ومعها رؤوسُ العرب، والمسلمين، وكلً أحرارُ العالم.

   لقدْ واجهتْ الكيانَ الصهيونيَ بإمكانياتٍ متواضعةٍ لأكثرَ منْ سنتين، قويةٌ في معناها ومبدأها، رغمَ الدماءِ الطاهرةِ التي سالت، والدمارُ الهائل، والمجازرُ الوحشيةُ التي ارتكبتْ بحقِ المدنيينَ الأبرياء. أصبحَ واضحا أكثرَ منْ أيِ وقتٍ مضى، أنَ غزةَ لمْ تكسرْ ولنْ تكسرا. لقدْ راهنَ الاحتلالُ الصهيونيُ على كسرِ إرادةِ الشعب، وتحطيمَ الروحِ الفلسطينية، لكنهُ فوجئَ بأنَ ما حسبهُ نصرا عسكريا تحولَ إلى هزيمةٍ أخلاقيةٍ وسياسيةٍ مدوية. لدى العالم. بلْ إنَ الاحتلالَ يواجهُ اليومَ أزمةً داخليةً وجودية، حيثُ بدأتْ تتلاشى أوهامَ " الأرضِ الموعودةِ "، وتحولَ تركيزُ الكثيرِ منْ المستوطنينَ نحوَ الهربِ والعودةِ إلى الدولِ التي قدموا منها، بعدما اكتشفوا زيفُ الروايةِ الصهيونيةِ، وأكاذيبُ الإعلامِ الذي خدعهم.

      أصبحتْ غزةُ اليوم، بكلِ ما فيها منْ جراحٍ وألم، رمزا عالميا للمقاومةِ والصمودِ ؛  أطفالاً ونساءً ورجالاً ومقاتلين، يواجهَ واحدةً منْ أكثرِ آلاتِ القتلِ تطورا في العالم، بلا غطاءِ جوي، ولا جيش نظامي، ولا حمايةً دولية. ومعَ ذلك، فإنهمْ يصنعونَ تاريخا جديدا، لا يكتبُ بالحبر، بلْ بالدمِ والشرف. ليسَ بالتفاوضِ والمجاملات، بلْ بالإصرارِ والتضحية. غزة اليومِ لا تقفُ وحدها، بلْ تمتدُ جذورها في ذاكرةِ كلِ الشعوبِ الحرة. لقدْ أعادتْ إلى الأذهانِ ملاحمَ الشعوبِ العربيةِ التي قاتلتْ منْ أجلِ الحريةِ والاستقلال. أعادتْ إلينا وجعُ المليونِ شهيدٍ في الجزائر، وبطولةُ عمرْ المختارْ في ليبيا، وثورةُ العشرينَ في العراق. تلكَ الروحِ نفسها، بلْ ربما أشد، نشهدها الآنَ في شوارعَ غزةَ وحاراتها المدمرة. ومنْ تحتِ الركام، نهضتْ غزةُ — عروسُ فلسطينَ — موشحةَ بدماءِ أبنائها الأبطال. لمْ تنكسر، ولمْ تنحن، بلْ أعادتْ تعريفَ معنى النصرِ والهزيمة. فالنصرُ لا يقاسُ بعددِ الغاراتِ أوْ الصواريخ، بلْ بقدرةِ الإنسانِ على التمسكِ بحقه، والدفاعُ عنْ كرامته، ومواجهةُ الظلمِ ولوْ كانَ العالمُ كلهُ ضده. وهذا ما فعلتهُ غزة. أيقظتْ ضميرَ العالم، وفضحتْ الزيفَ الأخلاقيَ ، الذي كانَ يتخفى خلفَ أقنعةِ الدعمِ الأعمى للاحتلال. لقدْ بدأَ الرأيُ العامُ في أمريكا وأوروبا يتغير. حيثُ كانَ دعمُ " إسرائيلَ " عقيدةً راسخةً لعقود، خرجتْ اليومِ الملايينُ إلى الشوارعِ تهتف: " أوقفوا الإبادةُ " " الحريةُ لفلسطين " " ارفعوا الحصارَ " مشاهدَ لمْ نكنْ نحلمُ بها قبل سنواتٍ قليلة، لكنها اليومَ أصبحتْ واقعا حيا، يترجمَ غضبُ الشعوبِ وتحولَ وعيها. غزة لمْ تعدْ مجردَ مدينةٍ تحتَ القصف، بلْ صارتْ قضيةٌ عالمية، وشعلةٌ لا تنطفئُ في وجهِ الظلم. . الزمنُ القادمُ لنْ يكونَ كما قبله. (والقدسُ لنا) التي أنشدتْها فيروزْ " أصبحتْ أقرب الينا، لأنَ غزة، قالتْ كلمتها: لنْ نرحل، لنْ نكسر، لنْ نهزم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد خضير الانباري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/08



كتابة تعليق لموضوع : غَزَّة لَم تَهزِم ولم تَنكسِر- بل صَنعَت التَّاريخ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net