صفحة الكاتب : د . محمد خضير الانباري

الجريمة المسْتحيلة مِن اَلْباب السِّياسيِّ
د . محمد خضير الانباري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  أثناءَ متابعتي لأحدِ مقاطعِ الفيديو على منصاتِ التواصلِ الاجتماعيِ المصرية، استوقفني مشهدٌ مميزٌ لقاضٍ مصري، وهوَ يحاورُ محاميا أمامهُ حولَ مفهومِ الجريمةِ المستحيلةِ فقدْ عرضَ القاضي مجموعةً منْ الوقائعِ والأمثلةِ القانونية، طالبا منْ المحامي تحليلها واستخلاصُ القصدِ الجنائيِ منها، ومناقشةُ ما إذا كانتْ تعدْ جريمةٌ مكتملةٌ أما ناقصة، طالما أنَ تحققَ القصدُ كانَ مستحيلاً بطبيعته. لمْ يترفقْ المحامي في الإجابة.
       لقدْ دفعني فضوليٌ القانونيِ والمعرفيِ إلى التعمقِ في البحثِ حولَ مفهومِ هذهِ الجريمةِ المستحيلة؛ إذْ وجدتْ أنَ لها عشراتُ التفسيراتِ في المجالينِ الجنائيِ والأكاديمي، غيرَ أنني آثرتْ أنْ أتناولها منْ زاويةٍ سياسية، حيثُ أرى العالمُ منْ حولي يغصُ بجرائمَ " مستحيلةٍ " ترتكبُ، ثمَ تقيدُ ضدَ مجهول، تماما كما يحدثُ في بعضِ القضايا الجنائية.
    يتمثل مفهوم " الجريمةِ المستحيلةِ " في جانبها الجنائي؛ تلكَ الحالاتِ التي يشرعُ فيها الفاعلُ بارتكابِ فعلٍ إجراميٍ مقصود، إلا أنَ النتيجةَ لا تتحققُ بسببِ استحالةِ التنفيذِ لاعتباراتٍ مختلفةٍ، ومنْ أمثلتها: محاولةُ إطلاقِ النارِ على شخصِ باستخدامِ رصاصاتٍ خاليةٍ منْ البارود، أوْ محاولةِ سرقةِ شخصٍ لا يملكُ شيءَ أساسا، يرى البعض أن خطورة النية تكفي لقيام المسؤولية الجنائية، فيما يرى آخرون أن الاستحالة، تجعل العقاب بلا معنى لغياب الخطر الحقيقي.
     أما في عالمِ السياسة، فالجرائمُ لا تتجسدُ دائما ، في صورةِ انقلاباتٍ عسكريةٍ أوْ مؤامراتٍ تقليدية، بلْ، قدْ ترتكبُ أحيانا على مرأى منْ الجميع، داخلَ المواقعِ الرسميةِ ذاتها، متخفيةً وراءَ شعاراتٍ وطنيةٍ رنانةٍ مثلٍ " التغييرِ " و " الإصلاحِ " أوْ " تطبيقِ القانونِ ". إنها صورةٌ منْ صورِ الجريمةِ المستحيلةِ في بعدها السياسي؛ جريمةً لا تبدو جريمةً في ظاهرها، لكنها في حقيقتها قدْ تكونُ أشدَ فظاعة.
     تستعملُ مفردةَ " الجريمةِ المستحيلةِ " كأداةٍ في حملاتِ التسقيطِ السياسيِ بينَ القوى المتنافسة، خاصةً خلال الحملاتِ الانتخابية، كما يحصل للأسف في بلدنا ،  فتوجهَ اتهاماتٍ بالتحريضِ أوْ التشويهِ المتبادلِ بين الجهات السياسية المختلفة، بهدفِ إعاقةِ الخصومِ ومنعهمْ منْ تحقيقِ أهدافهمْ أوْ الوصولِ إلى السلطة التشريعية، بينما يبقى المحرضُ الحقيقيُ مجهولُ الهويةِ في واقعنا العربي. نجدُ أمثلةٌ عديدةٌ على ذلك؛ مثلٌ استخدامِ بعضِ التهمِ السياسيةِ ضد معارضينَ أوْ ناشطينَ حتى لوْ لمْ يشكلْ فعلهمْ أيَ تهديدٍ حقيقيٍ للأمن، أوْ سنِ تشريعاتٍ تجرمُ مجردَ محاولةِ نشرِ معلوماتٍ سريةٍ حتى في غيابِ معلوماتٍ حقيقية. 
   في الجانب السياسي، تتمثلَ الجريمة المستحيلة في خرقِ القوانينِ النافذة، واستخدامَ القانونِ نفسه، كأداةٍ للجريمة، إلى جانبِ استخدامِ وسائلِ الإعلامِ لتنفيذِ تلكَ الجرائم، وأخطرها، التي ترتكبُ في الظلام، أوْ تحتَ سقفِ الديمقراطيةِ للدولِ ذاتِ الفسادِ الإداريِ والمالي ، بل احيانا، تستغلُ كوسيلةٍ لقمعِ المعارضينَ ، أوْ يطرحُ كخيارِ ضمنَ السياساتِ العامةِ لمنعِ الجرائمِ عبرَ آلياتٍ تشريعيةٍ وتقنية، وحديثة، وما أكثرها اليومُ في عالمِ الذكاءِ الصناعي. 
     
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد خضير الانباري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/21



كتابة تعليق لموضوع : الجريمة المسْتحيلة مِن اَلْباب السِّياسيِّ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net