الاسْتثْمار فِي القيل والْقَال
د . محمد خضير الانباري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . محمد خضير الانباري

استوقفتني هذه العبارةٌ التي قرأتها في أحدِ التعليقاتِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، لما تحملهُ منْ دلالاتِ ومعانٍ تستحقُ التأمل. دفعتني هذهِ العبارةِ للتفكيرِ في الخوض في بعضِ جوانبها، خاصةُ، وأنها ترتبطُ بسلوكٍ شائعٍ وخطيرٍ في مجتمعاتنا اليوم. فتذكرتْ أولاً، قولُ الله- سبحانهُ وتعالى- في محكمٍ كتابه: (يا أيها الذينَ آمنوا إنَ جاءكمْ فاسقٌ بنبأٍ ، فتبينوا أنْ تصيبوا قوما بجهالةِ، فتصبحونَ على ما فعلتمْ نادمينَ) وهيَ آيةٌ عظيمةٌ، تتضمنُ توجيها إلهيا واضحا وصريحا، بضرورةِ التأكدِ منْ الأخبار، قبلُ تصديقها أوْ نقلها، أو نشرها بينَ الناس، لما لذلكَ منْ أثرٍ بالغٍ في حفظِ كراماتِ الناس، وصونَ المجتمعِ منْ الفتنِ والإشاعات. إنها دعوةٌ إلهيةٌ للبشريةِ جمعاء، تحثَ على التروي، وعدمَ الانسياقِ خلفَ كلِ ما يقالُ دونَ تحققٍ من الكلام المنقول. غالبا، ما تنطلقُ هذهِ الأحاديثِ المخالفةِ للحقيقةِ والواقع، منْ زوايا الظلال؛ منْ أماكنَ يغيبُ فيها العملُ الحقيقي، أوْ منْ جلساتٍ فارغةٍ تفتقرُ إلى المعنى، كما في المقاهي، أوْ مجالس الشوارع التي يغلبُ عليها الفراغ. إنَ تداولَ هذه العبارةٍ (القيلُ والقالُ) ، ليسَ مجردَ تسليةٍ عابرة، وتبادل للأخبار بلْ هوَ سلوكٌ اجتماعيٌ خطيرٌ يخلفُ آثارا عميقةً في المجتمع ، ويقوضَ الثقةَ بينَ الأفراد. قدْ يكونُ الانجرارُ إليهِ سهلا، لكنَ الترفعَ عنهُ موقفٌ نبيلٌ وشجاع.
تعد الكلمةُ مسؤولية، بسبب تأثيرها المباشر في بناءِ السمعةِ أوْ تدميرها، قدْ يفوقُ في خطورتهِ هدمَ البيوت وتفتيت العوائل ، بلْ هوَ شكلُ منْ أشكالِ التسليةِ الخبيثة، يقومَ على نقلِ الكلامِ دونَ تمحيصٍ أوْ تحقق، وغالبا ما يضافُ إليهِ الكثيرُ منْ التهويلِ والتحويرِ تبعا للناقل لها. يدفعَ إليهِ الفضولُ ، قدْ يبدو أحيانا الناقل لها بريئا في مقصده، لكنهُ في جوهرهِ ، يحملُ سموما اجتماعيةً خفية، تضعفَ الثقةُ بينَ الناس، وتزرعَ بذورُ الريبةِ والشك والتفرقة بين المجتمع، فتنهارُ العلاقاتُ وتشوهُ السمعة- دونُ وجهُ حق.
لهذهِ العبارة، نتائج وخيمة، على الضحايا المستهدفين، خاصةً في المجتمعِ النسوي، التي لا ترى جراحهمْ بالعينِ المجردة، لكنها، تنزفَ في الخفاءِ سمعةً تهدر، وعائلاتٌ تتفكك، وعلاقاتُ عملٍ تتوتر، وقلوب تنكسرُ بصمتِ والمأساةِ الكبرى أنَ الجانيَ في هذهِ التجارةِ السامة، نادرا ما يحاسب، لأنَ الناسَ اعتادوا التهاونُ معَ الكلمة، وكأنها لا تحدثُ أذى، وكأنها لا تقتلُ إنَ بعضَ الأخبارِ المظللة، أقسى منْ السيوف، وأشدُ وقعا منْ الجراح. لقدْ تحولتْ هذهِ الظاهرةِ عندَ بعضهمْ منْ سلوكٍ عابرٍ إلى مهنةٍ مدفوعةٍ الأجر، يتقنَ صاحبها فنَ التلاعبِ بالكلماتِ وتشويهِ السمعة، مقابلَ مكاسبَ ماديةٍ أوْ خدمةٍ لأجنداتٍ خفية. عينهُ على شخصٍ بعينه، يترصده، يقتاتَ على الإساءةِ إليه، ويجعلَ منْ النيلِ منْ المختلفينَ معهُ في الرأيِ قوتا يوميا. إنها مهنةُ الهدمِ الخفي، حيثُ تدارُ حملاتُ التقسيطِ لا بالحجج، بلْ بالأقاويلِ والافتراءات.
قالَ الإمامْ علي (عليهِ السلامُ ) : " لا تعجلنَ إلى تصديقٍ واشٍ وإنْ تشبها بالناصحينَ ". في حين، قالَ الحسنْ البصري: " منْ نمَ إليك، نمَ عليكَ "
هنالكَ مشلْ فرنسي يقول: بعضُ الناسِ سيكرهونكَ حينُ تنجح، ويتمنونَ لكَ الأسوأَ حينَ تسقط، ويبتسمونَ لكَ في الحالتين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat