صفحة الكاتب : د . محمد خضير الانباري

الوحْدة والصَّمْتِ دَوَاء لِشفاء العاقلين
د . محمد خضير الانباري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    في هذا العالمِ المضطرب، الذي يعجُ بالأصواتِ النشاز، والتنافسُ على الصدارة، ربما، الخيارُ الأفضلُ لدى الأغلبية، يكمنَ في الوحدةِ والصمت، الذي يرفضهُ الكثيرون، لكنَ الفلاسفة لهمْ وجهةُ نظرهمْ ، وتفكيرهمْ الخاص، الذينَ أدركوا هشاشةُ هذا العالمِ المتقلب، وتغيرَ الموازينِ وتقلبِ الحالِ إلى حالٍ آخر، لذلك، قدْ أيقنوا في الوحدةِ والصمت، ملاذا في التأملِ لمعنى الحياةِ التي تستفزها المشاغلُ اليومية.

    إنَ لمفردتي الوحدة والصمت، معاني أخرى، فالبعض، يضعهما في صفةِ التعقيدِ والانعزالية،  وآخرين، يصنفوهما، بضعفِ الجانبِ النفسيِ والاجتماعي، لكنَ العقلاءَ المتفلسفين، لا ينظرونَ إليهما بهذا المنظارِ الشكلي، ولا يعدوهما هروبا من الواقع ، بلْ عودةً عميقةً إلى الذاتِ، للمراجعةِ والتجديد،  يضاف الى ذلك، فإن الصمت مهم جدا، في زمنٍ يعلو فيهِ الصوتُ على المعنى، يبدو فعلاً مقاوما ، لكنْ عندَ العقلاءِ، ليسَ سكونا سلبيا، بلْ هوَ شكلُ منْ أشكالِ الكلامِ العميق، في الصمتِ، تتكلمُ النفس معَ نفسها، ويعلو صوتُ الضميرِ، ويتلاشى الرأيُ العامُ. إنَ منْ يخشى الوحدةَ ، لا يخشى فقدانَ الناس، ومنْ يألفُ الصمت، لا يخافُ الفراغ.

       أنَ الإنسانَ يولدُ وحيدا ويموتُ وحيدا، وما بينهما ليسَ محاولاتٌ للهربِ منْ هذهِ الحقيقة، لكنَ العاقل، لا يهرب، بلْ يواجه، ذاتهُ في وحدتها، ويسبرَ أعماقَ فكرهِ في صمتهِ، فيتحولُ القلقُ إلى فهمِ، والخوفِ إلى طمأنينة. ونرى أمثلتها في الصوفية، كانَت الخلوةَ والصمتَ طريقا إلى معرفةِ اللهِ وتهذيبِ النفس، أما في الفكرِ البوذيِ؛ الصمتِ، والتأملِ أساس لتحريرِ العقلِ منْ المعاناةِ.

         يقولَ الفيلسوفُ الشرقيُ لاوتسي: الصمتُ مصدرَ قوةٍ عظيمة، وفي هذا القولِ تتجلى، الفلسفةُ الشرقيةُ في تقديرها للفراغِ والصمتِ كحالةٍ خصبةٍ للتأمل. أما الفيلسوفُ الرومانيُ سينيكا، فيقول: الإنسانُ الحكيمُ لا يهربُ منْ الناس، بلْ منْ الضجيجِ الذي يصيبُ روحهُ بالتشويش، فالوحدةُ تمنحُ الإنسانَ فرصة، لإعادةِ ترتيبِ أفكارهِ وإعادةِ النظرِ في مواقفه، وفهمَ ذاتهِ خارجَ ضغوطِ الجماعة.

    يقول الأديب الياباني هاروكي موراكامي: "الوحْدة والصَّمْتِ دَوَاء لِشفاء العاقلين: " أنا واحدٌ منْ هؤلاءِ البشرَ يفضلونَ البقاءُ بلا رفقة، ولكيْ أكون أكثر دقة، فأنا شخصٌ لا أجدُ في الوحدةِ أيَ ألمٍ أوْ عناء".

     في هذا الشأن، يقولَ الدكتورُ إبراهيمْ الفقي: الحياةُ أحيانا تحتاجُ إلى تجاهلِ الأحداثِ والأشخاص، فعودُ نفسكَ على التجاهلِ الذكي، فليسَ كلُ أمرٍ يستحقُ وقوفك. وهنا تكسبُ راحةَ البال.

     أما قراننا الكريم، فتناولَ الصمتُ في سورةِ مريم، فعندما دعا النبيُ زكريا (عليهِ السلام) الله- عزَ وجل- لطلبِ الولدِ في قولهِ تعالى: ( قالَ ربٌ إني وهنُ العظمِ منيَ واشتعلَ الرأسُ شيبا ولمْ أكنْ بدعائكَ ربا شقيا ) ، فقدَ أمرهُ اللهُ بالتزامِ الصمت، لتكونَ لهُ أيةٌ وعلامةً لقضاءِ حاجته، قالَ تعالى: (قالَ ربُ اجعلْ لي أية، قالَ آيتكَ ألا تكلمَ الناسِ ثلاثَ ليالٍ سويا ) .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد خضير الانباري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/03



كتابة تعليق لموضوع : الوحْدة والصَّمْتِ دَوَاء لِشفاء العاقلين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net