صفحة الكاتب : د . محمد خضير الانباري

على رَأسِك رِيشة – اِمتِياز بِلَا اِسْتحْقاق
د . محمد خضير الانباري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  قرأتُ تعليقا لأحدِ الأشخاصِ على صورةٍ لقبيلةٍ منْ السكانِ الأمريكيينَ الأصليين، يظهرَ فيها أحدُ أفرادِ القبيلة، وهوَ يشوي قطعا منْ اللحومِ على موقدِ النار، ومنْ حولهِ مجموعةٌ منْ الفتياتِ، يرقصنَ ويتفننُ على أقراع الطبول، واضعا على رأسهِ ريشةً كبيرةً . كتبَ في تعليقه: ( يا سلام، أكلٌ وشوى ورقصٍ وغناء، وفوقَ هذا كله، على رأسهِ ريشة! يا أحلى منْ هكذا حياةٌ ) ، فعلا، أحيانا البساطةُ والفرحُ الصادقُ هما المعنى الحقيقيُ للحياة. 
    تُستعمل عبارة "على رأسك ريشة في بعض الدول كنوع من السخرية أو النقد المباشر للشخص الذي يتجاوز القانون في تصرفاته من دون أن يُحاسب، أو تُجرى محاسبته بشكل شكلي وغير كافٍ. وفي كثير من الأحيان، يُقصد بـ "حملة الريشة " أولئك الذين يُمنحون امتيازات وحقوقًا تفوق غيرهم ممن يملكون المؤهلات نفسها، سواء في التوظيف الحكومي أو في مجالات العمل الأخرى، ويعود ذلك عادةً إلى القرابة أو الصداقة أو الانتماء الحزبي لصاحب القرار. 
     تتجسد هذه الظاهرة في صور متعددة في وقتنا الحاضر؛ فبعض الأشخاص، يتصرفون وكأنهم لا يسيرون على الأرض، مثل بقية البشر، بل يطيرون بجناحين أو حتى بريشة واحدة موضوعة بدقة فوق الرأس كأنها تاج مقدّس. أو أشخاص يتجاوزون طوابير المراجعات في المؤسسات الرسمية، أو أفراد يسيرون في الشوارع بموكب ضخم وسيارات مظللة بلا رادع أو محاسبة، وحتى في المطارات، يُستقبلون بمعاملة استثنائية تميّزهم عن الآخرين، فلا تُفتح حقائبهم الشخصية. لأن "على رأسهم ريشة"،.
      سادتْ هذهِ الظاهرةِ في المجتمعاتِ العشائريةِ أوْ الإقطاعية، كما كانَ الحالُ في خمسينياتِ القرنِ الماضي خلالَ العهدِ الملكيِ في العراق، حيثُ كانَ يتمُ تفضيلَ أبناءِ الشيوخِ أوْ الملاكينِ الكبارَ في التعييناتِ بالمناصبِ الحكوميةِ العليا- خصوصا- في السلكِ الدبلوماسي.
     انتشرتْ هذهِ الظاهرةِ في الآونةِ الأخيرة، بشكلٍ ملحوظٍ في العديدِ منْ المؤسساتِ الحكومية، نتيجةُ تفشي الفسادِ الإداري، حيثُ أصبحَ التمييزُ واضحا بينَ الأفرادِ يتمُ على أساسِ القرابةِ أوْ الوساطةِ أوْ دفعِ الرشوة، بديلاً عنْ الكفاءةِ أوْ الخبرة. فتجدُ أنَ فئاتٍ معينةً منْ المجتمع، سواءً كانتْ مرتبطةً بالجهات الحاكمة، أوْ المؤسساتِ التنفيذيةِ أوْ التشريعية، ذاتَ النفوذِ المالي، التي جعلها تتمتعُ بـــ " الريشةُ " التي تجعلها فوقَ القانون، أوْ تمنحها امتيازاتٌ لا يحصلُ عليها المواطنُ العاديُ .
     في الدولِ التي تحترمُ شعوبها، لا وجودَ لريشِ على الرؤوس، بلْ توجد قوانينُ تطبقُ على الجميع، لا يهمُ منْ أنت. بلْ ماذا فعلت. يكمنَ الخطرُ الكبير، ليسَ بحاملها، بل، منْ وضعها على رأسه، لقدْ تحولَ الاستثناءُ إلى قاعدةٍ عرفيةٍ للتمييز، وأصبحَ المحاسبةَ أداةً انتقائية. يمكنَ أنْ تكفَ الشعوبَ عنْ الصمت، حينُ تفضحُ الريش، وتسمى الأمورُ بمسمياتها، حينُ يكون السؤالُ" منْ وضعُ الريشةِ " وليسَ فقطْ منْ يلبسها؟
وهذا ما يتطلبُ إصلاحاتٍ قانونية، تشددَ في العقوباتِ على مرتكبي حملةِ الريشةِ في حالةِ تجاوزهمْ القوانينَ النافذة.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد خضير الانباري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/22



كتابة تعليق لموضوع : على رَأسِك رِيشة – اِمتِياز بِلَا اِسْتحْقاق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net