صفحة الكاتب : د . عدي علي كاظم

الملحمة الحسينية في الأدب العالمي ج2
د . عدي علي كاظم

  عُرف المسرح الحسيني في العراق وبعض الدول، كنوع من أنواع المسرح الأخرى. وبعد تبلور هذا النوع من المسرح، برز هنالك كثير من المختصين على مستوى التنظير والكتابة والإخراج والنقد والعرض، وأطلق على هذا النوع من المسرح تسميات عديدة، منها: إنّ هذا المسرح يعدّ مظاهر مسرحية وليس مسرحاً، وهناك من قال: إنه مسرح يحمل جميع عناصر العرض المسرحي الكامل. أمّا على مستوى النصّ المسرحي، فهناك من قال: إنه تراجيديا، ومنهم من نسبه الى المسرح الملحمي.

 هذا ما ذكرناه في الجزء الأول من الدراسة المنشور في مجلة صدى الروضتين بالعدد (500)، وبعد التطرق إلى تعريف الملحمة وأشهر الملاحم في العالم، يجب علينا هنا أن نذكر أهم مميزات الملحمة، وهي (5): 
- التنوع والتشعب في موضوعاتها.
- تمتلك الملحمة حدثًا رئيسًا.
- تكتسب الملحمة جمالياتها من خلال فكرتها والمعاني التي يتضمنها كلّ جزء من أجزائها.
- تمتاز شخصية الملحمة بالمزج ما بين القوى البشرية وقوى الآلهة، ويتمثل ذلك في شخصية في شخصية البطل الملحمي.
- تعكس الملحمة بعض القيم والمبادئ والمثل العليا.
- أبطال الملحمة قد يكون لهم وجود فعلي في الحياة.
- الملحمة تسمو وتتجاوز الوجود الفعلي للحياة.
- قد يكون البطل الملحمي فرداً من البشر يهتم بمنجزاته ومآثره البطولية. 
- قد تصبح الملحمة أسطورة أو بالعكس.
- من الصعب حساب الزمن في النص الملحمي على وفق قياساتنا ومفاهيمنا المعتادة، ويبدأ تضمين فكرة الملحمة الاجتماعية بالتبلور والتكوين، فهي واسطة نقل ومستودع للنموذج الأخلاقي، وفي الواقع كان الأدب البطولي بمثابة الكتاب المقدس في المجتمعات (الهندو أوربية) البدائية، وبالمثل فقد كان الكتاب المقدس في بعض النواحي المهمة أدباً بطولياً.
 ومن خلال استعراض الباحث لخصائص الملحمة من حيث الموضوع والبطل والقصة والهدف والشخصيات، نجد أنّ الملحمة الحسينية تستحق أن نطلق عليها ملحمة بجدارة؛ وذلك لامتلاكها مقومات الملحمة الإلهية التي كاد أن يكون بطلها ليس من البشر العاديين، وتستحق أن تُخلد مدى بقاء البشرية.
الشروط الواجب توافرها في الملحمة (6): 
- النوعية الرفيعة والجدية العالية، فعلى كُتّاب الملحمة التعامل مع الملحمة وكلماتها بطريقة متميزة جدًا.
- الغزارة والاتساع والشمولية.
- تروي قصة معروفة تعدّ بالفعل لجزء من ميثولوجيا مشاهد التنوع الهائل والتشعب في الموضوعات التي تعرض ذلك؛ لطول مقدارها، فهي تتسع لكي تنمو أجزاؤها النمو المطلوب (كما يقول أرسطو).
- تقوم الملحمة على وحدة عناصر للمعتقدات بين القوى الخارقة والقوى البشرية، والتآزر في إبراز المعاني والدلالات.
- أحداث الملحمة وأبطالها قد يكون لهم وجود فعلي إلا أنّ الملحمة تتجاوز الواقع لتصبح قصيدة تتضمن التأريخ.
- الملحمة وبناؤها الشعري هي ليست من إنتاج شاعر بعينه، وحتى لو نُسبت إلى شاعر، فإنّ الشعر الملحمي يُوصف بأنّه شعر لا شخصي ولا ذاتي، وبناءً على ما يفعله هوميروس حسب تأثير أرسطو أنّ على الشاعر الملحمي ألا يتكلم بنفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. 
- الملحمة هي منجز لشعب وربما شعوب، كما هو حال (ملحمة كلكامش) حسب رأي طراد الكبيسي.
- البطل الملحمي مقارنة بالبطل الغنائي، يكون أكثر امتلاءً من خلال تصرفاته وعلاقته مع الآخرين.
- لغة الملحمة هي لغة تمتاز بتنوعها التعبيري، وتعقدها، وغناها، وخلفيتها العاطفية، وفي قدرتها على استخدام لغة جميلة، وصور أسلوبية. 
 يرى الباحث من خلال الاستعراض المفصل وبإسهاب للشروط الواجب توافرها في أي ملحمة؛ لكي يُطلق عليها في لغة الأدب الرفيع أنها ملحمة من النوع الأول في الأدب العالمي رفيع المستوى، ومن خلال تتبع الباحث للملحمة الحسينية ومميزات الأخيرة، فقد امتلكت الملحمة الحسينية شروط الملحمة، لذلك حقّ أن نطلق عليها ملحمة على المستوى العالمي، ولم تنَل الملاحم العالمية على مدى التأريخ على الخلود الذي حصلت عليه الملحمة الحسينية وبدون منازع، لذلك خُلّدت في ذاكرة الأجيال لأكثر من ألف وأربعمائة عام ونيف، و(كلما مرّ الزمان ذكرها يتجدد)، وكلّ من قرأ وسمع وشاهد الملحمة الحسينية يظلّ عقله وفكره مشدودًا لها، وتبقى حرارتها متوقدة في قلب كل من أحبّ ونصر الحق، حتى من لم يكن مسلمًا .
شهدت الملحمة الحسينية منذ وقوعها إعلاما مقاوماً عظيماً حسب رأي الدكتورة زينب فخري في كلية الإمام الكاظم، إذ رأت أنها تتمثل في:
- دور العقيلة زينب (عليه السلام) عبر خطبتها الأولى التي كانت في الكوفة مرتكزة على التأنيب والتقريع؛ باعتبارها من العارفين بحقهم.
- أما خطبتها الشهيرة في الشام، فكانت مختلفة المحتوى؛ إذ سعت فيها إلى كشف حقائق ومواجهة التضليل الإعلامي الذي مُورس في حينها.
- الدور الإعلامي للإمام السجاد (عليه السلام) وأثره في نشر القضية الحسينية ومظلومية الإمام الحسين (عليه السلام)، واتسم الإعلام الحسيني الزينبي السجادي بالصدق والواقعية والاستدلال المنطقي والاستشهاد بآيات القرآن الكريم والتدرج في الخطاب، وبتغيير محتوى الخطاب يتغير المجتمع المخاطب.
- المنبر الحسيني يعد وسيلة إعلامية ثقافية مهمة، عمل على نشر ثورة الإمام الحسين (عليه السلام).
- ترى زينب فخري في مقالة لها عن ثورة الإمام الحسين (عليها السلام): أنّ الوسيلة الإعلامية الفاعلة هي الفضائيات التي تمتلك تأثيراً كبيراً على المشاهدين لتحكمها بحاستي السمع والبصر، ولكنهما ظلت حبيسة برامج تقليدية تعاد سنوياً.
- الأفلام السينمائية والتلفزيونية.
- الوسيلة الإعلامية الأخرى التي تتسم بالجمالية والهدوء التي تنطوي تحت خيمة الفن التشكيلي، وخلدت اللوحات لاستلهامها هذا الحدث العالمي.
- الوسيلة الإعلامية الأخرى، الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه سلاح ذو حدين يُستعمل أحيانا استعمالًا غير سليم.
ومن خلال ما سبق، ناقش الباحث عنصر النص المسرحي، ونسب الباحث النص المسرحي الحسيني إلى المدرسة الكلاسيكية القديمة ذات القواعد الدرامية والأدبية الصارمة، وأهمها عظامية اللغة، وعظامية الشخصيات.
ويجب أن ينطوي المسرح الحسيني على عرض جيد يراعي به عظمة الملحمة الحسينية من خلال وظيفة المخرج في التلاعب بعناصره، واستخدام أدواته التي يمتلكها في إخراج عرض مسرحي يتناسب وعظمة القضية الحسينية، فمثلما يجب أن تنطبق قواعد المدرسة الكلاسيكية على النص المسرحي الحسيني، ويجب أن يحتويها العرض المسرحي الحسيني. 
 ويتساءل المتلقي والقارئ للنصّ المسرحي وللأدب الحسيني، ولهذا المقال: لمن يعرض المسرح الحسيني؟ وماهي نوعية الجمهور أو نوعية المتلقي لهكذا ملحمة عظيمة؟، والجهد الذي يجب أن ينصبّ في قضية الملحمة الحسينة الخالدة، وانتقالها من جيل إلى آخر، ولتكون ملهمة لكلّ الأجيال، واستخلاص العبر والمواعظ العظيمة التي قامت من أجلها القضية الحسينية، لذلك يجب أن تترسخ تلك المبادئ والقيم في ذهن المتلقي، وهذه المهمة تضامنية بين الكاتب والمخرج؛ لكي تصل إلى المتلقي.
 وهنا المتلقي هو حجر الزاوية وهو المحطة الأخيرة التي يجب أن يسير إليها كل من الكاتب والمخرج بعناية فائقة، كلما سار النص المسرحي الحسيني والمخرج للمسرح الحسيني على تعاليم وميزات تمتاز بالجدية والحذر، واتباع النظريات التي تهتم بالأدب الرفيع، فبعملية اختيار المتلقي يرى الباحث أن نسير وفق نظريات الأدب في عملية إيصال تلك المبادئ السامية التي احتوتها الملحمة الحسينية. 
 لقد عمد النقد السابق لدخول المفاهيم النقدية الحديثة التي ابتدأت بظهور علم اللسانيات متمثلا في سيمولوجيا (بيرس)، وسيموطيقا (سوسير)، عمد النقد القديم إلى تغييب دور القارئ، وأخذ على عاتقه مهمة تفسير وجهوزية، بحيث أصبح دوره سلبياً في العملية الابداعية والانتاجية.
وبعد ظهور البنيوية، اشتغل النقد على أساس تسليط الضوء على المنجز (النص) بغض النظر عن ظروف مكوناته ومؤسساته التي أبدعها المؤلف، وهو اتجاه يسير نحو تنصيص النصّ، التي سُمّيت بـ(لحظة النص) وهو عكس ما جاء في نقد القرن التاسع عشر التي تمثل في لحظات ثلاث هي: (التاريخية، الاجتماعية، النفسية)، وبعدها البنيوية ظهرت مدارس تعمل على أساس انتاجية المعنى، وتوليد الدلالة، منها: التفكيكية، والقراءة، والتلقي، والتأويل. 
 أمّا بخصوص التفكيكية التي تربع على عرش ريادتها (جاك دريدا)، فقد أخذت تهتم بعملية القراءة والتلقي التي ألقي بها في ساحة القارئ الذي يقوم بتوليد مكونات دلالات المعنى. 
جعلت التفكيكية من قبل القارئ دوراً مهماً في عملية الانفتاح على النص، ويصبح النص قاعدة لنصوص عديدة متوالدة، فالنص يساوي قراءته (7). 
 وبعد هذا الاستعراض لنظريات النقد ومنها البنيوية، ونظرية التلقي، ونظرية التأويل من تسير عملية التلقي وفق متلقٍ فاهم وعارف ماذا يشاهد أو يسمع، وهنا يجب أن نشير إلى موضوعة البحث بعدما أشرنا إلى أن يكون النصّ المسرحي الحسيني نصّا جيدًا عبر احتوائه على مميزات النص الجيد، وكذلك العرض المسرحي الحسيني يجب أن يكون عرضاً جيداً من خلال تمكن مخرج العرض من أدواته التي يعمل بها من أجل انتاج نصّ جيد، وصولاً إلى متلقٍ فاهم ومدرك لأدوات التلقي ونظرياته، ويجب أن يستخلص المتلقي للملحمة الحسينية العبر والأهداف السامية التي قامت من أجلها الثورة الحسينية(9). 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) ينظر: اينجل مدينا: الملاحم والرواية، ت: عباس، مجلة الثقافة، الأجنبية، السنة الخامسة، العدد، دار الشؤون الثقافية، بغداد 2005، ص30.
 (2) طراد الكبيسي: البناء الفني في الأدب الملحمي العراقي القديم (ملحمة جلجامش أنموذجا) سلسلة افاق (8)، دار الشؤون، بغداد 1994، ص15.
(3) أحمد أبو زيد: الملاحم كتأريخ وثقافة، مجلة عالم الفكر، العدد الأول، المجلد (16)، الكويت 1985، ص4 .
(4) كلكامش واكا أو حصار أوروك، ترجمة وتقديم، فؤاد يوسف قزانجي، مجلة الثقافة الأجنبية، العدد الأول، السنة (2007)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2006، ص6 .
(6) ج أ.ب فان بوثينان: المهابهاراتا، ت: كامل يوسف حسين، مجلة الثقافة الاجنبية، دار الشؤون الثقافية، العدد (4)، بغداد، 1985، ص67 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عدي علي كاظم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/25


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • الملحمة الحسينية في الادب العالمي  (ثقافات)



كتابة تعليق لموضوع : الملحمة الحسينية في الأدب العالمي ج2
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net